الجمعة  03 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الشباب الفلسطيني والأرض علاقة خجولة والرعاية رهينة التمويل والتهميش

2014-03-17 00:00:00
الشباب الفلسطيني والأرض
علاقة خجولة والرعاية رهينة التمويل والتهميش
صورة ارشيفية

رام الله- محمود الفطافطة

الحدث - يعتبر القطاع الزراعي من القطاعات الإنتاجية المهمة في أي اقتصاد، فهو يمثل المصدر الأساسي لدخل المزارعين وإنتاج الغذاء في أي مجتمع. وعلى الرغم من أهمية هذا القطاع، فإنه يعتبر من أضعف القطاعات الاقتصادية وأكثرها انكشافاً، حيث إن الإنتاج الزراعي يتأثر بعوامل خارجة عن سيطرة المزارع، لعل أهمها العوامل الطبيعية .

ورغم تراجع هذا القطاع من حيث الأهمية لدى سياسات بعض الدول سيما النامية منها إلا أن القطاع الزراعي يعود بين الحين والآخر ليتصدر عناوين واهتمامات اقتصاديي العالم وساسته، نتيجة للارتفاع الحاد في أسعار الحبوب والمنتجات الزراعية في السنوات القليلة المنصرمة، حيث يُخشى من اتساع رقعة المجاعة في بعض الأقاليم والمناطق، وارتفاع نسبة الأُسر التي تقع تحت خط الفقر.

وبالحديث عن واقع الزراعة في فلسطين فقد أُعتبر القطاع الزراعي من أهم القطاعات الاقتصادية لفترةٍ طويلة، إلا أنه في تراجعٍ مستمر، بصفته من أكثر القطاعات تعرضاً لممارسات الاحتلال التدميرية، وعدم إعطائه الاهتمام المطلوب من الجهات الوطنية ذات العلاقة، وما يعانيه من مشاكل تتعلق بالتسويق والتمويل  .

في هذا التقرير سنتطرق إلى جزئية محددة تتعلق برؤية أو توجهات الشباب الفلسطيني للعمل في الأرض، لنطرح جملة من الأسئلة في هذا الإطار بهدف تقريب الصورة العامة لموضوع التقرير. هذه الأسئلة تتمثل في: ما هو واقع القطاع الزراعي في فلسطين وما هي مشاكله؟ وما هو دور وزارة الزراعة في تشجيع الشباب للعمل في الأرض؟  وأيضا ما هي رؤية الشباب الفلسطيني للعمل في الزراعة ؟ وأخيراً ما هي الآليات الكفيلة التي تساهم في تشجيع شريحة الشباب للاهتمام بالأرض وزراعتها؟

مشاكل لا تنتهي!

يقول د. عبد الحميد البرغوثي في دراسة له بعنوان « التأمين الزراعي في فلسطين «إن الزراعة الفلسطينية تتعرض لجملةٍ من المشاكل والتحديات تتمثل أهمها في: مصادرة الأرض والاستيطان من قبل الاحتلال، الجفاف وغياب المصادر المالية لتنمية المشاريع الزراعية، غياب سياسات زراعية تشجيعية تخطط لدعم أسعار المنتجات الزراعية في حالة هبوطها لأقل من التكلفة، كما هو الحال في العديد من الدول النامية والمتطورة، فضلاً عن تفتيت الملكية، ومشكلة توارث الأرض الزراعية من جيلٍ إلى آخر، علاوة على عدم وجود خطط لتحسين البنية التحتية المطلوبة لتطوير النشاط الزراعي، وبخاصةٍ شق وتعبيد الأراضي الزراعية، واستصلاح الأراضي، وانجراف التربة،  وإقامة الجدران الاستنادية.

