السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قفا عبد الفتاح.. د. عامر بدران

2014-08-05 01:53:23 PM
قفا عبد الفتاح.. د. عامر بدران
صورة ارشيفية

تفسير أحلام

 الحدث: يحكى أن خليفة ما، كان له ابنة وحيدة. وابنة الحاكم كما جرت العادة لا بد وأن تكون ابنة صون وعفاف. كما لا بد أيضاً أن تكون أجمل بنات الدولة. هذا إن تم السماح بالمقارنة أصلاً. فهي "الأجمل" وليست "أجمل من". وابنة الحاكم لا يجوز أن تحمل اسماً من مقطع واحد؛ خديجة؟ عفاف؟ سميرة؟ لا. لا يجوز. أنها ست البدور أو شجرة الدر أو ست الملاح. نعم، لقد كان اسمها ست الملاح.

ست الملاح إذن اسم على مسمى كما يقال. لا طول يضاهي طولها ولا بشرة تنافس بشرتها. وهي ذكية أيضاً، ولمعة عينيها من بعيد تشي بذلك. هذا إن استطاع أحد رؤيتها. لكن نساء القصر رأينها أكثر من مرة. وهن من أشاع في المدينة قصصاً مشوّقة عن جمالها الخرافي.

الرجال أيضاً نسجوا قصصاً خيالية عن ذلك الجمال. لكنها قصص بلا نهايات مفرحة. تقول إحدى القصص أن شاباً حاول إلقاء التحية على ست الملاح فقتله جند الخليفة وصنعوا من جمجمته عشاً للعصافير. وتقول أخرى أن شاباً تقدم لخطبتها ولم يخرج من القصر حتى الآن. جمال ابنة الخليفة إذن محاطٌ بهالة من الخوف إن لم يكن الرعب. والخوف هو الدافع الأساسي للمغامرة. فكل عمل يخلو من الخوف يبقى عملاً عادياً. ولا يمكن تسميته بالمغامرة إلا إذا صاحَبه خوف ما من النتائج.

والخليفة لم يكن ودوداً على أية حال، فهو كبقية الحكام "إيده والسيف"، خاصة إن تعلق الأمر بابنته الوحيدة. فقد علّق إحدى الخادمات من شعرها في سقف القصر لأنها أخطأت مرة في تصفيف شعر ست الملاح. وسجن خادمة أخرى لأنها زادت كمية السكر في شاي المساء.

لكن ست الملاح، رغم جمالها الأسطوري بشر مثلنا. فهي تأكل وتنام وتذهب إلى التواليت أيضاً. وهي لسوء الحظ تمرض رغم ما يحيط بها من عناية ودلال. ومرضت ست الملاح ذات يوم. مرضت مرضاً يصيبنا دون أن ننتبه. لقد ظهرت على خدها حبة تشبه حب الشباب. حبة واحدة وصغيرة جعلت القصر يعلن الإستنفار في الدولة لعلاجها. مطلوب طبيب بارع لعلاج ولية العهد. الأجرة عالية لمن يشفيها والعقاب عسير لمن لا يستطيع. وتحت هذا التهديد لن تجد طبيباً واحداً يتقدم لهكذا مهمة.

لكن شاباً، لا علاقة له بالطب من قريب أو بعيد، قرر المغامرة. أحد الذين حلموا طويلاً بلقاء ست الملاح قرر الموت لقاء لمس خدها. فطرق باب القصر وأعلن عن رغبته في علاجها. هل أنت طبيب؟ سأله الحاكم. فأجاب: لا، لكن الله وهبني القدرة على إنهاء أي مرض لمجرد ملامسته بلساني أو شفتيّ.

كاد الحاكم أن يقتله على الفور لولا أن القاضي نصحه بالتروي. فلا يعقل أن يتنطح شابٌ لهكذا مهمة وهو يعرف مسبقاً عواقب فشله. وجاءت ست الملاح وأدارت للشاب خدها. والذي بدوره قبّلها بكل ما أوتي من شهوة. تلك الشهوة العارمة التي تسبق الموت. الشهوة التي تصاحب المغامرة. وبقدرة الله، أو بخصائص حقيقية في شفتيّ الشاب ولسانه، شفيت ست الملاح واختفت الحبة.

ما هي العطايا التي نالها الشاب المغامر الشجاع؟. لا أعرف، ولم يذكر لنا التاريخ ذلك. ما هي السمعة التي اكتسبها؟ بإمكاننا التوقع.

بعد شهر أو شهرين أصيب الوزير عبد الفتاح بداء أقعده البيت. وبعد السؤال عن حاله تبين أنه يعاني من دمّل في قفاه. فما كان من الخليفة إلا أن أرسل في طلب الشاب ذي الفم الشافي المعافي. والذي قال قولته المشهورة: الذي كسبناه من خد ست الملاح خسرناه في قفا عبد الفتاح.

ملاحظة بعيدة كل البعد عن الخليفة: نحن في الحركة الوطنية الفلسطينية، ومنذ الإضراب الشهير عام 1936 وحتى انسحاب الجيش الغازي من رفح، من طرف واحد، لحظة كتابة هذا المقال، نسجل انتصارات نوعية ومشهود لها في الميدان. ونكبد عدونا خسائر موجعة. وننتصر فعلاً على آلته المدججة وأخلاقياته الكاذبة. ولا أوضح من انتصارنا إلا انتقامه السافر من المدنيين والبنايات والشجر في كل مرة. لكن المؤسف دوماً أن هذا الانتصار الميداني لا يتوج بانتصار سياسي. ولا يتم استثماره كما يجب، بل يتم اتخاذه كوقود  لمناكفاتنا وانتصاراتنا على بعضنا البعض. نأمل بصدق أن تكون هذه المرة مختلفة. ولن تكون إلا بتوحدنا ككل فلسطيني يضع برنامجاً واضحاً ويسعى لتحقيقه.