السبت  10 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كيف يمكن للقمح أن يساهم في إحلال السلام في المنطقة؟

2015-08-03 06:35:26 AM
كيف يمكن للقمح أن يساهم في إحلال السلام في المنطقة؟
صورة ارشيفية
#الحدث- أ. ف ب

يشكل القمح اساس تغذية ثلاثة مليارات شخص، لكن اكبر مستهلكيه عاجزون في اكثر الاحيان عن إنتاجه. وهذا يحمل الدول المصدرة منه وبينها فرنسا مسؤولية كبرى.

يعتبر سيباستيان إبيس، الباحث في مؤسسة العلاقات الدولية والاستراتيجية وكاتب «الجغرافية السياسية للقمح»، ان هذا العنصر الاقتصادي والاستراتيجي يتم اهماله كثيرا، او التقليل من اهميته، من قبل صانعي القرار.

وصرح في مقابلة أمس الأول «يسعدنا بيع مصر طائرات رافال، لكن لا احد يتنبه إلى اننا نبيعها القمح بشكل منتظم…غير ان القمح يشكل افضل مساهمة في صنع السلام». واضاف ان هذه المنطقة «التي تشهد غليانا مستمرا» تنقصها كذلك على الدوام حبيبات الذهب تلك.

يذكر ان فرنسا تحتل المرتبة الخامسة عالميا في إنتاج القمح وهي الثالثة في تصديره.

وأشار الباحث الرنسي إلى ان منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط التي تحوي 6 في المئة من سكان العالم «تستقطب ثلث مشتريات القمح». واضاف «من المغرب إلى مصر تسجل نسبة الاستهلاك الأعلى في العالم: 100 كلغ من القمح لكل شخص سنويا، وهذا يشكل ضعفي النسبة في الإتحاد الأوروبي وثلاثة اضعافها في سائر مناطق العالم». وتابع «مع الأسف تدفع نوعية التربة والمناخ وقلة المياه والنمو السكاني إلى إغراق هؤلاء في ارتهان مفرط للحبوب».

وتنتج خمس دول او مناطق أكثر من نصف القمح العالمي (الهند، الصين، روسيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي) تضاف اليها عدة دول مصدرة هي كندا واستراليا وأوكرانيا وتركيا. هذا النادي (85 في المئة من الإنتاج العالمي) يساهم في تغذية سوق عالمية تستهلك 160 مليون طن سنويا بقيمة حوإلى 50 مليار دولار.

لكن أمام طلب يتضاعف بقوة تعاني السوق من نقص مرة كل سنتين، اي عندما يقل إنتاج القمح العالمي (720 مليون طن في2014) عن الاستهلاك وينبغي اللجوء إلى المخزون.

وافاد ابيس «بين 1998 و2013 فاق الطلب العالمي الاستهلاك ثماني مرات». وفي 2013 كان سعر القمح اغلى بـ80 في المئة مما كان عليه عام 2005.

وأضاف ان القمح هو المنتج الزراعي والغذائي الاكثر تبادلا في العالم، حيث تشكل مصر المستورد الأول عالميا (اكثر من 10 ملايين طن سنويا) تليها الجزائر والمغرب وتونس والعراق وإيران وسوريا واليمن والسعودية…

ووصف الباحث سوق القمح بأنها «سوق الخوف»، موضحا ان القوى الإقليمية تمارس «دبلوماسية الحبوب» لتعزيز سيطرتها على جيرانها على ما فعل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي كان يعيد توزيع جزء من وارداته في منطقة الساحل الافريقي.

وهذا ما يسعى اليه السعوديون وما يمارسه الأتراك الذين يملكون 30% من إنتاج المنطقة، لكنهم يبقون من كبار المستوردين في المنطقة (4 إلى 5 ملايين طن) بحسب المصدر. وعند سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على شمال العراق استولت على حقول النفط وكذلك القمح في سهل نينوى بحسب جان شارل بريزار الخبير في شؤون تمويل الارهاب.

في 2011 اطلق مشروع «ويت اينيشاتيف» (أي مبادرة القمح) في إطار مجموعة العشرين، وهو يشمل مراكز أبحاث وشركاء من القطاع الخاص من 16 بلدا، وهو يقدر ان حاجات القمح ستزيد بنسبة 60 في المئة مع حلول العام 2050.

ويرى إبيس ان فرنسا معنية بشكل خاص بحاجات منطقة المتوسط. واأوضح ان «القمح هو نفطها الذهبي» حيث صدرت منه بقيمة 9.5 مليار يورو في العام الفائت. واضاف ان «هكتارا من خمسة يزرع في فرنسا يستهلك في مناطق جنوب المتوسط». وهذا يحمل البلاد مسؤولية خاصة. وأوضح «في هذه المنطقة ان ازلتم الخبز عن المائدة لا يبقى الكثير».