إلى جانب هذه المشكلات نجد دراسة صادرة عن وزارة الزراعة الفلسطينية تبين أن القطاع الزراعي الفلسطيني يتعرض لمعيقات عديدة، أبرزها: غياب البنوك ومؤسسات الإقراض الزراعية المتخصصة، التي كانت قائمة في الضفة الغربية قبل حرب 1967، انخفاض نسبة مساحة المناطق الزراعية المزروعة بالخضراوات المحمية (بيوت البلاستيك) إلى مجموع الأراضي الزراعية بالخضراوات المكشوفة، عدم وجود مخازن خاصة بالمنتجات الزراعية، وذلك للتحكم النسبي في عملية عرض المنتجات، ومحاولة ضبط الأسعار، فضلاً عن محدودية التمويل الخارجي للقطاع الزراعي، حيث إن الحصة المخصصة له هي الأقل مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى.

أين دور الوزارة؟

إلى ذلك؛ سنتعرف، هنا، على دور وزارة الزراعة في هذه المسألة. يبين المهندس الزراعي في الوزارة محمود عبد الفتاح أنه لا يوجد برامج مستقلة أو متخصصة للشباب في الوزارة، بل أن الاهتمام بالشباب يتم من خلال البرامج العامة باعتبارهم جزءاً أصيلاً وشريحة واسعة من النسيج المجتمعي، منوهاً إلى أن دعم الوزارة لهذه الفئة يتم عبر التدخلات التي تستهدف هذا الجيل من خلال تبادل الأفكار، الإرشادات والتوجيه وتقديم الخدمات، والدورات التدريبية. هذا الاهتمام المحدود دون التدخل الفعال في دعم الشباب عبر برامج مستقلة للشباب يتطلب وفق المهندس عبد الفتاح خطة استراتيجية يشارك فيها عدد من المؤسسات الرسمية والخاصة، معرباً في الوقت ذاته عن أمله في أن ترى مثل هذه الاستراتيجية النور يوماً ما. 

آراء، بنوك، وتعاونيات

اختلفت آراء الشباب حول العمل في الأرض؛ فمنهم من يرى ذلك حلاً للبطالة وتخفيفاً للفقر والعوز، بينما فريق آخر يجد في ذلك عبثا لأن ناتج الأرض لا يُسعف الفقراء، ولا يساعد في بناء الحياة الزوجية أو ملاحقة متطلبات الحياة.

الشاب إياد صالح من قرية بيت ريما يقول “لو تسمح بنوكنا في منح القروض الصغيرة  لتقلصت نسب البطالة بيننا. على الحكومة أن تشجع الشباب على الانتماء للأرض والعمل في الزراعة من خلال مساعدتهم ماليا وتوفير الآلات والمعدات لهم”.

في الجزئية الأولى المتمثلة بالبنوك يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت د. نضال صبري أن البنوك الفلسطينية مقصرة في تسهيل الدعم للشباب الذين ينوون العمل بالأرض، حيث يقول «تتجنب البنوك التجارية المساهمة في تمويل النشاط الزراعي؛  سواء أكان لغرض التمويل الموسمي، أو  التمويل الإيجاري للآلات الزراعية، أو التمويل طويل الأجل لغرض تمويل النشاطات الاستثمارية». ويشير صبري إلى أن نسبة القروض التي حصل عليها هذا القطاع من البنوك تبلغ أقل من %1 من مجموع التسهيلات الإتمانية الممنوحة لكل القطاعات الاقتصادية الأخرى، عدا عن أن استخدام المزارعين لنظام الشيكات محدود جداً.

أما فيما يتعلق بالحكومة وواجباتها نحو الشباب والعمل بالأرض فيذكر الخبير الاقتصادي د.نصر عبد الكريم «أنه رغم مصادرة الاحتلال للكثير من الأراضي إلا أنه عندنا مساحات واسعة من الأرض البور التي تحتاج إلى استصلاح، منوهاً إلى أنه يجب على الحكومة دعم القطاع الزراعي وتشجيع الشباب على ذلك من خلال توفير القروض الزراعية ومد يد العون لهم وحمايتهم في حال تعرض المحصول إلى إتلاف أو خسارة بسبب الأحوال الجوية وسواها».

