#الحدث- حامد جاد
صادف يوم أمس الثاني عشر من تشرين الأول مرور عام على مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة إعمار غزة، ذلك المؤتمر الذي خرج المانحون المشاركون فيه بتعهدات مالية بقيمة إجمالية 5.4 مليار دولار منها نحو 2.6 مليار دولار خصصت "نظرياً" لإعادة إعمار غزة بينما ما تم الالتزام بدفعه لإعادة الإعمار حسب رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله شكل نسبة 30% من إجمالي ما تعهدت به الجهات المانحة في مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار غزة وذلك بعد عام على عقد المؤتمر.
وبالرغم من أن مؤتمر المانحين جاء كرد فعل عربي ودولي على الحرب الأخيرة على غزة، واستهدف تقديم المساعدة لمتضرري الحرب، إلا أن عدداً من المختصين والمطلعين على مشاريع إعادة الإعمار استبعدوا في أحاديث منفصلة أجرتها الحدث أن تلتزم الدول المانحة بتعهداتها تجاه إعادة الإعمار طالما استمر الانقسام، معتبرة أن عدم تفاؤلها بنجاح عملية الإعمار يرجع لحقيقة أن حجم ماتم إدخاله من مواد البناء خلال عام يشكل نسبة نحو 15% من إجمالي الاحتياجات الفعلية اللازمة لإعادة الإعمار.
أموال المانحين لم تستغل لدعم متطلبات التنمية
ووصف رجل الأعمال فيصل الشوا، وهو أحد أبرز ممثلي القطاع الخاص في غزة، مستوى التزام الدول المانحة بتنفيذ تعهداتها بعد مرور عام على المؤتمر بالضعيف جداً مؤكداً في ذات الوقت أن ما تم دفعه فعلياً من أموال المانحين لم تستغل الاستغلال الأمثل اللازم لدعم متطلبات التنمية الاقتصادية والحد من وطأة معاناة المتضررين.
وقال الشوا: "على سبيل المثال تم صرف حوالي 25 مليون دولار فقط لأصحاب المنشآت الاقتصادية الصغيرة التي تضررت جزئياً في الحرب الأخيرة، وتلقينا وعوداً لدعم باقي المنشآت التي لحقت بها أضراراً كبيرة ومتوسطة ولكن مضى على هذه الوعود نحو ثمانية أشهر دون صرف دفعات أخرى، والآن نحن ننتظر بفارغ الصبر المنحة الكويتية لإعادة إعمار المصانع المدمرة، وقلنا ولا زلنا نقول إنه لا يمكن إعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي إلا بالبدء بإعمار المصانع ذات الأنشطة المختلفة المرتبطة بإعادة الإعمار، فحتى اليوم لم يتم دعم هذه المصانع بأي مبلغ من المبالغ وما زال 90% منها مدمر، أما المصانع التي تم إعادة تأهيلها فكانت بتمويل ذاتي من خلال مالكي هذه المنشآت الاقتصادية الذين أنفقوا مدخراتهم أو حصلوا على قروض من أجل إعادة بناء وتجهيز مصانعهم المدمرة، وذلك وسط معاناتهم لفترة طويلة جداً نتيجة صعوبة إدخال المواد والمعدات اللازمة للإنتاج.
حكومة الوفاق صورية وغزة تديرها حكومة الوكلاء
ولفت إلى أن الإحصاءات المتوفرة تشير إلى أن مانسبته نحو 30% من الأموال التي التزمت بها الدول والجهات المانحة وصلت إلى حكومة الوفاق الوطني التي نحن غير راضين بالمطلق عن أدائها في ظل الإبقاء على حالة الانقسام الفلسطيني وغياب الوحدة الحقيقية، معتبراً أن حكومة الوفاق مجرد حكومة صورية في قطاع غزة لا تباشر عملها بصورة مباشرة، ومن يقوم فعلياً بالعمل هي من أسماها بحكومة الوكلاء في قطاع غزة في إشارة منه إلى وكلاء الوزارات في غزة المحسوب جلهم على حركة حماس وليس حكومة الوفاق، مطالباً الأخيرة بالكشف عن أوجه صرف وإنفاق الأموال التي وصلت إليها حتى الآن من أجل إعادة الإعمار.
