الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مظلَّة الموتِ العربيّ/ بقلم: محمد الأمين سعيدي

2014-08-12 11:17:40 PM
مظلَّة الموتِ العربيّ/
بقلم: محمد الأمين سعيدي
صورة ارشيفية

 ضوء في الدَّغْل

هناك فكرةٌ مخيفة مترسّخةٌ في العربِ وفي غالب المسلمين اليوم؛ وهي ارتباطهم الوثيق بالموت بشكْلٍ غير معقول ولا مفهوم، فهم إمَّا يحبُّونه لدرجةٍ تجعلهم يرمون بأنفسِهم وبشعبهم إليه دون أية مسؤولية، أو أنَّهم، من ناحية أخرى، يكرهونَ الحياةَ فيفضِّلون مغادرتها سريعًا إمَّا بالتضحية بأرواحِهم في قضايا أكثرها مبنية على مغالطاتٍ كثيرةٍ، أو بإبادة غيرهم خاصة من الأقليَّاتِ الإثنيَّة والدينيَّة؛ إبادة تنطلق من خلفياتٍ عديدة جميعُها لا تؤمن بالآخر المختلف إلا حين يكون ميْتًا تحت التراب. والاختلاف هنا لا يعني بالضرورة العرق أو الدين، بل يطالُ في أحيان كثيرةٍ الطوائف المسلمة المختلفة لدرجة تجعل رؤوس الطوائف تلك تفتي بالجهاد ضدَّ بعضهم بعض مما حوَّل العالم الإسلاميَّ إلى أنهارٍ من الدماء اختلط فيها الدَّم العربي بغير العربيّ، والمسلم بغير المسلم، ومثال الصراع الدمويّ المتبادل بين السُّنّة والشيعة يعبِّر بوضوح عن فظاعة الحال.

فكرةُ الموتِ هذه-الناتجة أصلا عن تطرُّفٍ معروفةٍ أصوله-أنتجتْ مؤخَّرا داعش، وقبلها التيارات الجهادية المتطرفة في سوريا وقبل ذلك في الجزائر، وفي أماكن متعددة أخرى، والنتيجة كارثيَّة بامتياز؛ حصيلة 200 ألف قتيلٍ في التسعينيات في الجزائر، قتلى النظام السوري وقتلى المعارضة، الاغتيالات لأصحاب الرأي والكتَّاب في دول عربية عديدة، وما يحصل اليوم في العراق من تقتيل للمسيحيين وتهجيرهم والاستحواذ بالقوة على أموالهم وذخائرهم وبيوتهم، وتذبيح للإيزيديين والشيعة وغيرهم. يصبح الموت بهذا واقعا عربيا، فتنسحب الحياة رويدا رويدا خلف الجراحات والدم. لكنّ هذا الواقع كشف عن كثير من الخطورة في التفكير السائد لدى الناس أجملها فيما يلي:

أوَّلا؛ يعتبِر بعض من النَّاس بأنَّ ما تقومُ به داعش في حقِّ الأقليَّاتِ كالمسيحيين والإيزيديين أمرا عاديًّا أو خارج اهتماماتهم. وهذه الفكرة الخطيرة جدًّا هي نتاجٌ للخطاباتِ المتطرِّفة التي تقنع الجماهير بأنَّهم كفَّار، وأنَّ عليهم إما أنْ يسلموا أو أنْ يدفعوا الجزية أو أنْ يُقتلوا وتسبى نساؤهم أو يرحَّلوا ظلما وإجبارا. وعامة النَّاس تتقبَّل مثل هذه الأفكار الشنيعة حين تصدر عن "مشايخ" يثقون فيهم ويقدِّسونهم. بعد هذا لنْ تفلح الأفكار المستنيرة في إصلاح ما صار عليه تفكير النَّاس بسهولة، الأفكار التي تؤمن بالدولة، وتعتبر كل الأطياف والتيارات الإثنية والدينية مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.

ثانيًا؛ تقع بعض الجهاتِ الدينية والسياسيّة في تناقض رهيب، فهي من جهةٍ تعتبر المقاتلين في سوريا مجاهدين وقتلاهم شهداء، وفي الآن نفسه تعتبر مقاتلي داعش إرهابيين ولا يمثلون الإسلام !!! والمثال الآخر عن مقاتلي ليبيا؛ إذ كانوا في أقرب وقتٍ ثوَّارا مجاهدين واليوم صاروا إرهابا وميليشيات رغم تشدّدهم منذ البدء !! وبرغم ثبوت الممارسة المتطرّفة على جميع التيارات الإسلامية الجهادية إلا أنَّ الحكم المتَّخذ من طرف تلك الجهات لتبريء مجموعة وتجريم أخرى غير واضح ولا معروف ولا يمتُّ بأيَّة صلةٍ للمنطق.

ثالثا؛ يزعم الإعلام وبعض النخب السياسيّة وبعض الناس أيضا بأنَّ داعش صناعة أمريكية، والحقّ أنّ لا دليل على هذا، ولا ادِّعاء به إلاَّ لمنْ لا يعرف، أو يتجاهل، التاريخ الطويل للأفكار المظلمة التي عملتْ طويلا على غرس هذا التفكير في النَّاس.

أخيرا، سيظلُّ العالم الإسلاميُّ فريسة للتطرُّف والأفكار الظلامية والإرهاب ما دامتْ الأحاديَّة هي المظلَّة الكبيرة التي تتحرك تحتها جميع التيارات الأصولية وحتى المدَّعية بالديمقراطية والعلمانية. والحلُّ لكلِّ هذه الجرائم هو في ضمان حقِّ الإنسان في الحرية والاختلاف، ومحاربة الخطابات التي تعادي دولة المواطنة وتزرع الإجرام في تفكيرات النَّاس.

في أيّ دغلٍ موحشٍ نعيشُ أيُّها الأصدقاء؟؟؟

إنَّه العالم العربيُّ حيثُ الموتُ أفضل من الحياة، وهذه الأخيرة لا وجود لها إلا بيولوجيا، وحتى هذا الجانب في الإنسان العربي صار مهددا بالانقراض بسبب السيوف القادمة من ظلام الجاهليات القديمة.  

 شاعر وأكاديمي جزائريّ