وفي عودة إلى الشباب يذكر بيان نعسان: «علينا أن نعتمد على مواردنا المحدودة كاستراتيجية للتكيف والبقاء والمواجهة. عمل الشاب في الأرض شكل من النضال، ووسيلة لإعادة إدماجهم في العمل واعتمادهم على أنفسهم لا أن يبقوا عالة على عائلاتهم». الاعتماد على الذات كما يدعو له نعسان قد يسد شيئاً من ثغرة عدم اهتمام البنوك بالشباب والأرض. إحدى تجليات هذه الاعتمادية يتمثل في رأي الشاب منتصر أبو خلف في القيام بمشاريع زراعية عبر تدخل ودعم الجمعيات التعاونية، حيث يقول “علينا نحن الشباب أن نهتم بالجمعيات التعاونية.  فهي نموذج للاعتماد على الذات،  وتطوير للمهارات الشبابية،  وزيادة للدور في المشاركة في التنمية، وتحقيق البعد الاجتماعي فيها”.

التعاونيات وفق د. نصر عبد الكريم أكثر الآليات قدرة على مكافحة الفقر بين أوساط وصفوف الشباب والخريجين وذلك من خلال تطبيقها في التنمية المحلية، إضافة إلى حرصها على تنمية قدرة الأفراد،  وبالذات الشباب على إقامة المشاريع، وخلق فرص العمالة الإنتاجية، وزيادة الدخل،  والمساعدة على الحد من الفقر، منوهاً في الإطار ذاته إلى أن مثل هذه التعاونيات تعزز الاندماج الاجتماعي والحماية الاجتماعية وبناء قدرات الشباب  في المجتمع لا سيما الفقراء والمهمشين منهم حيث تمكن التعاونيات الشباب والمجتمع المحلي عموماً من تنظيم أنفسهم وتحسين ظروفهم.

في هذا الإطار يرى البعض أن المشاركة الجماعية للشباب في استصلاح الأراضي والدفاع عنها من خلال ما يعرف بالمقاومة الشعبية هي عامل هام في توثيق علاقة الشباب بالأرض. بهذا الخصوص يذكر الناشط في مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمه أن المقاومة الشعبية تركز على الأرض باعتبارها نقطة الصراع مع الاحتلال، منوهاً إلى أن ارتباط الشباب الفلسطيني بالأرض يتأتى من خلال عدة أشكال مختلفة منها النشاط الأسبوعي الذي يكون في غالبه من الشباب، ويهدف إلى الثبات في الأرض مع العمل على استصلاحها فضلا عن الدفاع عنها.

وفي صورة أخرى نجد حسن أيوب لا يحبذ العمل في الأرض انطلاقاً من عدم جدوى المردود، فضلاً عن أن العمل بالزراعة لا يناسب “مستواه العلمي والاجتماعي” حسب قوله. ويضيف “العمل في الأرض لا يمنحنا، نحن الشباب،أي مردود مالي يُتيح لنا بناء مستقبلنا خاصة فيما يختص بالزواج وبناء البيت وتكاليف الحياة المتجددة، مشيراً إلى أن اهتمام الشباب الفلسطيني بالأرض شبه معدوم لدونية الإنتاج والنظرة الدونية للعمل في الأرض من قبل هذه الشريحة التي تحلم بوظيفةٍ مستقرة ذات مكانة اجتماعية عليا، لا الركون إلى مواسم زراعية في غالبها لا تؤسس لحياة مالية مستقرة أو كافية”.

على مثل هذا الكلام ترد ميرفت حسني فتقول “كل من لا يجد عملا من شاب وشابة ولهم أرض عليهما أن يعملا فيها، العمل في الأرض مش عيب، والنظرة الدونية للعمل في الزراعة، خاصة من قبل الشباب يجب أن تنتهي. الصراع مع اليهود على الأرض، فإذا اهتممنا بها وزرعناها استطعنا أن نحافظ عليها من المصادرة، وبالتالي الحصول على الاكتفاء الذاتي اقتصادياً كمدخلٍ أساس في التحرر والحرية”.