واستبعد الشوا إمكانية إيفاء الدول المانحة بتعهداتها في ظل الانقسام الفلسطيني، معتبراً أن إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل الكل الفلسطيني تشكل مدخلاً رئيسياً لمطالبة الدول المانحة بالالتزام بما تعهدت به تجاه إعادة الإعمار.
واعتبر أن عجلة إعادة الإعمار شهدت خلال الشهرين الماضيين تحسناً بطيئاً في عملية تنسيق دخول مواد البناء وصرف أذونات كميات من مواد البناء، سواء المخصصة لإعادة إعمار المنازل المدمرة جزئياً أو كلياً، مشدداً على أن هذا التقدم الجزئي لا يلبي الحد الأدنى من متطلبات تنمية اقتصاد غزة وإعادة بناء ما دمر فيها من مساكن ومنشآت صناعية وتجارية وخدمية.
وطالب الشوا حكومة الوفاق الوطني التي من المفترض أن تمثل الكل الفلسطيني بتحمل مسؤولياتها تجاه وضع حد لتباطؤ عملية إعادة الإعمار، وأن تلتزم حكومة الأمر الواقع في غزة بتمكين حكومة الوفاق من بسط سيطرتها بالكامل على قطاع غزة، حيث أن الفكرة الأساسية من وراء آلية إعادة الإعمار كانت تستهدف تمكين حكومة الوفاق من بسط نفوذها في قطاع غزة ودون ذلك لن تتم إعادة الإعمار في غزة.
وقال الشوا: "المطلوب فلسطينياً من أجل إعادة الإعمار وإلزام المانحين بما تعهدوا به أن نقرر أولاً ماذا نريد نحن كفلسطينيين، هل نريد أن تكون الضفة وقطاع غزة وحدة واحدة؟ وإذا قررنا ذلك، يجب العمل على تمكين حكومة الوفاق من العمل الكامل في قطاع غزة ومن ثم تسير الأمور بجدية أكير من ذلك وتكون التزامات الدول المانحة أكبر بتقديم الأموال التي التزمت بها".
وتطرق الشوا إلى واقع تزويد قطاع غزة بمواد البناء خلال الثلاثة شهور الأخيرة مبيناً أنه بالرغم من طرح عطاءات أكبر لمشاريع إنشائية إلا أن آلية إدخال المواد صعبة وأسعار العطاءات ما زالت متدينة بسبب تعطش قطاع غزة لفرص عمل لتشغيل عشرات آلاف المتعطلين عن العمل وفي ذات الوقت تنفيذ العطاءات التي طرحت مؤخراً من بنية تحتية ومدارس ومساكن تمر بإجراءات معقدة فالمشاريع التي تنفذ عن طريق أونروا أو عن طريق ال UNDP تخضع لإجراءات برنامج GRM لإعادة الإعمار، ما يعني المرور بجملة من التعقيدات والموافقات الإسرائيلية فالشروط ما زالت قاسية.
غزة استقبلت نحو 15% من إجمالي احتياجات إعادة الإعمار
من جهته اعتبر نبيل أبو معيلق نائب رئيس اتحاد المقاولين أن الإجراءات التي تسير بها عملية إعادة الإعمار بعد مرور عام على مؤتمر المانحين ما زالت بطيئة ومخرجاتها أكثر بطءاً، وذلك من حيث مستوى الالتزام بالدفعات المالية، مشيراً في هذا السياق إلى أن الجزء الأكبر من مجريات إعادة الإعمار اقتصر حتى الآن على إعادة إصلاح الأضرار الجزئية البسيطة عبر تزويد المتضررين بالمواد الخام أو بالدفعات المالية، بينما الأضرار البليغة والبيوت المدمرة كلياً فحتى اللحظة لم يتم تسليم أي متضرر هدم بيته كلياً خلال الحرب مفتاح شقته الجديدة.
