السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التأمين الصحي الحكومي دون خدمات

الحدث تفتح الملف الصحي للحكومة

2013-10-29 00:00:00
التأمين الصحي الحكومي دون خدمات
صورة ارشيفية

700 مليون شيكل ديون شركات توريد الأدوية على الحكومة 

صيدليات الصحة خالية من الأدوية المخثرة

مئات المرضى المُؤَمنون صحياً يتحولون إلى متسولين... وآخرون يدفعون حياتهم ثمناً لعدم توفر أدويتهم

  

رام الله- إبراهيم أبو كامش 

عفاف حسن «أم شادي» «56 عاماً» من قرية كوبر رام الله، تعاني من أمراض الضغط والقلب والسكري مجتمعة دائمة الحضور ليس في العيادات الصحية الحكومية وإنما في المراكز الطبية الأهلية والعربية بحثاً عن أدويتها وعلاجاتها اللازمة خصوصاً تلك الأدوية التي لا تجدها في صيدليات وزارة الصحة وغالباً ما تكون باهظة الثمن لا تستطع «أم شادي» ابتياعها من الصيدليات الخاصة.

زوجها عاطل عن العمل وابنها محمد هشام شنان «24 عامًا» مريض بنزيف الدم «هيموفيليا» في المفاصل ومن المفترض أن يحصل على (فاكتور 8) وهو غير متوفر بشكل دائم، ولا سبيل امامه سوى الانتظار الى ان يتم توفيره في الصحة.

تقول أم شادي: «نادرا ما نجده متوفرًا وهو غير متوفر في الصيدليات الخاصة، ولكن الادوية الأخرى التي يحتاجها محمد وأطفاله وباقي أفراد العائلة المشمولين في التأمين والتي لا نجدها في صيدليات الصحة نضطر الى شرائها بمساعدة أهل الخير».

وتؤكد انهم لم يحصلوا سوى على مساعدة مالية ولمرة واحدة من وزارة الشؤون الاجتماعية  قيمتها 750 شيقل بالرغم من حالات المرض والفقر والبطالة التي يعانون منها، ومراكمة ديون فواتير الماء والكهرباء التي وصلت إلى 8500 شيقل.

المريض ماهر زايد عايد الحلاق «40 عامًا» من الريحية /الخليل مدرج على بند مساعدات الشؤون الاجتماعية ويتلقى كل 3 أشهر 1200 شيقل، اكتفى بمطالبة وزارة الصحة بتوفير العلاج اللازم له، وقال: «لا نريد أي شيء آخر فالحكومة هي التي قطعت الدواء عنا، نتصل بالمستودعات يقولون لنا ان الحكومة لا تستطيع الدفع لموردي الأدوية»، وأنا مريض أستعد للموت يوماً بعد يوم، ماذا نفعل؟ ولا يوجد بديل لهذا الدواء الا صفائح البلازما ولا يوجد متبرعون للدم، ويطالبنا المستشفى بإحضار متبرعين حتى نحصل على وحدة البلازما»!! 

ويؤكد رئيس مجلس ادارة جمعية الهيموفيليا جاد الطويل عدم توفر الأدوية والعلاجات والمساعدات الاجتماعية لمرضى الهيموفيليا، بالرغم من قرار الرئيس الراحل أبو عمار بتضمين هؤلاء المرضى بالتأمين الصحي المجاني نتيجة وضعهم الصحي والاجتماعي السيئين “فالمريض لا يتأثر صحيا بمفرده وانما عائلته نتيجة النزف المتكرر والتنقل في المستشفيات والتعطيل عن العمل”، وبالتالي من حقهم الحصول على الخدمات الصحية والاجتماعية.

ويؤكد الطويل رفض وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية اعتبار مرضى نزف الدم ذوي احتياجات خاصة، ويقول: “رغم وجود تأمين صحي لكنه دون خدمات، والأخطر انه لا يوجد أدوية ولا علاجات ولا مساعدات اجتماعية لهؤلاء المرضى، وفي المستشفيات لا يعطون المرضى علاجات “العوامل المخثرة” لأنها غير متوفرة، وإن توفرت يعطونها أقل من الجرعات حسب البروتوكولات الدولية”.

