الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحكومة المقالة تفرض ضريبة «مسبقة» على السلع قبل استلام التجار لها وقبل بيعها

تعويضاً لخسارتها 500 مليون دولار من إيرادات الضرائب على البضائع الواردة عبر الأنفاق

2013-10-29 00:00:00
الحكومة المقالة تفرض ضريبة «مسبقة» على السلع قبل استلام التجار لها وقبل بيعها
صورة ارشيفية

غزة-حامد جاد 

شكلت الأنفاق الممتدة في جوف الأراضي الحدودية الفاصلة بين جنوب قطاع غزة والاراضي المصرية أحد ابرز مصادر إيرادات الحكومة المقالة التي تديرها حركة حماس في غزة، وبالرغم من أن موازنة الحكومة المقالة للعام الحالي لم تكشف عن تفاصيل إيراداتها بنفس القدر الذي كشفت به عن تفاصيل نفقاتها إلا أن بيانات موازنتها البالغ قيمتها (890 مليون دولار للعام 2013 ) أشارت إلى توقعات بإمكانية تحقيق 243 مليون دولار كإيرادات محلية تجبى من خلال الرسوم الضريبية وأهمها الرسوم المجباة عن السلع الواردة للقطاع سواء عبر الأنفاق أو عبر معبر كرم أبو سالم إضافة إلى الرسوم التي تجبيها مؤسساتها الخدمية. 

وبرهنت مالية الحكومة المقالة بممارساتها العملية على اعتمادها الكبير على ما تحصله من إيرادات تجارة الأنفاق في سد نفقاتها فعندما لجأت الوزارة ذاتها عقب قيام الجانب المصري بتدمير عدد كبير من الأنفاق وإغلاق عدد منها حاولت مالية المقالة جباية ضريبة مسبقة على السلع الواردة عبر معبر كرم أبو سالم قبل استلام التجار لهذه السلع حيث عمدت إلى حجز عدد من الشاحنات المحملة بالبضائع المختلفة كمحاولة للضغط على التجار من أجل دفع ضريبة عن قيمة الارباح التي قدرتها مالية المقالة بشكل جزافي.  

ضرائب جزافية

وحول هذه الممارسة غير المسبوقة ربط علي الحايك رئيس جمعية رجال الأعمال في غزة أزمة إغلاق الأنفاق وتدميرها وما ترتب عليها من توقف الإيرادات المالية المجباة على السلع المهربة بمحاولة مالية المقالة فرض ضريبة «عاجلة» على التجار الذين يستوردون بضائعهم عبر معبر كرم أبو سالم بمجرد استلامهم لهذه البضائع  التي حددت المقالة قيمة ربحها بشكل جزافي قبل بيعها دون الأخذ بعين الاعتبار احتمالات تعرض جزء من هذه البضائع للتلف، أو عدم تمكن التاجر من تسويقها، وتراكم كمية منها في مخازنه دون بيعها، أو الاضطرار لبيعها بأسعار مخفضة قد تكون أقل من قيمة شرائها.

وبين الحايك أن  قرار مالية المقالة لتحصيل قيمة الضريبة وفق ما أشير له دفع بالتجار المستوردين للتواصل مع الجمعية كي تتواصل بدورها مع المسؤولين في مالية المقالة الذين تم إطلاعهم على خطورة هذا القرار الذي يشكل عبئاً كبيرا على التجار نتيجة الظروف الصعبة التي يعيشونها اضافة الى المخاطر التي قد تترتب على هذا القرار في ظل إغلاق الأنفاق، وإمكانية أن تقوم إسرائيل باستغلال الوضع وتعمل على إغلاق معبر كرم أبو سالم لذا تم على الفور عقد جلسة في اليوم نفسه الذي احتجزت فيه بضائع التجار “السابع من شهر تموز الماضي”، وذلك بحضور عدد كبير من التجار ورجال الأعمال ومسؤولين في مالية المقالة من بينهم مدير عام ضريبة القيمة المضافة أحمد الشنطي، وتم الاتفاق على تجميد القرار والإفراج عن الشاحنات التي أحتجزت في حينه لعدة ساعات داخل المعبر. 

وقال: "بالرغم من استنكار القطاع الخاص لهذا القرار الذي سيضر بمصالحه ناشد القطاع الخاص الحكومة المقالة بالعمل على إلغاء القرار المذكور الذي يعد أشبه بسلفة مالية سعت مالية المقالة للحصول عليها من التجار الذين  يدفعون الرسوم الضريبية مرة لحكومة رام الله ومرة اخرى لحكومة غزة".

أما رجل الاعمال طارق السقا فاعتبر ان تحصيل الضرائب من التجار جاء نتيجة لأزمة مالية مفاجئة ألمت بالحكومة المقالة اثر اغلاق الأنفاق التي تشكل بحسبه مصدر دخل رئيسي ومورد أساسي لحكومة غزة.

