الحدث العربي والدولي
منذ فرض الحصار البحري على قطاع غزة عام 2007، لم تكتفِ إسرائيل بمنع إدخال البضائع وحرية التنقل عبر الموانئ، بل امتد نهجها إلى اعتراض السفن المدنية والإنسانية في عرض البحر. هذه الاعتداءات التي تكررت عبر السنوات، غالباً في المياه الدولية، شكّلت انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ورسخت سياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين ومن يتضامن معهم.
أبرز تلك الاعتداءات وقعت في 31 مايو 2010 عندما هاجمت قوات الاحتلال سفينة مافي مرمرة التركية، إحدى سفن "أسطول الحرية". الهجوم حدث في المياه الدولية وأدى إلى استشهاد عشرة متضامنين وإصابة العشرات، ما أثار صدمة عالمية وأدى إلى أزمة دبلوماسية حادة مع تركيا. هذه الحادثة مثّلت نقطة تحول كشفت للعالم وحشية إسرائيل في التعامل مع المبادرات الإنسانية السلمية.
في السنوات التالية، بين 2011 و2018، واصلت البحرية الإسرائيلية اعتراض سفن أصغر مثل مادلين وحنظلة وغيرها، والتي حاولت إيصال مساعدات رمزية إلى غزة. ورغم أن هذه القوارب لم تحمل أي تهديد أمني، إلا أن الاحتلال تعامل معها بعقلية المنع والمصادرة، حيث كان يتم توقيف النشطاء واعتقالهم مؤقتاً قبل ترحيلهم قسرياً. هذه الممارسات أظهرت أن أي محاولة لكسر الطوق البحري تواجه بالردع العسكري.
ومع مرور الوقت، استمرت الاعتداءات بوتيرة متقطعة خلال الأعوام 2020 حتى 2024، حيث اعترضت إسرائيل عدداً من المبادرات الأوروبية والدولية. الاحتلال برّر هذه العمليات بأنها تهدف إلى "منع تهريب السلاح"، لكن النشطاء والمنظمات الحقوقية أكدوا أن جميع السفن كانت إنسانية وتحمل مساعدات خاضعة للتفتيش.
وفي مايو 2025 شهدت الاعتداءات تصعيداً خطيراً، إذ تعرّضت إحدى سفن الأسطول لهجوم بطائرات مسيّرة في المياه الدولية قرب سواحل مالطا. ورغم أن الهجوم لم يسفر عن إصابات، إلا أنه ألحق أضراراً جسيمة بمولدات الكهرباء، وأثار إدانات واسعة اعتبرت ما جرى "إرهاب دولة" واستهدافاً متعمداً لمبادرة إنسانية سلمية.
أما في أكتوبر 2025، فقد واجه أسطول الصمود العالمي، وهو النسخة الأوسع من أسطول الحرية، اعتراضاً كبيراً حيث أوقفت البحرية الإسرائيلية نحو 14 سفينة من أصل 37 أثناء إبحارها في المياه الدولية، بينما واصلت بقية السفن طريقها نحو غزة. الاحتلال برّر تدخله بأن الأسطول "ينتهك حصاراً قانونياً"، فيما أكد المنظمون أن ما جرى هو انتهاك صارخ للقانون الدولي، كون الاعتراض وقع بعيداً عن المياه الإقليمية الفلسطينية.
هذه الاعتداءات، من "مافي مرمرة" في 2010 وصولاً إلى "أسطول الصمود" في 2025، تؤكد أن إسرائيل حولت البحر إلى ساحة أخرى من ساحات الحصار. وبينما لا تحمل هذه السفن في الغالب سوى رسائل رمزية ومساعدات محدودة، إلا أن الرد الإسرائيلي العنيف والمتكرر يكشف عن إصرار الاحتلال على عزل غزة ومنع أي كسر فعلي أو حتى رمزي للطوق البحري المفروض عليها.