مشاكل بين وزارة الصحة والشركات الموردة للأدوية

ويكشف الطويل، عن وجود مشاكل بين وزارة الصحة والشركات الموردة للأدوية منذ أكثر من 9 أشهر والتي تطالب الوزارة بتسديد 700 مليون شيقل الأمر الذي أوجد اضطرابًا رهيبًا في توريد الأدوية وأدى إلى توقف نقابة موردي الأدوية عن التوريد في أكثر من موقع.

وطالب الطويل  الجهات الرسمية  الفلسطينية بالتدخل الفوري لتوريد ولتوفير العوامل المخثرة من النوع الثامن، بالاضافة الى اعتماد العوامل المخثرة الأخرى في السلة الدوائية لوزارة الصحة، مؤكدا أن الاشهر القليلة الماضية تميزت بازدياد حدة المشاكل الصحية للمرضى وكثرة الشكاوى من المرضى وعائلاتهم، وعزا سبب ذلك إما لعدم  توفر العوامل المخثرة  في  مستودعات وزارة الصحة أو لعدم توزيعها للمستشفيات حسب أعداد المرضى واحتياجاتهم، أو بالأساس لعدم صرفها للمرضى حسب بروتوكولات علاجية محددة مع العلم أن هذه الأدوية ضرورية للمحافظة على حياة المرضى ويحتاجها المريض على مدار الساعة لوقف النزف المتكرر تلقائيا أو لأبسط الجروح والكدمات مع العلم ان العائلات تعجز عن شراء الأدوية بسبب ثمنها الباهظ وتوفرها فقط للبيع عبر الوزارة واحتياج المريض لها منذ ولادته حتى وفاته.

وفي مثال واضح لهذا النقص والتقصير في الخدمة، وعبر اتصالات متكررة من والدة الطفل محمد الطوباسي من الريحية في محافظة الخليل لجمعية الهيموفيليا أفادت أنه ومنذ عدة أسابيع وابنها ينزف من حلقه ويتم إدخاله إلى مستشفى الخليل الحكومي لعدة أيام، والعامل المخثر  الثامن المركز غير متوفر في مستودعات الوزارة لعلاجه ويتم علاجه بمادة الكريو وهي إحدى مشتقات بلازما الدم ولا تأخذ مفعول العلاج المركز. 

والوضع يتكرر مع أغلبية المرضى في كافة محافظات الوطن من غزة جنوبًا حتى جنين شمالا والبالغ عددهم ما يقارب الـ 500 حالة من الهيموفيليا «أ،ب»، نقص العامل المخثر الثامن أو التاسع» بالإضافة إلى آلاف مرضى نزف الدم من الأنواع الأخرى كنقص العامل العاشر و “الفان ويلبراند” وغيرها حيث عدم توفر هذه العوامل المخثرة يؤدي بالمرضى إلى الإعاقات الجسدية والحركية التراكمية والموت.

العلاج متوفر في مستشفى طولكرم الحكومي

وعلى عكس كل شهادات من التقيناهم من جميع المحافظات يشكل عبد الغني ابراهيم ابو العسل «34 عاما» من عنبتا بطولكرم حالة فارقة في شهادته وأقواله. 

أبو العسل المريض بالهيموفيليا وخال الطفلين أيسر «عامين»، وليث مؤيد «8 أعوام» المصابين بالهيموفيليا والذين توفي والدهما قبل أقل من سنة بالسرطان، يقول أبو العسل وهو موظف استقبال في مستشفى طولكرم الحكومي: “العلاج متوفر منذ فترة في مستشفى طولكرم الحكومي، ولكن في فترة انقطاع علاج (فاكتور 8) لأيسر وليث، كنت أشتريه من اسرائيل بقيمة 10 آلاف شيقل تكفي لمدة شهر فقط”.

حديث أبو العسل الذي يناقض اقوال جميع المرضى الآخرين من المحتمل أن يكون له علاقة بوظيفته إما خوفًا من أن يفقدها أو أنه بفضلها يحصل على العلاج.

يقول أبو العسل: "إنه يوفر العلاج لطفل شقيقته كتبرع عن طريق مؤسسات في إسرائيل والاستدانة»، ويضيف: «على الأغلب الادوية متوفرة في صيدليات الصحة وليست مرتفعة الثمن»، ويكشف أن الطفلين يعيشان على المساعدات المقدمة من أهل الخير ومؤسسات رعاية الايتام، مع  انهما مدرجان على بند مساعدات الشؤون الاجتماعية ويحصلان منها على 750 شيقلا كل ثلاثة أشهر لكنها لا تكفي حاجاتهم الاساسية او العلاجية".

