الأحد  02 تشرين الثاني 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

متابعة الحدث | قصة الصحراء المغربية

2025-11-01 09:02:14 AM
متابعة الحدث | قصة الصحراء المغربية
علم المغرب في مدينة الداخلة

متابعة الحدث

تشكّل قضية الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة، آخر فصل غير مكتمل في سجل إنهاء الاستعمار داخل القارة الإفريقية. ففي الوقت الذي طوت فيه غالبية دول القارة صفحة الحقبة الاستعمارية، لا يزال هذا الإقليم الشاسع على قائمة الأمم المتحدة "للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، ليظل وضعه معلّقاً بين مطالب حق تقرير المصير التي تنادي بها جبهة البوليساريو من جهة، ومقترح الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية من جهة أخرى.

لقد وضع قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، والذي جاء بمبادرة من الولايات المتحدة، خطة الحكم الذاتي المغربية في صدارة الحلول المطروحة، واصفاً إياها بـ"الحل الأكثر واقعية" لهذا النزاع الإقليمي المعقد. ويأتي هذا الدعم الأممي وسط معارضة إقليمية صريحة تقودها الجزائر، التي تستضيف قيادة الجبهة ومخيمات اللاجئين.

 الصحراء المتنازع عليها: الموقع والثروات

تقع الصحراء الغربية، المعروفة رسمياً بالصحراء المغربية لدى الرباط، على مساحة تناهز 266 ألف كيلومتر مربع، وتشغل شريطاً استراتيجياً على ساحل المحيط الأطلسي، يحدها من الشمال المغرب، ومن الشرق والجنوب الشرقي الجزائر، ومن الجنوب موريتانيا.

وليست هذه الأرض مجرد صحراء قاحلة؛ بل هي منطقة غنية بالموارد الطبيعية، أبرزها احتياطيات الفوسفات الهائلة في بوكراع، بالإضافة إلى ثروة سمكية وفيرة في مياهها الإقليمية التي تطل على المحيط الأطلسي، مما يجعل السيطرة عليها مسألة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية عميقة.

تضم المنطقة نحو 600 ألف نسمة، يتركّز معظمهم في المدن الكبرى الواقعة تحت الإدارة المغربية، مثل العيون (أكبر مدن الإقليم)، الداخلة، والسمارة. وقد استثمر المغرب مبالغ طائلة في تطوير البنية التحتية والمشاريع التنموية لربط الإقليم بالمملكة.

في المقابل، يقطن قرابة 175 ألف لاجئ صحراوي، وفقاً لتقديرات المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في مخيمات تقع بالقرب من مدينة تندوف جنوب غرب الجزائر، بعيداً عن العاصمة الجزائرية بمسافة 1800 كيلومتر، في وضع إنساني صعب يعكس جمود النزاع المستمر منذ عقود.

لحظات تاريخية فارقة: من "المسيرة الخضراء" إلى إعلان الجبهة

إنطلق النزاع فعلياً عقب انسحاب إسبانيا من الإقليم عام 1975. ففي السادس من نوفمبر من العام نفسه، شهد العالم حدثاً تاريخياً غير مسبوق عُرف بـ"المسيرة الخضراء"، حيث لبى 350 ألف مغربي نداء الملك الراحل الحسن الثاني، حاملين المصاحف والأعلام، واجتازوا الحدود لإثبات "إنتماء" المنطقة للمملكة المغربية، مؤكدين بذلك السيادة التاريخية للرباط على الإقليم.

لم تمر سوى أشهر قليلة حتى جاء الردّ من جبهة البوليساريو، التي تأسست في العام 1973، والتي أعلنت في العام 1976 قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" (SADR). وقد حظيت الجبهة بدعم سياسي وعسكري سخي من قوى إقليمية ودولية، أبرزها الجزائر، إلى جانب كوبا وجنوب إفريقيا.

بعد إنسحاب موريتانيا من الجزء الجنوبي الذي كانت تسيطر عليه عام 1979، استكمل المغرب سيطرته على الغالبية العظمى من أراضي الصحراء المغربية. وخلال حرب استمرت 16 عاماً، شيّدت السلطات المغربية "جداراً دفاعياً" (يطلق عليه البعض اسم الساتر الرملي) يمتد على طول 2700 كيلومتر، من الشمال نحو الجنوب، بهدف صد هجمات البوليساريو، لتقسيم الإقليم فعلياً إلى منطقتين: منطقة تحت السيطرة المغربية، ومنطقة عازلة تسيطر عليها الجبهة.

توقفت الحرب بإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في العام 1991، تحت إشراف الأمم المتحدة، وأُنشئت بموجبه بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (MINURSO) لمراقبة الاتفاق وتحديد مسار لإجراء استفتاء حول تقرير المصير، وهو الاستفتاء الذي لم يتحقق حتى الآن بسبب الخلافات العميقة حول تحديد هويات الناخبين المؤهلين.