وأكد أن المشروع الأبرز في إعادة إعمار الأضرار الكلية اقتصر حتى الآن على مشروع إعادة بناء ألف وحدة سكنية الذي تموله دولة قطر بقيمة 50 مليون دولار، معرباً عن أمله في أن تحذو الكويت والسعودية والدول الأخرى حذو قطر بتمويل بناء الشقق اللازمة لإيواء الأسر التي دمرت منازلها كلياً، حيث أن هناك 25 ألف شقة تعرضت لدمار كلي وبليغ غير صالح للسكن، ما يحتاج إلى وقت كبير من الزمن بالإضافة إلى توقف كامل لتمويل مشاريع التنمية والإعمار.
وقال: "الكويت تحدثت عن تمويل بقيمة 200 مليون دولار سيخصص منه الجزء الأكبر لبناء شقق سكنية، وتحدثت معنا، على سبيل المثال، وزارة الحكم المحلي لترتيب الأمور مع البلديات من أجل الاستعداد لمشاريع الطرق وتطوير البنية التحتية، ولكن حتى الآن في غزة لم نلمس على أرض الواقع تنفيذاً لهذه المشاريع، واقتصر الأمر على ما نسمعه عبر وسائل الإعلام وما يدور في اللقاءات الثنائية، سواء التي تعقد في الأردن أو رام الله والكويت، حيث تشير هذه اللقاءات إلى أن السلطة الوطنية والكويت توصلتا إلى ترتيبات لوجستية لتنفيذ هذه المشاريع، ولكن حتى هذه اللحظة لم نلمس على أرض غزة أعمال إعمار للمنازل أو البنية التحتية المدمرة".
وأشار أبو معيلق إلى أن إجمالي ما تم إدخاله من مواد البناء خلال عام يشكل نسبة نحو 15% من إجمالي الاحتياجات الفعلية لإعادة الإعمار التي تقدر بنحو مليون ونصف المليون طن إضافة إلى ما تحتاجه مشاريع التنمية الأخرى المتوقفة منذ بداية الانقسام بسبب منع الاحتلال دخول مواد البناء.
وحول طبيعة التغير الذي طرأ على آلية دخول مواد البناء فاعتبر أن هناك مقارنتين، الأولى لدى مقارنة حجم مواد البناء التي تدخل حالياً مع الكميات التي كان يتم إدخالها قبل أربعة أشهر، فالكميات التي تدخل حالياً أفضل حالاً مما كان يدخل بالأمس القريب كما أن الحال أفضل من حيث زيادة عدد الشركات المعتمدة، وزيادة كميات الإسمنت مقارنة بالأمس، أما المقارنة الثانية فلدى قياس حجم الدمار الذي ألحقته الحرب الأخيرة مع حجم الاحتياج للتنمية وحجم احتياجات السكان والنمو الطبيعي والدورة الاقتصادية الطبيعية فيتضح أن هناك نقصاً كبيراً في كميات مواد البناء الواردة لقطاع غزة.
وشدد أبو معيلق على ضرورة رفع الحصار كلياً من أجل إنجاح عملية إعادة الإعمار، مؤكداً أنه من المعيب ان تتقاعس الأمم المتحدة والمؤسسة التابعة لها UNOPS عن الوقوف إلى جانب متضرري الحرب بدلاً من أن تكون جهة لإدارة الحصار من جديد والرقابة على مواد الخام، مما يعيق العملية ويؤثر سلباً على عمل القطاع الخاص الفلسطيني ويهدد بوقف أعمال شركاته.