تأمين صحي دون خدمات علاجية ودون دواء

وتستمر معاناة أي مريض لعدم توفر العلاج نتيجة النزف المتكرر، وتآكل المفاصل ووقوع حالات وفاة، والاصابة بالشلل، والتسرب من المدارس للاطفال، وفقدان الدخل وحالات الفقر، والتفكك الأسري، وبالمقابل إذا توفرت العلاجات الأساسية «العوامل المخثرة» والرعاية الشمولية فإن الانسان يعيش حياته الاعتيادية.

ويعتبر أغلبية المرضى حالات اجتماعية نتيجة الفقر فالكل بحاجة لمساعدة اذ تم مؤخرا تحويل 232 مريضًا إلى الشؤون الاجتماعية لإجراء مسح اجتماعي لتوفير احتياجاتهم الاجتماعية والعمل على تصنيفهم كذوي احتياجات خاصة.

واستنادا الى نتائج دراسة حديثة على 156 مرض من نوع «أ+ب» فمن المفروض أن يتوفر ما بين19 – 20 مليون وحدة علاجية من العامل المخثر الثامن والتاسع، حيث تبين إن ما توفره الوزارة من العطاء السنوي بحدود 6 ملايين وحدة وهذه لا تصرف لمريض وانما لجميع حالات مرضى نزف الدم، اضافة إلى وجود إشكالية في التشخيص غير الدقيق. مثلما حصل مع الطفل عمر خالد محمد يوسف من قرية بلعين غرب رام الله الذي ولد وهو يعاني من نقص العامل العاشر وتم تشخيصه خطأ في المستشفى، ونقل بعد شهرين إلى مستشفى هاشومير نتيجة نزف في الدماغ وبعد 3 شهور توفي.

ويؤكد الطويل انه تم تشخيص حالة الطفل بشكل خاطئ في المستشفى وفي احدى المختبرات الخاصة وحصل على تحويلة ونقل الى مشفى تل هاشومير حيث تم تشخيصه بأنه مصاب بالعامل العاشر، واصيب بعد عدة اسابيع بنزيف آخر في الدماغ «وأحضرنا له حقنة «فاكتور العاشر» بقيمة 2400 شيقل بالتهريب (غير موجود في السلة الدوائية) ولكن لم تسعفه وتوفي بعد ذلك بفترة قليلة». 

40 مليون شيقل سنويا موازنة الشؤون الاجتماعية التقديرية للتأمين الصحي 

يرى خالد البرغوثي نائب مدير عام الإدارة العامة لمكافحة الفقر في وزارة الشؤون الاجتماعية، أنه يحق لكل أسرة مسجلة في برنامج المساعدات النقدية الحصول على تأمين صحي، مبينا أن عدد المستفيدين من البرنامج يبلغ 106 آلاف أسرة يقدم لها كل ثلاثة أشهر 115 مليون شيقل، وتبلغ قيمة المنفعة للأسرة الواحدة ما بين 750 شيقلا إلى 1800 شيقلا، مؤكداً ان هذا العدد من المستفيدين بازدياد، وفي هذا الاطار يقدم الاتحاد الاوروبي 10 ملايين يورو أي ما يعادل 50 مليون شيقلا وتبلغ نسبتها %48 من اجمالي المبلغ الذي هو ثابت بينما تزداد أعداد المستفيدين باستمرار، وتساهم السلطة الوطنية بحوالي %52 والبنك الدولي بمبلغ 3 ملايين شيقل.

ويقول في ضوء ذلك: «إن 106 آلاف أسرة تستطيع الحصول على تأمين صحي حكومي، لكنه يقدر عدد الحاصلين منهم على التأمين الصحي 80 ألفًا وهؤلاء يخضعون لتصنيفين: منهم أسر أي حوالي 83 ألفًا منها تعيش تحت خط الفقر الشديد، و23 ألفًا تعاني من الفقر والتهميش، بالإضافة إلى 2000 أسرة حاصلة على تأمين صحي مجاني فقط من خدمات الوزارة بسبب نوعية المرض وعدم مقدرتهم على تغطية نفقات علاجهم.

