السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الرئيس عباس: مشكلتنا في وجوده لا في سلوكه بقلم: أحمد زكارنة

آخر كلام

2015-10-14 11:21:24 PM
الرئيس عباس: مشكلتنا في وجوده لا في سلوكه
بقلم: أحمد زكارنة
صورة ارشيفية

ثمة ثلاثة خيارات ممكنة أو متاحة كانت أمام الرئيس محمود عباس في خطابة المقتضب مساء اليوم الأربعاء.

 

أما الأول، فهو خيار الرضوخ لبعض الأصوات الشعبية، القائلة بلغة مباشرة وواضحة، انتهى زمن أوسلو بكل ما أتت به من انتكاسات أو إنجازات داخلية، بما في ذلك السلطة نفسها، وإننا إذ نعلن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، نؤكد على حق شعبنا في ممارسة كافة أشكال الكفاح بكل أشكاله وأدواته، ومنذ اللحظة نبارك لشعبنا انطلاق انتفاضته الثالثة، انتفاضة القدس، ضد هذا المحتل الجاثم على حقنا الفلسطيني. وهذا الخطاب، يمكننا أن نسميه بالخطاب الشعبوي الفارغ من أي استراتيجية واضحة. نعم هو خطاب لربما يرضي شريحة واسعة من الشعب، المناصر منه وربما المشكك، ولكنه في الوقت ذاته يفرض على الرئيس وقيادته العسكرية، وأجنحة فصائله المسلحة، والشعب من ورائهم، إعلان النفير العام استعداداً لمواجهة مسلحة غير متكافئة، ولكنها مفتوحة، تذكرنا بمواجهة الراحل ياسر عرفات في حصاره الأخير داخل المقاطعة.

 

وأما الخيار الثاني، فهو خيار الرضوخ للإملاءات الخارجية، لإدانة العمليات الفلسطينية المقاومة، ووصمها بالأعمال الإرهابية، وإعادة التأكيد على تمسك القيادة بالعملية السلمية المستباحة من الطرف الإسرائيلي، وهو الخطاب الأكثر تشاؤماً وخسراناً على كافة الصعد السياسية والشعبية والوطنية، ما قد يغير وجهة الانتفاضة، لتصبح انتفاضة داخلية ضد السلطة.

 

عدم إمكانية الذهاب إلى الخيارين المذكورين، يدفعنا مباشرة إلى مساحات الخيار الثالث، خيار التصعيد بلغة دبلوماسية، تعرف ماذا وأين تقول ما يجب قوله، وهو ما ذهب إليه الرئيس عباس بذكاء ينم عن حنكة سياسية أظنها تجلت في هذا الخطاب، فهو من جهة لم يرضخ للضغوطات والإملاءات، ليدين عمليات المقاومة البطولية، لربما على قاعدة أنها تجري رحاها تحت سيطرة المحتل الإسرائيلي، ومن جهة ثانية، فهو استخدم في خطابه مصطلح "القدس الشريف" بدلاً من المصطلح المعهود "القدس الشرقية" وفي تلك رسالة تقول بشكل أو بآخر: إن الناتج الطبيعي للعدوان المستمر، إنما هو ناتج قد يدفع الجميع بلا استثناء إلى تغيير طريقة ومفهوم النظر للحق الفلسطيني في المدينة المقدسة باعتبارها عاصمة موحدة للشعب العربي الفلسطيني. ومن جهة أخرى، ناشد الرئيس في كلمته كافة أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، دون ذكر أظنه مقصود، لأهلنا في الداخل الفلسطيني، وفي تلك إشارة أخرى تقول: إننا ما زلنا ننتظر الاستماع لخطاب مختلف من الجانب الإسرائيلي وحلفائه الدوليين قبل أن يصدر الشعب قراره بالممارسة لا بالقول، باتجاه العودة إلى المربع الأول لقضيتنا الفلسطينية برمتها، مربع الكفاح لتحرير كامل فلسطين التاريخية، وما يجري على الأرض بطول الوطن وعرضه، إلا دليل واضح.

 

نقطة أخرى يجب الانتباه إليها جيداً، وهي نقطة توقيت الخطاب، الذي يأتي قبل الزيارة المؤجله للرباعية الدولية، ذلك في ظني لأمرين أساسيين، الأول للتأكيد على أن القيادة إنما قررت الانحياز بشكل كامل للشعب، وأن الاثنين إنما وضعا سقفهما الأعلى، وهو السقف الذي لا ولن يتنازلا عنه. وأما الثاني فيقول: إن القيادة الفلسطينية، ورغم طلبها للحماية الدولية، إنما هي لم تعدم الخيارت بعد، وأنها لن تكون رهينة لأي أجندة خارجية، بل وأنها على استعداد للذهاب إلى أبعد حد ممكن ولو عبر أسلوب قلب الطاولة.

 

الخلاصة: إن خطاب الرئيس محمود عباس بهذا المضمون التصعيدي، وإن لم يحمل لغة تصعيدية بلاغية، إنما يضع الجانب الإسرائيلي وحلفاءه في ورطة الاختيار بين تنازلين أحلاهما مر، إما الإذعان للمطالب الفلسطينية المشروعة، وإما استمرار التصعيد دون سقوف تقيد يد السلطة، بل تخرجها من دائرة الاتهام، إلى دائرة الانحياز الكامل لخيارات الشعب.

 

ما ذكر إن صح التحليل، يعني أننا أمام مرحلة سياسية جديدة، ينقصها وضع استراتيجية فلسطينية وطنية موحدة تشارك فيها كافة فصائل العمل الوطني بما فيها حركتا حماس والجهاد، وهو ما أظنه سيكون في أقرب خطوة مفاجئة للكثيرين داخلياً وخارجياً.

نعم، ثمة ما هو جديد في خطاب الدبلوماسية الفلسطينية، يقول بلغة لا لبس فيها على لسان رأس هرمها الرئيس محمود عباس: إن مشكلتنا في وجود الاحتلال، لا في سلوكه.