وحول التعاون القائم بين القطاعين العام والخاص في مجال إعادة الإعمار، قال: "من الواضح أن هناك فجوة كبيرة بين القطاع الخاص وحكومة الوفاق، الأمر الذي يستوجب إعادة دراسة هذه العلاقة بما يكفل تقليل الفجوة الموجودة وتسهيل عمل الفريق الوطني لإعادة الإعمار بالتنسيق مع الكل الفلسطيني في رام الله وغزة، فنحن كشعب فلسطيني في قطاع غزة، نسبة البطالة عالية جداً حيث تصل نسبة الفقر إلى 60% والبطالة إلى نسبة 40% وتصل في أوساط شريحة الشباب ممن هم أقل من 30 عاماً لنحو 70%، بالتالي جيل واعد وشاب يحتاج إلى ما يتلاءم مع تعليمه وقدراته وإنتاجاته وأمله في العمل والحياة والزواج والإنجاب وفي حياة كريمة، لذا غزة تحتاج أكثر اهتماماً من الوضع الحالي".
الدول المانحة كانت متحمسة لتعويض متضرري الحرب
بدوره رأى الدكتور معين رجب أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر أن عقد مؤتمر المانحين في القاهرة في الثاني عشر من تشرين أول العام الماضي جاء كردة فعل عربية ودولية على الحرب الأخيرة وما أحدثته من دمار كبير فالدول المانحة كانت بحسب رجب متحمسة لتعويض الفلسطينيين عما ألحقته الحرب بهم من خسائر جسيمة، وبالتالي اعتمدت في تعهداتها التي بلغت 5.4 مليار دولار على الخطة التي قدمتها السلطة لإعادة الإعمار ولدعم موازنتها، لذا خصص نحو نصف الدعم لإعادة الإعمار والنصف الآخر لدعم الموازنة.
ويشار في هذا الشأن إلى أن رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله أعلن الأسبوع الماضي أن 30% من الأموال التي تم التعهد بتوفيرها خلال "مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة إعمار غزة"، تم توفيرها بعد قرابة عام من عقد المؤتمر، منوهاً إلى أن الاتصالات جارية مع الدول العربية والمانحة، لتوفير تمويل المزيد من مشاريع الإعمار، وعلى رأسها قطاع الإسكان، وتسريع آلية الإعمار.
ولفت رجب إلى أن الحمد الله أعلن مؤخراً أن الدول المانحة قدمت 30% من تعهداتها، ولكن في حقيقة الأمر غالبية الدول لم تلتزم باستثناء قطر التي بادرت ببناء ألف وحدة سكنية لحالات الهدم الكلي إضافة إلى مساعات قدمت للمتضررين جزئياً.
وقال: "بعض الدول التزمت وبعضها متجه نحو الالتزام مثل الإمارات والكويت، كما أن هناك بعض الدول التي مولت كلفة إزالة الركام كالسويد، وهناك دول تبرعت بكرفانات مثل عمان، لذا نستطيع القول أنه بصورة عامة لم تلتزم الدول المانحة بما تعهدت به، وهناك عائق واضح في آلية الإعمار التي عرفت بخطة سري، وهذه الآلية كانت إحدى العقبات التي ساهمت بتعطيل إعادة الإعمار، وإن تحسنت وتيرتها بشكل محدود مؤخراً وأصبحت تسير ببطء إلا أن الأمر لا يقتصر على تزويد متضرري الحرب بمواد البناء، فهناك الآلاف ممن ينتظرون منذ سنوات طويلة دخول مواد البناء التي يحتاجونها لبناء مساكن جديدة".
وقلل رجب من أهمية حجم المساعدات والمعونات الطارئة التي قدمت لعدد من الصناعيين، فحجم الأضرار والدمار هائل جداً ويجب أن يتناسب الدعم مع حجم الضرر الكبير في ظل بنية تحتية مدمرة وعدد كبير من المتضررين ما زالوا يعيشون خارج بيوتهم.
وشدد على ضرورة توحيد الخطاب الفلسطيني وإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي يبرر لكثير من الدول التي ما زالت تتردد في تقديم المساعدات والمنح الضرورية لأنها تستشعر أنه يتوجب على الفلسطينيين تجاوز هذه المحنة، فالانقسام يزيد الأمور تعقيداً ويزيد من أعباء المانحين، وإنهاء الانقسام شرط لكي تأتي المنح ثمارها.