بعثة "مينورسو" والجدار العازل: جمود المفاوضات

على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على اتفاق وقف إطلاق النار، لا يزال النزاع في حالة "جمود حذر". تقوم بعثة "مينورسو"، التي تتخذ من العيون مقراً لها وتضم نحو 240 موظفاً، بمراقبة الاتفاق من خلال دوريات برية وجوية منتظمة في المنطقة العازلة، التي يُحظر فيها الوجود العسكري الدائم لأي من الطرفين.

توقفت جولات المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة في جنيف، والتي ضمّت المغرب والبوليساريو، بالإضافة إلى الجزائر وموريتانيا بصفة "مراقب"، في العام 2019. ومنذ ذلك الحين، بقيت جهود المبعوثين الأمميين المتعاقبين، وصولاً إلى المبعوث الحالي ستافان دي ميستورا، تراوح مكانها دون تحقيق اختراق حقيقي.

وقد شهد النزاع تصعيداً ملحوظاً في نهاية العام 2020، حينما نشرت القوات المغربية وحدات في أقصى جنوب الإقليم، تحديداً عند معبر الكركرات، بهدف طرد انفصاليين كانوا يقطعون الطريق الحيوي المؤدي إلى موريتانيا، مما دفع البوليساريو إلى إعلان إنهاء العمل باتفاق وقف إطلاق النار، لتصبح المنطقة ساحة لتوترات متقطعة ومخاطر دائمة لاستئناف شامل للأعمال القتالية.

 خطة الحكم الذاتي والدعم الدولي المتصاعد

في مواجهة الجمود الأممي المتعلق بتنظيم الاستفتاء، قدّم المغرب في العام 2007 خطة الحكم الذاتي الموسع كحل للنزاع. تنص الخطة على منح سكان الإقليم حكماً ذاتياً واسعاً ومحلياً لتدبير شؤونهم، لكن تحت السيادة الكاملة للمملكة المغربية.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، اكتسبت هذه الخطة زخماً دولياً غير مسبوق، وتحوّلت من مجرد مقترح إلى رؤية مدعومة من قوى عالمية كبرى؛ ففي العام 2020، اعترفت الولايات المتحدة رسمياً بالسيادة المغربية على الإقليم المتنازع عليه، في خطوة اعتبرها المغرب "تاريخية". في حين إنضمت قوى أوروبية وازنة إلى هذا التوجه، حيث أعلنت كل من إسبانيا (القوة الاستعمارية السابقة)، وألمانيا، والمملكة المتحدة، تأييدها للخطة المغربية واعتبارها الأساس "الأكثر جدية ومصداقية" لحل النزاع. وفي صيف 2024، أعلنت فرنسا، الشريك التاريخي للمغرب، تأييدها الصريح للسيادة المغربية على الصحراء، في تحول دبلوماسي كبير يُعزز الموقف المغربي.

هذا التراكم في الدعم الدولي، الذي توّج بقرار مجلس الأمن الأخير الذي أيّد الخطة كحل "واقعي"، يضع المغرب في موقف تفاوضي قوي، ويزيد الضغوط على جبهة البوليساريو والجزائر للقبول بمقاربة جديدة بعيدة عن خيار الاستفتاء الذي يبدو تنفيذه متعذراً.

الصراع الإقليمي وتحديات المستقبل

يظل النزاع حول الصحراء الغربية في جوهره صراعاً إقليمياً بين المغرب والجزائر، حيث تُشكّل قضية الصحراء نقطة محورية في التنافس الجيوسياسي بين القوتين الإقليميتين في شمال إفريقيا. وتُصر الجزائر على حق تقرير المصير وضرورة إجراء الاستفتاء، معبرة عن معارضتها لأي قرار دولي يدعم المقترح المغربي، معتبرة أن هذا الدعم يتعارض مع مبادئ الشرعية الدولية.

ومع استمرار جهود المبعوث الأممي في محاولات استئناف الحوار بين الأطراف الأربعة (المغرب، البوليساريو، الجزائر، وموريتانيا)، يبقى المستقبل مفتوحاً على سيناريوهين رئيسيين: إما نجاح الأمم المتحدة في دفع الأطراف نحو طاولة مفاوضات تستند إلى مبدأ الحكم الذاتي، أو استمرار حالة الجمود التي تُبقي مئات الآلاف من اللاجئين في تندوف، وتُعرّض المنطقة لتصعيد عسكري متجدد.

وفي نهاية المطاف، يبقى التحدي الأكبر هو تجاوز الخلافات التاريخية والجغرافية والسياسية للوصول إلى "حل سياسي واقعي ومقبول للطرفين" ينهي فعلياً حالة النزاع المستدامة في آخر إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي في إفريقيا.