كما ان فرنسا تنتج كميات منتظمة بفضل مناخها المستقر، فهي لا تشهد ظواهر قصوى، كما يحدث في السهول الاميركية الكبرى او روسيا. حتى موجة الحر لم تعدل المحصول الفرنسي الذي يقدر بحوإلى 38 مليون طن سيصدرثلثها (70 في المئة) إلى خارج الاتحاد الأوروبي.

واضاف الباحث «القمح هو في الواقع سفير اقتصادي افضل من طائرات القتال». وطالبا بإيجاد «أوبك للقمح» على غرار منظمة الدول المصدرة للنفط «اوبك» التي تتفق لضبط العرض والاسعار.
القمح: النفط الآخر لتنظيم «الدولة الإسلامية»


داعش والقمح 

يشكل القمح موردا ماليا ووسيلة للسيطرة على السكان، وبات وضع اليد عليه محوريا في استراتيجية تنظيم «الدولة الإسلامية»لتثبيت نفوذه بعد ان استقر في المناطق الأساسية لإنتاج القمح في سوريا والعراق.

ففي هجوم التنظيم الكاسح في شمال العراق في حزيران/يونيو 2014 سيطر مقاتلوه على مخزون القمح في محافظتي نينوى وصلاح الدين، اللتين تنتجان اكثر من ثلث إنتاج القمح و40 في المئة من إنتاج الشعير في البلاد.

وتشمل منطقة سيطرة التنظيم «أهراءات الحبوب» في المنطقة اي شمال العراق وشمال شرق سوريا، بحسب الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية سيباستيان إبيس وكاتب «الجغرافية السياسية للقمح».
بالتالي استولى التنظيم على اكثر من مليون طن من القمح، أي «خُمس الاستهلاك السنوي في العراق» بحسب جان شارل بريزار، الخبير في تمويل الارهاب.

وفي سوريا سيطر الجهاديون على 30 في المئة من إنتاج القمح في منطقتي الرقة ودير الزور الخاضعتين لهما بحسب الخبير. كما انهم يسيطرون على 75 في المئة من إنتاج القطن الذي كانت سوريا من كبار مصدريه قبل الحرب.

وكما هي الحال في انحاء الشرق الاوسط وشمال أفريقيا كافة، يشكل الخبز اساس التغذية في العراق وسوريا،اللذين يستوردان القمح بالاضافة إلى إنتاجهما المحلي.

ولم يفوت الجهاديون الفرصة. فمن جهة «نقلوا الكثير من قمح العراق إلى سوريا لصنع الطحين وبيعه»، ومن جهة اخرى اقدموا على بيعه إلى خارج منطقة سيطرتهم على ما فعلوا بالنفط، وعلى الاخص «عبر الحدود التركية» بحسب بريزار.
وتابع الخبير ان ذلك أمّن لهم ارباحا توازي حوإلى 200 مليون دولار سنويا، ولو ان الكميات تبقى ضئيلة مقارنة بالتبادلات العالمية لهذا النوع من الحبوب الأكثر زراعة حول العالم.

كما يتيح القمح كسب رضا السكان. حيث بدأ تنظيم «الدولة الإسلامية» توزيع الخبز مجانا او باسعار متدنية جدا في المناطق التي سيطر عليها.

لكن بعد فترة بدأت الحرب تشكل «خطرا كبيرا على الأمن الغذائي في المنطقة»، بحسب أبيس الذي أضاف «ان الإنتاج بدأ يتراجع بالرغم من تعذر تحديد الارقام»، سواء في سوريا او العراق.

وذكر الباحث ان الحروب تدمر المزروعات وتبعد اليد العاملة اللازمة لعمل الحقول. وأشار بريزار إلى ان ضربات التحالف الدولي بقيادة اميركية تعرقل عمليات التخزين والنقل، ولو انها تتجنب عن قصد حقول القمح.
مؤخرا اعلنت الام المتحدة ان حوإلى عشرة ملايين سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، اي تقريبا نصف عدد السكان.

ووضح آنذاك مسؤول في منظمة الاغذية والزراعة «فاو» ان «القطاع الزراعي (السوري) دمره النزاع. لذلك من الضروري ان تقدم الجهات المانحة مساعدة طارئة كي يتمكن المزارعون من العمل في موسم زرع الحبوب المقبل الذي يبدا في تشرين الاول/اكتوبر».

بالتالي قد تنقلب المسألة الزراعية «على داعش على المدى المتوسط. فماذا سيفعلون ان تضاعف تدهور المحاصيل؟» كما يقول إبيس.

ففيما ينعم التنظيم الجهادي حاليا «باستقلالية» على مستوى مخزون القمح، «لن تكفي سيطرته على الموارد الطبيعية لضمان استمراريته» على ما توقع بريزار.