الأربعاء  01 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إسبانيا و"إسرائيل": قطيعة قديمة تعود إلى الواجهة

2025-10-01 06:47:20 AM
إسبانيا و
إسبانيا وكيان الاحتلال

الحدث العربي والدولي 

نشرت صحيفة فزغلياد الروسية تقريرا تناولت فيه العوامل التاريخية والسياسية التي تفسر التوتر المزمن في العلاقات بين إسبانيا كيان الاحتلال، وتوضح أسباب الموقف الإسباني المتشدد تجاه تل أبيب، لا سيما في ظل العدوان المستمر على قطاع غزة.

وذكرت الصحيفة أن العديد من الدول الأوروبية صعّدت من لهجة انتقاداتها للاحتلال مؤخرا بسبب استمرار العدوان والحصار المفروض على قطاع غزة، لكن إسبانيا تميزت بخطاب أكثر حدة وصلابة من باقي العواصم الأوروبية.

وأشارت إلى أن مدريد اعتمدت خطة شاملة لمواجهة سياسات الاحتلال، تجلّت في مواقف غير مسبوقة، من بينها تصريح ساخر أعربت فيه الحكومة عن "الأسف لعدم امتلاكها قنبلة نووية" لردع الاحتلال، بالإضافة إلى حظر استخدام القواعد العسكرية الإسبانية، مثل "روتا" و"مورون دي لا فرونتيرا"، في عمليات نقل الأسلحة الأمريكية إلى الاحتلال.

وتأتي هذه الخطوات ضمن سلسلة من الإجراءات الإسبانية، شملت وقف صادرات الأسلحة إلى الاحتلال، والمطالبة بمنع مشاركتها في مسابقة "يوروفيجن" الغنائية، إلى جانب إلغاء المرحلة النهائية من سباق "فويلتا إسبانيا" للدراجات، بعد مظاهرات حاشدة مؤيدة لفلسطين في مدريد.

من جهته، وصف وزير الخارجية في حكومة الاحتلال جدعون ساعر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز وحكومته بأنهم "عار على إسبانيا"، واتهمهم بالتحريض على الاحتلال، في إشارة إلى تصريحات سابقة حول "الندم على عدم امتلاك سلاح نووي".

وكانت إسبانيا قد اعترفت رسميا بدولة فلسطين عام 2024، ووصف سانشيز الخطوة بأنها "مسألة عدالة تاريخية"، واستجابة لـ"تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة"، و"ضرورة من ضرورات السلام".

وترى الصحيفة أن الموقف الإسباني ليس نابعا فقط من قرارات الحكومة، بل يعكس أيضا المزاج الشعبي؛ إذ أظهر استطلاع أجراه معهد "إلكانو الملكي" أن 82% من الإسبان يرون أن ما يحدث في غزة يرقى إلى إبادة جماعية.

ولفهم هذا التوجه المتشدد، تشير الصحيفة إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين مدريد وتل أبيب لم تبدأ إلا عام 1986. فخلال حكم الجنرال فرانسيسكو فرانكو (1939–1975)، رفضت إسبانيا الاعتراف بالاحتلال، مفضّلة إقامة علاقات قوية مع دول البحر الأبيض المتوسط، وخاصة الدول العربية.

وكانت إسبانيا آنذاك تعاني من عزلة دولية نتيجة دعم فرانكو لدول المحور في الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى حرمانها من عضوية الأمم المتحدة حتى 1955، وسحب السفراء الغربيين منها. وخلال تلك الفترة، استقبلت الجامعات الإسبانية أعدادا كبيرة من الطلبة العرب، بينهم فلسطينيون، مما ساهم في ترسيخ الحضور العربي داخل البلاد.

ونقلت الصحيفة عن الأكاديمية لوز غوميز أن الإسبان، لعدم مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية، لم يشعروا بمسؤولية خاصة تجاه معاناة اليهود في أوروبا، كما حدث في ألمانيا وفرنسا مثلا.

أما المؤرخة روزا ماريا باردو سانز، فأكدت أن فرانكو سعى لكسب دعم الدول العربية المحافظة والأنظمة القومية مثل عبد الناصر وصدام حسين، مقابل موقفه الرافض للاعتراف بالاحتلال، طمعا في دعمها لمطلب إسبانيا باستعادة جبل طارق.

وأضافت أن هذا التحالف مع العرب ساعد إسبانيا على تجاوز أزمات الطاقة وخفّف التوتر مع المغرب بشأن الصحراء الغربية. كما أن الاحتلال، بحسب بعض الروايات، كان يعارض رفع الحظر الدبلوماسي عن مدريد، ما جعل فرانكو أكثر تصلبا في موقفه منها.

ويقول هيثم عميرة فرنانديز، مدير مركز الدراسات العربية المعاصرة، إن فرانكو عزز موقع بلاده الدولي عبر دعم استقلال الدول العربية الناشئة، ما أكسب مدريد حلفاء جددا ساهموا في كسر عزلتها.

وبعد وفاة فرانكو، وخلال المرحلة الانتقالية، أصبح الدعم الشعبي للفلسطينيين جزءا من الخطاب العام في إسبانيا، وهو ما تجلى في زيارة ياسر عرفات عام 1979. ثم اعترفت حكومة فيليبي غونزاليس بالاحتلال عام 1986، استجابة لشرط الجماعة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي لاحقا) لانضمام إسبانيا.

في المقابل، دعمت الحكومة الإسبانية المحافظة عام 2012 حصول فلسطين على صفة "دولة مراقب غير عضو" في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وترى الصحيفة أن علاقات مدريد التاريخية مع العالم العربي منحتها موقعا مميزا مكنها من لعب دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما انعكس في استضافة مدريد لمؤتمر السلام عام 1991 بدعوة من الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، تمهيدا لاتفاق أوسلو.

لاحقا، طورت إسبانيا علاقاتها مع الاحتلال في مجالات الأمن والتجارة والاستخبارات، وتوج ذلك بإصدار قانون عام 2015 يتيح لليهود السفارديم المطرودين من إسبانيا قبل خمسة قرون الحصول على الجنسية، دون أن يشمل الموريسكيين المسلمين المطرودين في الفترة نفسها، ما أثار جدلا حول ازدواجية المعايير.

ومع انتهاء العمل بذلك القانون عام 2023، بدأت العلاقات بين البلدين في التدهور، لتصل مؤخرا إلى حالة من القطيعة شبه التامة.

وتختم الصحيفة تقريرها بالتأكيد على أن الموقف الإسباني الحالي لا يبدو مجرد تكتيك سياسي مؤقت، بل انعكاس لجذور تاريخية عميقة، ورسالة واضحة بأن مدريد باتت واحدة من أبرز العواصم الأوروبية المدافعة عن القضية الفلسطينية.