ورأى السقا أن انخفاض مبيعات الأجهزة الكهربائية جاء نتيجة لإغلاق الأنفاق التي كان يرد من خلالها أجهزة كهربائية بسعر منخفض داعياً لتشكيل  لوبي للضغط على الجانب الاسرائيلي لفتح معبر كرم ابو سالم بما يكفل إدخال كافة السلع .

المقالة تقر باعتمادها على الضرائب 

ولم تخف الحكومة المقالة بلسان إسماعيل محفوظ، وكيل وزارة ماليتها حقيقة اعتمادها على ما تجبيه من ضرائب وإيرادات محلية كي تتمكن من تغطية نفقاتها حيث أعلن محفوظ أنه منذ نحو عام مضى فإن %50 من إجمالي نفقات حكومته يتم تغطيتها مما تجبيه الحكومة ذاتها من الإيرادات المحلية ومختلف أشكال الضرائب التي تفرضها في قطاع غزة وأن ايرادات ضريبتي الدخل والقيمة المضافة التي تجبيها حكومته تقدر شهرياً بنحو ثلاثة ملايين دولار. إضافة الى أن هناك اشكالا مختلفة من الضرائب التي تجبيها حكومته بقيمة تقدر بأضعاف المبلغ المذكور من بينها الضرائب المفروضة على الوقود الوارد إلى غزة عبر الأنفاق والضرائب والرسوم الجمركية المفروضة على السيارات سواء الواردة عبر معبر كرم ابو سالم أو التي يتم تهريبها عبر الأنفاق .

ويذكر في هذا الشأن أن الحكومة المقالة أخذت على عاتقها منذ حزيران العام الماضي وحتى الربع الاول من العام الحالي تنفيذ عمليات شراء وتسويق السيارات المصرية المهربة إلى غزة عبر الأنفاق حيث فرضت مالية المقالة رسوما جمركية بنسبة %25 على كافة المركبات التي ترد إلى غزة عبر الأنفاق وكذلك عبر معبر كرم أبو سالم . 

أكثر من 500 مليون دولار إلى خزينة المقالة 

وبحسب قائمة الرسوم الضريبية المفروضة على السلع والبضائع الداخلة للقطاع عبر الأنفاق وقيمة الضريبة المفروضة على كل صنف بحسب القائمة المذكورة المعتمدة لدى مالية المقالة قدرت قيمة الرسوم المجباة عن بعض السلع الاستراتيجية مثل الوقود بنحو 160 مليون دولار سنويا، حيث تفرض مالية المقالة 1.6 شيكل لكل لتر من بنزين وسولار، فيما تقدر الكمية الواردة من هذا الصنف بنحو مليون لتر يومياً لتلبية احتياجات المركبات ومحطة توليد الكهرباء وللاستهلاك المحلي الخاص باستعانة المواطنين بهذا الوقود للتغلب على أزمة انقطاع الكهرباء، ما يعني أن قيمة ما يتم جبايته شهريا يقدر بنحو 13 مليون دولار باحتساب الضريبة المفروضة على 30 مليون لتر من الوقود شهريا. أما الاسمنت فيقدر الوارد منه للقطاع بأكثر من ثلاثة آلاف طن يومياً حيث تتقاضي مالية المقالة 20 شيكلا عن كل طن ما يعني، أن الدخل المحقق عبر هذه السلعة يقدر بأكثر من 1.8 مليون شيكل شهريا باحتساب الضريبة المفروضة على 90 ألف طن اسمنت شهريا، ما يعني أن الدخل الذي تحققه مالية المقالة من هذه السلعة سنوياً يقدر بأكثر من ستة ملايين دولار. وهناك الرسوم الجمركية المفروضة على المركبات بنسبة %25 والسلع الأخرى من السجائر التي تقدر رسومها الجمركية بعشرة شواكل عن كل كروز سجائر، ما يعني أننا لو افترضنا أن عدد المدخنين في القطاع هم مئة ألف مدخن فإن ذلك يعني جباية 100 ألف شيكل  يوميا، وجباية ثلاثة ملايين شيكل شهرياً، وجباية 36 مليونا سنوياً، أي ما يعادل عشرة ملايين دولار، إضافة إلى الرسوم الأخرى على سبيل الذكر لا الحصر و10 شواكل عن كل طن من الحصمة و20 شيكلا عن كل طن من الحديد، أما السلع الأخرى كالسكر والدقيق والأرز فتفرض 100 شيكل لكل طن. وهناك ما يجبى عن السلع الأخرى المختلفة ومنها البسكويت والشوكولاتة وزيت الطهي والأجهزة الكهربائية، وغيرها من السلع المختلفة، التي لو تم احتساب الايرادات الضريبة التي تحققها مالية المقالة من خلالها لوصلنا إلى رقم مشابه لما ذكره الخبير الاقتصادي عمر شعبان؛ “500 مليون دولار سنوياً” إن لم يكن أكثر من ذلك. 