قصصهم مع الأرض!

مجد جابر يقول “رغم مضي ثلاث سنوات على تخرجي لم أحصل على وظيفة. بعد الإحباط الشديد تشاركت مع صديقين في زراعة الخيار والبندورة في بيوت بلاستيكية. لنا في ذلك أربع سنوات والأمور جيدة، ولا أشعر بالفراغ وأصرف على نفسي وأمي وأبي وأختي”.

أما علي العاروري فيذكر “لا يوجد معي شهادة أو صنعة لذلك حاولت أن أقيم مشروع تربية نحل. ذهبت إلى البنك للحصول على قرض فرفض لعدم وجود كفيل أو ضمان مالي. بحثت عن سبيل آخر فقمت بضمان 10 دونمات زرعتها بالخضروات. وضعي المالي الآن أفضل، واعتمد على نفسي واستطعت أن أتزوج وانفق على العائلة”.

عطا عبد الخالق يسرد قصته مع الأرض، فيقول “تخرجت مهندسا زراعيا، رغم محاولاتي لمدة سنتين في العثور على عمل إلا أنني لم أوفق في ذلك”.   ويضيف “بما أن المثل يقول: الحاجة أم الاختراع “فقد قمت بالاهتمام بقطعة الأرض البور التي لنا ومساحتها 7 دونمات... زرعتها بأشجار الفواكه وجزء منها بالخضراوات،  وجزء من مساحة الأرض أقمت عليه بيتا بلاستيكيا. وها أنا عايش منها والحمد لله وقريبا سأتزوج” .

من جانبها تروي هند عدوان قصتها مع الأرض فتقول: “عمري 28 سنة. لم أحصل على شهادة جامعية، أرفض أن أجلس في البيت وأشعر أنني سلبية أو غير منتجة، أقوم بالعمل في الأرض مع الأهل، لدينا 9 دونمات نزرعها بالخضار والحبوب ومنها 3 دونمات أشجار من الفاكهة، قطعة الأرض هي وظيفتي ووقتي ومصدر رزقنا. لدينا دخل مقبول ونعيش بقناعة وسترة”.

في مقابل ذلك تذكر ليلى عيسى أنها درست دبلوم تمريض ولم يسعفها الحظ بالعمل رغم محاولتها للعثور عليه لأكثر من سنة. تقول “فكرت بالحل فوجدته في التعاون مع ثلاث صديقات؛ فقمن بتأسيس تعاونية صغيرة عملها تعبئة المخلل وبيعه في السوق. المشروع ناجح وعدد العاملات زاد ليصل إلى سبعة”.

ما العمل؟!

يبقى في هذا التقرير أن نتحدث عن الآليات التي من شأنها دفع المؤسسات المختلفة، خاصة وزارة الزراعة، للاهتمام بالشباب وتمتين علاقتهم بالأرض وتحفيزهم للعمل بها. وباستطلاع آراء العديد ممن ذكروا في هذا التقرير خرجنا بجملة توصيات في هذا الصدد، أهمها: ضرورة إعطاء تنمية القطاع الزراعي أولوية في إستراتيجيتها، لكونه مرتبطاً بموضوع الأمن الغذائي، علاوة على أهميته الاقتصادية والاستراتيجية، ووضع استراتيجية خاصة بالتمويل الزراعي في فلسطين، كي تساهم في معالجة مشاكل التمويل لهذا القطاع، وتشجيع وتحفيز التوجه الشبابي والطلابي نحو تنفيذ وتعميم مبادرات وابتكارات بيئية وزراعية تصب مباشرة في صميم اقتصاد المقاومة، وتقلل بالتالي تبعيتنا للاحتلال وتخفض استهلاكنا لسلعه، وقيام الجهات الرسمية بواجباتهم لدعم التعاونيات، والعمل التعاوني، من خلال توفير الموارد اللازمة لها .