ترجمة الحدث
كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت في تحقيق مطوّل أنّ أشرف مروان، صهر الرئيس جمال عبد الناصر والملقّب في الموساد بـ“الملاك”، لم يكن كما رُوِّج “السوبر عميل” الذي أنقذ إسرائيل، بل أداة رئيسية في خطة خداع مصرية معقّدة أفضت إلى مباغتة تل أبيب في حرب أكتوبر 1973. التحقيق استند إلى آلاف الوثائق ومحاضر الاجتماعات وشهادات ضباط استخبارات، وخلص إلى أنّ مروان ضخّ معلومات صحيحة بكثافة لكسب الثقة، ثم دسّ في اللحظة الحاسمة تقديرات مضلِّلة غيّرت مسار الأحداث.
منذ مطلع السبعينيات، قدّم مروان كمًّا هائلًا من الوثائق السرية من قلب النخبة المصرية، حتى أنّ غولدا مائير كانت تسأل في جلسات مغلقة: “وماذا يقول صديق صِفّي؟”، في إشارة إلى صِفّي زامير رئيس الموساد. لكن مع اقتراب الحرب، بدأ “الملاك” يُغرق إسرائيل بإنذارات متضاربة: يحدّد موعدًا للقتال ثم يؤجّله، يرفع مستوى التهديد ثم ينفيه. الهدف، وفق التحقيق، كان إنهاك جهاز التقدير الإسرائيلي وإحداث أثر “ذئب.. ذئب”، بحيث تفقد الإنذارات مصداقيتها عند لحظة الحسم.
ويورد التحقيق أنّ مروان حضر اجتماع السادات والأسد في دمشق في آب/أغسطس 1973 حيث ثُبّت يوم 6 أكتوبر موعدًا للحرب، لكنه نقل للموساد أنّ القتال مؤجّل حتى نهاية العام. وفي حين كانت مؤشرات أخرى تدق ناقوس الخطر، ظلّ “الملاك” المرجّح في ميزان التقدير، ما دفع إسرائيل إلى خفض حالة الاستنفار. وحتى عشية الهجوم، لم يقدّم سوى إنذار متأخر بنحو 12 ساعة، مرفقًا باقتراح مربك بتسريب نية مصر الهجوم للإعلام العالمي، وهو ما ضيّع على إسرائيل وقتًا ثمينًا.
خلال الحرب، واصل مروان تمرير معلومات مثيرة للجدل. فقد زعم أنّ لمصر 400 صاروخ “سكاد” موجّهة إلى تل أبيب، وأنّ السادات يستعد لحرب استنزاف طويلة، ما ساهم في دفع القيادة الإسرائيلية نحو القبول السريع بوقف إطلاق النار. وبعد الحرب، ظلّ في القاهرة شخصية نافذة تحظى باحترام رسمي، بل حظي بجنازة دولة عام 2007، الأمر الذي يراه التحقيق قرينة على أنّه خدم مصالح بلاده لا إسرائيل.
أما الموساد فقد رفض استنتاجات التحقيق واعتبرها “تشويهًا للتاريخ”. وأكد في ردّه الرسمي أنّ “الملاك” كان مصدرًا استراتيجيًا موثوقًا قدّم معلومات عسكرية وسياسية دقيقة، وأنّ لجانًا داخلية مشتركة فحصت ملفه ولم تجد دليلًا على أنّه كان عميلًا مزدوجًا. كما أوضح أنّ التحذير الذي نقله قبل ساعات من اندلاع الحرب مكّن إسرائيل من البدء بالاستعداد، وأنّ الخلل لم يكن في المصدر بل في كيفية تفعيل المعلومات واتخاذ القرارات بناءً عليها.
وهكذا، يعيد التحقيق فتح أحد أكثر الملفات حساسية في تاريخ حرب أكتوبر: هل كان أشرف مروان بالفعل “الملاك” الذي أنقذ إسرائيل من هزيمة أوسع، أم رأسَ حربةٍ في عملية تضليل استراتيجية مهّدت لانتصار مصري–عربي مباغت؟ بين هذين السردين، تبقى القضية مفتوحة، شاهدة على حدود التفوّق الاستخباري الإسرائيلي ومخاطر الارتهان لمصدر واحد مهما بدا لامعًا.