إيرادات موازنة المقالة 

واعتبر الخبير الاقتصادي عمر شعبان من جهته أن اغلاق الأنفاق شكل ضربة قوية لحكومة غزة وذلك على مستويين؛ الأول مس بمسؤوليتها عن توفير السلع لمواطني القطاع، والثاني مس بحجم الضرائب والايرادات التي تقدر بنحو 500 مليون  دولار. لافتا الى أن إغلاق الأنفاق أثر بشكل مباشر على الاداء المالي للحكومة المقالة التي اضطرت في شهر تموز لتأخير موعد صرف رواتب موظفيها لبضعة أيام متوقعا تأخر صرفها للرواتب في الاشهر المقبلة. 

ورأى شعبان أن المتحقق فعلا في موازنة حكومة حماس سواء في جانب الايرادات أو النفقات يختلف بدرجة كبيرة عن المقدر عند وضع الموازنة، لافتاً إلى أنه حين قدرت الحكومة ذاتها إيرادات موازنتها للعام 2012 بحوالي 173 مليون دولار اتضح أن ما تحقق فعلا من إيرادات بلغ 221 مليون دولار أي بزيادة فعلية عن المقدر بنسبة %28. 

ونوه إلى أن النفقات المقدرة للعام الماضي بلغت 869 مليون دولار بينما النفقات المنفذة فعلا لم تزد عن 445 مليون دولار أي أقل من النصف ما يعني بحسب شعبان أن الفرق الواضح بين تقديرات بداية العام مع المحقق فعلا في نهايته يؤشر ويعبر عن تواضع الخبرة المهنية في مجال التخطيط المالي أو أنه تضخيم متعمد للنفقات بهدف حصول الحكومة المقالة على مزيد من التضامن والمؤازرة.

ولفت شعبان في سياق تحليله لبنود موازنة المقالة إلى أن بنود هذه الموزانة لا توضح مصادر الإيرادات وما هي نسبة مساهمة التبرعات الخارجية إلى إجمالي الإيرادات المتمثل أبرزها بايرادات الضرائب، وبالتالي يفترض أن توضح الموازنة تفصيلا بنود الايرادات كي يسهل متابعتها وتقييمها.

من جهته أكد المختص بمتابعة حركة السلع الواردة الى القطاع محمد سليم سكيك مدير برامج مركز التجارة الفلسطيني «بال تريد» في غزة أن إغلاق الأنفاق سيؤدي إلى نقص يقدر بـ %61 في 10 سلع منها القمح والدقيق والبقوليات والسكر والارز والأعلاف والأجبان وزيت الطهي والتي يصل منها إلى القطاع نحو 38 شاحنة يوميًا من معبر كرم أبو سالم في الوقت الذي يحتاج القطاع من هذه السلع حمولة 60 شاحنة ومتوسط النقص هذا كان يتم تعويضه عبر الأنفاق ما يعني أن مجمل ما يأتي عبر معبر كرم أبو سالم يشكل %39 من إجمالي كمية السلع التي تصل للقطاع.

ويقدر سكيك متوسط الحركة عبر معبر كرم أبو سالم خلال الفترة الممتدة من شهر كانون الثاني حتى أيار الماضيين  بـ 5500 شاحنة عبر المعبر و7000 شاحنة عبر الأنفاق، ما يعني أن إجمالي عدد الشاحنات الواردة للقطاع تقدر بـ 12,500 شاحنة شهرياً، وبالتالي فإن النقص المترتب على إغلاق الأنفاق يقدر بـ 7000 شاحنة الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على أسعار السلع الرئيسية والاستهلاكية المتوفرة في القطاع في حال تدمير الجانب المصري الأنفاق وتمكنه من وقف عمليات تهريب البضائع إضافة الى الآثار الأخرى التي ستترتب على ذلك سيما وان أسعار السلع الاستهلاكية المهربة من الأنفاق تقل عن قيمة اسعار السلع تفسها الواردة عبر المعبر.

آثار مباشرة لإغلاق الأنفاق 

وحول الآثار المباشرة لإغلاق الأنفاق يرى صبري أبو غالي رئيس مجلس إدارة شركة مطاحن أبو غالي التي تعد من أكبر المطاحن العاملة في قطاع غزة أن تراجع القدرة الإنتاجية والتشغيلية لكافة المطاحن العاملة في القطاع يعود لدخول كميات كبيرة من الدقيق المصري إلى أسواق غزة عبر الأنفاق مبيناً أن بعض المطاحن عملت قبيل فترة إغلاق الأنفاق في مطلع تموز بطاقة تشغيلية لا تزيد على وذلك بالمقارنة مع قدرتها التشغيلية قبل ثلاث سنوات فيما أصاب الشلل غالبية المطاحن الأخرى التي توقفت عن شراء القمح المصري المهرب عبر الأنفاق بسبب ارتفاع كلفة الانتاج والمنتج بالمقارنة مع سعر الدقيق المصري المهرب. 

وأشار أبو غالي الى أنه بمجرد أن اغلقت الأنفاق في شهر تموز تمكنت المطاحن العاملة في قطاع غزة على الفور من استعادة نشاطها وذلك للمرة الاولى منذ نحو عامين نتيجة لدخول كميات كبيرة من الدقيق المصري الى اسواق غزة عبر الأنفاق