الأربعاء  22 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التعبئة التربوية: صمود بين الاحتلال الإسرائيلي والانهيار اللبناني

2025-10-05 04:35:56 PM
التعبئة التربوية: صمود بين الاحتلال الإسرائيلي والانهيار اللبناني
أرشيفية

الحدث العربي والدولي

تُعد التعبئة التربوية في حزب الله إحدى الأدوات الفعّالة في مشروع الحزب، فهي في نظره أداة إيجابية تخدم المقاومة وتُطوّرها، وتتجاوز الجانب التعليمي التقليدي لتتحول إلى وسيلة متكاملة لترسيخ الهوية الوطنية كما يراها الحزب، وصياغة وعي مجتمعي قائم على الصمود والتعبئة. فمنذ تأسيسها، عملت هذه الهيئة على إعداد جيل يتشرب خطاب المقاومة ويضعه في قلب هويته السياسية والاجتماعية، عبر شبكة واسعة من المدارس، الأنشطة الثقافية، الجامعات، المخيمات والورش الشبابية.

مع اندلاع المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، ازدادت أهمية التعبئة التربوية وبرزت في قلب المشهد التربوي والاجتماعي. فقد طال قصف الاحتلال الإسرائيلي عددًا من المدارس والجامعات في الجنوب والبقاع، ما دفع الحزب عبر هذه الهيئة إلى إطلاق مبادرات ومطالبات بإعادة الإعمار وتأهيل المؤسسات التعليمية. في المقابل، شكّل النزوح الجماعي وضغط المعاناة اليومية تحديًا إضافيًا، إذ انشغل الأهالي والطلاب بتأمين الأساسيات للعيش، وهو ما انعكس على المشاركة في النشاطات التربوية. ومع ذلك، استثمر الحزب هذه اللحظة لتعزيز خطابه بأن الصمود في وجه المعاناة جزء أساسي من مسار المقاومة.

على الصعيد الداخلي، تبدو التعبئة التربوية جزءًا لا يتجزأ من البنية التنظيمية لحزب الله، فهي لا تعمل بمعزل عن مشروعه السياسي والعسكري، بل تشكّل إحدى أدواته لترسيخ حضوره في المجتمع. ومن خلال هذه الهيئة، يسعى الحزب إلى ملء الفراغ الذي تتركه مؤسسات الدولة اللبنانية المنهارة، مقدمًا نفسه كبديل قادر على توفير ما عجزت عنه الدولة. فالتعبئة تُنظم مساعدات تعليمية للطلاب، وتقدم منحًا ودعمًا في المناطق الفقيرة والمتضررة، وتؤسس لفعاليات ثقافية وتربوية تهدف إلى صوغ هوية جديدة مرتبطة برؤية الحزب للانتماء الوطني ودور لبنان في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

هذه الوظيفة المزدوجة — التربوية والخدماتية — جعلت التعبئة لاعبًا أساسيًا في الميدان التعليمي، وأداة لربط الأجيال الشابة بالحزب ومشروعه. لكنها في المقابل تضع الحزب في مواجهة مع خصومه الذين يرون في هذا الدور محاولة واضحة لاحتكار المجال التربوي وتسييس التعليم، وبناء مؤسسات موازية تحل محل مؤسسات الدولة. غير أن حزب الله يرفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلًا، ويُشدّد على أنه مكوّن سياسي واجتماعي ضمن الدولة اللبنانية، لا يسعى إلى بناء دولة مستقلة أو بديلة، بل إلى سد الثغرات حيث تغيب الدولة أو تُقصّر.

في هذا السياق، يُستشهد أحيانًا بكلام معارضي الحزب الذين يقولون إنه يبني “دولة موازية بقطاعها الأمني والاجتماعي والتربوي”. لكن الحزب وقيادته يردّون بأنهم ليسوا بديلاً عن الدولة الرسمية، وأن وجودهم داخل الدولة يعكس التزامًا بالشرعية. ففي كلمة تاريخية عام 2000 بمناسبة تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، قال السيد حسن نصر الله:

"نحن في حزب الله لسنا في وارد أن نكون بديلاً عن الدولة. لسنا سلطة أمنية، ولن نكون مرجعية أمنية. الدولة هي المسؤولة … حزب الله يقدم يده للمساعدة، لكن المسؤولية هي للدولة."

أرشيفية لنشاط التعبئة التربوية

وفي كلمة حديثة له في يونيو 2024، أكد مجددًا أن الحزب جزء من الدولة، مشددًا على جهوزية المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بالقول:

"إذا فرضت الحرب فالمقاومة ستقاتل بلا ضوابط وقواعد وأسقف. العدو يعرف أن عليه أن ينتظرنا براً وجواً وبحراً."

إلى جانب الأبعاد السياسية، هناك البعد المادي للدمار الذي أصاب القطاع التعليمي نتيجة قصف الاحتلال الإسرائيلي. وفق تقرير التقييم السريع للأضرار والحاجات الصادر عن البنك الدولي والمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، بلغت قيمة الأضرار التي لحقت البنية التحتية التعليمية حوالي 151 مليون دولار، شملت مدارس رسمية وخاصة في المناطق المتضررة. هذا الرقم يعكس التحدي الكبير الذي تواجهه التعبئة التربوية إن أرادت الحفاظ على نشاطها في هذه المناطق المدمّرة.

كما في اجتماع تنسيقي بين التعبئة التربوية لحزب الله والمكتب التربوي لحركة أمل، تم التشديد على ضرورة أن تتحمّل الدولة اللبنانية مسؤولياتها في إعادة إعمار المدارس والمعاهد المتضررة، والعمل على ضمان انطلاقة طبيعية للعام الدراسي في القرى الجنوبية، بالتزامن مع ما يُقدّمه التنظيم من دعم ميداني.

في ضوء كل ذلك، فإن التعبئة التربوية في حزب الله تُصارع بين رسالتها الأيديولوجية والخدماتية وبين التحديات المادية التي تضعف قدرتها على الفعل المكثف، وبين الجدل السياسي حول علاقتها بالدولة والشرعية. وتبقى معركة المجال التربوي معركة استراتيجية في صراع النفوذ الداخلي، حيث يُنظر إليها من كلا المعسكرين كأداة تأثير لا يُستهان بها في رسم وعي المجتمع اللبناني، خصوصًا بين الشباب والطلاب، في ظل واقع لبناني مأزوم يثقل كاهله الاحتلال الإسرائيلي والأزمات الداخلية المتلاحقة.