ويقدر البرغوثي، أن الموازنة التقديربة للتأمين الصحي السنوية 40 مليون شيقلا بمعدل 40 شيقلا شهريا للتأمين الواحد. ويقول البرغوثي لدينا علاجان: الأول دوائي والثاني طبي ومن يحتاج علاجًا خارج مستشفيات الحكومة «التحويلات الطبية الخارجية» يمنح قانون الصحة أعلى نسبة إعفاءات %95 للأسر المسجلة لدى الوزارة حيث يفترض أن تبلغ نسبة الإعفاء 0 ولكنه غير مفعل. 

ويشير الى وجود حوالي 150 نوع دواء غير متوفر في مستودعات وصيدليات وزارة الصحة، ولكن الحالات التي تنطبق عليها وتحضر كتابًا من الصحة بعدم توفر علاجها فإن الشؤون الاجتماعية وضمن برنامج المساعدات الطارئة يتم صرف المبلغ لمرة واحدة دون حل المشكلة نهائيا.

ويقر البرغوثي بتقديم العديد من الشكاوى للمديريات وللوزارة، ويقول: “إنها نغمة لا تنتهي ولكن لا يوجد مؤشر لتسجيل عدد الشكاوى المقدمة شهريا للوزارة”. على حد قوله.

غياب الدواء حّول المرضى إلى متسولين

وهو الأمر الذي يؤكده مدير عام مديرية الشؤون الاجتماعية في محافظة رام الله والبيرة أمين عنابي فيما يخص جميع الأسر المنطبقة عليها وعددهم في محافظة رام الله والبيرة 4 آلاف قضية اجتماعية، مشيرا إلى حالات أخرى تستفيد من الشؤون الاجتماعية كتأمين صحي اذ يجب أن يتوفر شرطان أساسيان وهما وضع صحي واقتصادي سيئان والمقصود بذلك الامراض المزمنة التي تتطلب تكلفة مرتفعة للعلاج مثل أمراض السرطان، الكلى، الأمراض النفسية، والأمراض النادرة.

وأكد عنابي، ان لديهم مرضى نفسيين يعانون من نوبات صرع ومرضى سرطان ومرضى أعصاب ومفاصل ونزيف في المعدة إضافة إلى أمراض جلدية، وأدويتهم غير متوفرة، فهناك مثلا فتاة في السابعة عشر من عمرها مريضة بمرضMS ، يجب أن تحقن بإبرة أسبوعية لمدة شهر يصل سعر الحقنة 1000 شيقل، وهناك مرضى بحاجة إلى 850 شيقلا اسبوعيا تكلفة علاجاتهم، ومريض آخر بحاجة الى 916 شيقلا شهريا لتغطية نفقات علاجه من الأدوية.

الفقر وقلة الوعي الصحي يزيدان الطلب على الرعاية عالية الجودة 

تقول د. سلوى النجاب، مدير عام مؤسسة جذور للانماء الصحي والاجتماعي: "إن المجتمع الفلسطيني يتميز بصغر أعمار سكانه نسبيا وهو عامل ساعد على ابقاء تكاليف الرعاية الصحية منخفضة، ولكن الفقر وقلة الوعي الصحي تسهمان في تزايد انتشار عوامل المخاطر الصحية وبخاصة الأمراض المزمنة (امراض القلب والسكري والسرطان) الأمر الذي يزيد الطلب على الرعاية عالية الجودة ويرفع تكاليفها".

وأشارت د. النجاب إلى دراسة أجريت في سنة 2011 بعنوان "احتياجات الشباب من الخدمات الصحية في الضفة الغربية" عبر فيها الشباب عن ان الوقاية والتوعية في مجال الصحة النفسية والجسمية والجنسية هي أهم محاور اهتمام هذه الفئة.

وذكرت بان الدراسة أظهرت أن نظام الصحة في فلسطين لا يؤمن خدمات تتلاءم مع الاحتياجات المتنامية والمتأثرة بالبيئة السياسية والاجتماعية. وأن تجربة استخدام هذه الخدمات لم تكن بمستوى توقعات الشباب من حيث الجودة.

