الأحد  19 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما بين حرية الرأي.. والإرهاب الفكري/ بقلم: تيسير الزبرّي

صريح العبارة

2015-10-27 10:54:06 AM
ما بين حرية الرأي.. والإرهاب الفكري/	 بقلم: تيسير الزبرّي
صورة ارشيفية

 

الهبة الجماهيرية الراهنة في وجه الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه هي عنوان لصورة من صور الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين، كما هي ضد أساليب الاحتلال ذات الطبيعة العنصرية التي تحاول حرمان الشعب الفلسطيني من نيل حريته وإنجاز حقه في تقرير مصيره، وعلى رأس أهدافه إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. من الطبيعي أن تختلف وجهات النظر في تسمية الهبة وما يدور من صراع على أرض فلسطين، بل وفي تقييم ما وصلت إليه الأمور والتباين في تقييم جدوى اتباع هذه الوسيلة أو تلك من وسائل الدفاع عن النفس ووسائل الكفاح من أجل الوصول إلى الأهداف الوطنية الفلسطينية.

التاريخ لا يكرر نفسه، فالحياة بمكوناتها الاجتماعية والسياسية كالنهر المتدفق لا يعرف التوقف ولا تتكرر ذرات مائه بين دقيقة وأخرى، ومن الخطأ التاريخي أن يقارن أحد بين شروط وظروف ووسائل الانتفاضة الأولى، وكذلك الانتفاضة الثانية مع الهبة الجماهيرية التي تدور الآن، فلكل شروطه التاريخية وأسبابه المباشرة، حتى لو كان الاحتلال واحد.. وفي هذا فإن الحديث يطول.

من الصعب تحديد نقطة الانفجار المباشرة. فهل هي باعتقال وحرق الطفل محمد أبو خضير أو بحرق عائلة الدوابشة في قرية دوما؟ أم بالاعتداءات المتواصلة كأسلوب من أساليب الاضطهاد القومي والديني على المسجد الأقصى والأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية عموماً؟ أم أنها جميعاً مع ما يضاف لها من مئات الاعتداءات اليومية من قبل المستوطنين على أراضي الدولة الفلسطينية؟

الخلاف في التقييم والتحليل، بل في تحديد التواريخ، هي أمور طبيعية، وتحديداً في مجتمع فلسطيني يعيش وسط العاصفة وتحت سيف القهر الصهيوني والإهمال العربي والإسلامي، كما يختزن الفلسطينيون السنوات الطوال من الصراع السياسي في المحيط العربي، ومن قسوة التعصب الديني والصراع الدموي بين أصحاب الديانة اليهودية مع الأديان السماوية الأخرى، صراعات تمتد مئات وآلاف السنين !!

المجتمع الفلسطييني عموماً هو مجتمع حديث في ثقافته، ديمقراطي في الغالب، ولا يخلو من أفكار غير ديمقراطية، بل وسلفية، وهو مجتمع، مثله مثل كل المجتمعات الحديثة، يضيف إلى خبراته الراهنة خبرات جديدة متأثر بثورة الاتصالات التي تترك آثارها في كل بيت، ولا تستثني بيتاً مهما كان انتماؤه الفكري !

نقول ما سبق لأن الأسابيع الماضية حملت لنا وجهات نظر وآراء متعددة تجاه ما يدور الآن من
أساليب المقاومة وحول جدوي التضحيات الغالية وحول دور الشباب فيها وموقف ودور القوى السياسية فيها وفي قيادتها، ولأنها في أغلبها عفوية ومفجرها هو الغضب من الاحتلال، فإن الخلاف حول تقييمها حتى الآن هو أمر طبيعي  وحيوي، ولا تخدم العمل الوطني مواجهة وجهات النظر المتباينة في التقييم بطرق تعسفية تدخل، شئنا أم أبينا، في باب "الإرهاب الفكري".

بالعودة إلى تاريخ الثورة الفلسطينية الحديثة (ما بعد العام 1965) فقد جرت  تباينات كثيرة حول اتباع أسلوب خطف الطائرات المدنية، وحول أساليب الدفاع وأساليب المقاومة في دول الطوق العربي، وقد جرى استخلاص الدروس ما بعد ذلك، ولكن بعد أن دفعنا الأثمان غالية، أو كما يقال (بعدما وقعت الفأس بالرأس)، وتكرر الأمر ذاته بعدما اشتد الصراع الفلسطيني الداخلي على اتفاق أوسلو، وعندما لجأت بعض القوى إلى اتباع أساليب الأعمال التفجيرية- الاستشهادية، كما لجأت بعض القوي إلى عسكرة الانتفاضة وطمس الجانب الجماهيري فيها، وهي، ودون وعي، قد أطلقت قوى القمع العنصري الصهيوني وأطلقت يدها في ارتكاب الجرائم من اغتيالات وإعادة احتلال المدن وتدمير ما تم بناؤه من مؤسسات فلسطينية... انتهت بقتل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.

في هذه الأيام هناك من يكتب من مثقفين وصحفيين لا يمكن أن نشك في مدى إخلاصهم الوطني أو الاستهانة بتجاربهم، ومع كل ذلك فإنهم لم يسلموا من الهجوم عليهم والإساءة لهم لأنهم قالوا بعض ما يمور في عقولهم تجاه ما يدور، وقد اجتهدوا وحاولوا أن يختبروا أفكارهم مع أبناء وطنهم. إن مواجهة  ذلك بالاتهام والتحريض إنما يدخل تحت باب قمع الرأي وفرض حالة التعسف، بل يدخل في باب الإرهاب الفكري، وهذا آخر ما نحتاجه في ظل وضع نحن فيه بأمس الحاجة إلى وحدتنا الوطنية.

لندع الناس يقولون ما يعتقدون، فهم يدفعون ثمن أقوالهم من لحمهم ودمهم ودم أبنائهم، ولنتذكر ما قاله الفيلسوف الفرنسي فولتير:"قد أختلف معك، ولكنني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمناً لحرية رأيك"