معدل إنفاق الفرد من دخله على الصحة يصل إلى %60

تقول د. النجاب، على الرغم من وجود تأمين وخدمات صحية مدعومة في فلسطين من قبل الحكومة، الا ان معدل انفاق الفرد من دخله على الصحة يعتبر كبيرا بشكل غير اعتيادي بل (كارثي) قد يصل إلى %60. وهكذا ترتبط القدرة على الحصول على الخدمات بقدرة الفرد على الدفع من دخله وهذا يعني ان الاغنياء هم الفئة المستفيدة من الخدمات الصحية عالية الجودة. 

وأشارت الى ما تتوقعه منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، حيث ان نسبة الامراض المزمنة ستزيد بنسبة %38 بين عامي 2008 – 2030.

لذلك طالبت د. النجاب الحكومة، وضع استراتيجيات للسنوات (30) القادمة لتلبية الاحتياجات الصحية والعمل اكثر على الوقاية في مرحلة الشباب والاستفادة من الامكانيات المتوفرة من وسائل الاتصال لرفع الوعي الصحي.

وقالت: «حتى نلبي الاحتياجات في مجالات الوقاية والتوعية، نحن بحاجة للعمل على إصلاح القطاع الصحي فما زلنا نعاني من ضعف مستويات الحوكمة والمساءلة، ونحن بحاجة لوضع معايير للجودة لقياس نوعية الرعاية الصحية وسلامتها وكفاءتها، وذلك من خلال ايجاد آليات تقييم مستقلة للاشراف على اداء الرعاية الصحية سواء كانت في القطاع الخاص او العام ومنح المنتفعين فرصة اكبر للتعبير عن رأيهم وتحسين أنظمة المعلومات والتأمين الصحي  وإدخال أنظمة شهادات الاعتماد وتحسين الجودة وتحسين قطاع الصيدلة، وإعداد خطط استراتيجية لاصلاحات وطنية للرعاية الصحية، وتنظيم قطاع التأمين الصحي، واتخاذ إجراءات تنظيمية للأغذية والأدوية والتجهيزات الطبية.

واقع الحق في الصحة لعام 2012

تكشف الهيئة المستقلة لحقوق الانسان «ديوان المظالم» عن تلقيها 109 شكاوى في عام 2012 تضمنت انتهاكا لحق الانسان في أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة في اراضي السلطة الوطنية، من بينها 68 شكوى تضمنت مطالبات بالحصول على معالجة طبية أو أدوية أو أطراف صناعية أو الحصول على تحويلة للعلاج خارج مؤسسات وزارة الصحة.

ويقول المحامي موسى أبو دهيم مدير برنامج الضفة الغربية في الهيئة، إن 30 شكوى تضمنت مطالبة بالتحقيق في احتمالية وقوع خطأ في أعقاب معالجة طبية و11 شكوى متعلقة بقضايا صحية أخرى، وتبين الهيئة تنوع نتائج المعالجات الطبية المدعى بوقوع خطأ فيها بحيث تراوحت بين وقوع ضرر بحق المريض أو أنها تخلف إعاقة أو شللا نصفيا أو إصابة في العصب البصري أو حصول فشل كلوي ووصلت في بعض الحالات إلى وفاة المريض، حيث استقبلت الهيئة عام 2012 ثماني شكاوى كانت نتيجتها وفاة المريض.

ويؤكد أنه رغم المطالبات المتكررة بإجراء تحقيقات فنية ودقيقة في هذه الادعاءات الا ان الوزارة لا تزال عاجزة عن الوصول الى نتائج مرضية ولا تزال التحقيقات التي تقوم بها غير مقنعة، ولا يزال المواطنون يشعرون بحدوث نتائج لهم أو لذويهم غير طبيعية في أعقاب المعالجات الطبية التي يجرونها، وما زالت وزارة الصحة تقول دائما «إن ما حدث هو نتيجة طبيعية أو مضاعفة طبية طبيعية وإنه لا اهمال ولا تقصير، وان الأطقم الطبية قامت بواجبها على أكمل وجه» بحسب ما يتضح في أغلب الردود التي وصلت الهيئة.

وأشار أبو دهيم، إلى أنه قد لفت انتباه الهيئة عدم الجدية التي توبعت فيها بعض الشكاوى حيث لم يتم تشكيل لجنة للتحقيق فيها وتم الاكتفاء برد الجهة المشتكى عليها والتي لم تحقق بالاساس في موضوع الشكوى وانما اكتفت بتزويد الوزارة برد الطبيب الذي كان يشرف على الحالة محل الشكوى.

عدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية 

ويؤكد أبو دهيم، إن عددًا كبيرًا من مجمل الشكاوى التي تلقتها الهيئة عام 2012 يتعلق بالمطالبة بتوفير أدوية وأدوات طبية مهمة للمريض ومنها المتعلقة بمرض التصلب اللوحي العصبي المتعدد، حيث توقفت وزارة الصحة في الحكومة المقالة في قطاع غزة عن صرف الحقن التي يستخدمها المصابون بهذا المرض، علما بأن المريض يحتاج الى 2-3 حقن اسبوعيا لا يقل ثمن الحقنة الواحدة منها عن 130 دولارا في الصيدليات الخاصة، الأمر الذي يحد من قدرة المرضى على شرائها على نفقتهم الخاصة.

وترى الهيئة ان ما يزيد من حدة الأزمة المتعلقة بهذا المرض، عدم توفر عدد كاف من مقدمي الخدمة الطبية في المستشفيات والمؤسسات الصحية العارفين بهذا المرض والقادرين على تشخيصه في وقت مناسب.

وأكدت أن صحة غزة ادعت في معرض ردها على الهيئة بأن هذا العلاج ليس من ضمن قائمة الأدوية الأساسية التي تقوم بتوفيرها، وقالت: «إن هذا العلاج غير متوفر بمخازن الأدوية». كما توقفت وزارة الصحة في الضفة عن صرف الحقن المخصصة لهذا المرض عدة مرات خلال عام 2012.

وفي ضوء ذلك طالبت الهيئة الحكومة بوضع سياسات واضحة بشأن توفير الأدوية والعلاجات الضرورية واللازمة لكافة المرضى بأمراض مزمنة.  

أزمة الأدوية في طريقها للحل

أما مدير مستودعات الأدوية التابعة لوزارة الصحة نضال الجعبري، فأعلن عن حل مشكلة الأدوية والعلاجات الخاصة بمرضى الهيموفيليا، وقال: "بات لديهم احتياطي من أحد أصناف أدويتهم لأكثر من سبعة أشهر، والصنف الآخر تم توفيره خلال فترة عيد الفطر وتم توزيعه على كل مراكز وزارة الصحة والمستشفيات، وبالتالي لا يوجد أي نقص حاليا".

وأقر الجعبري بأن عدم توفر الأدوية والعلاجات في الفترة السابقة كان بسبب عدم تسديد المستحقات المالية لشركات توريد الادوية من قبل وزارة المالية والتي بلغت بحسب تقديراته مستحقاتها حوالي 700 مليون شيكل.

وقال: "بتعليمات من وزير الصحة د. جواد عواد وبضغوطات منه ومن وكيل الوزارة نعمل مع شركات التوريد وقد أثمرت هذه الجهود بتحسن في عدد كبير من الأدوية".

لكن الجعبري يقر بأن هذا التحسن دون المستوى ولا يعبر عن الطموح، وقال: “ تلقينا وعودات خلال الفترة القادمة بأن يطرأ تحسن في توفر الادوية، لكنه عاد ليجدد تأكيده بأن الضائقة المالية تعيق هذا الامر بشكل كبير، وقال : "الخلل ليس عندنا وانما في وزارة المالية”.

وفيما يتعلق بمرضى «الحالات الاجتماعية» والذين لا يجدون أدويتهم وعلاجاتهم في صيدليات وزارة الصحة قال الجعبري: "الله يكون بعونهم .. فأنا شخصيا أضطر لشراء أدوية والدتي وزوجتي» فالوضع المالي للوزارة سيء، والظرف المعاش استثنائي وغير طبيعي".

ومع أنه قال من الصعوبة تحديد عدد أصناف الأدوية غير المتوفرة في صيدليات الصحة، لكنه أقر بعدم توفر عشرات الأصناف منها رفض ما يتم تناقله بعدم توفر حوالي 150 صنف من الأدوية وقال: "العدد أقل بكثير من ذلك".

وقال لو لم يتوفر 30 صنف من الادوية فان من شأنها أن تؤثر وسيكون لها تداعيات وسلبيات كثيرة وهناك محاولات لاستيراد بعض أصناف الادوية التي توقفت اسرائيل عن انتاجها ولا تنتجها الشركات العربية من الخارج