الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الأزهر: الفقه في خدمة السياسة!

2016-03-18 03:07:22 PM
الأزهر: الفقه في خدمة السياسة!
الأزهر

الحدث - وكالات

 

عقب لقائه بشيخ الأزهر قبل أسبوع، أشاد وزير الخارجية العراقي بـ «الحشد الشعبي» و «حزب الله»، فما كان من احمد الطيب سوى إصدار بيان استنكار لتلك الإشادة، ومؤيداً قرارات جامعة الدول العربية التي اعتبرت حزب الله «الشيعي»، على حد وصف البيان، منظمة «إرهابية».

 

هكذا وجد الأزهر نفسه في مرمى التلاسن الطائفي، بعدما اعتبر نفسه طوال تاريخه انه نقطة التقاء بين المذاهب والطوائف، وسوّق دائما لجهوده للتقريب بين المذاهب الإسلامية ونبذ الطائفية.

 

موقف الأزهر، برغم ملابساته، ربما يأتي متسقا مع مواقف كثيرين داخل المؤسسة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي. فقد لعبت العوامل السياسية دوراً محورياً في توجيه مواقف الأزهر، واعتبر موقف السلطة السياسية في أغلب الأوقات مؤشرا على موقفه، برغم بعض التناقضات التي شهدتها العلاقة بين الطرفين في أوقات متفرقة في تاريخه.

 

وربما تكون العلاقة بين الأزهر والسلطة الحاكمة أكثر عمقا واتساقا اليوم من أي وقت مضى. ففتاوى الأزهر السياسية لا تتوقف، سواء بتحريم التظاهر، أو اعتبار مقاطعة الانتخابات «كتماً للشهادة»، وحتى اعتبار دعم مؤتمر اقتصادي واجباً شرعياً، وتحريم الخروج على الحاكم، إلى آخر الفتاوى والمواقف التي اصطف فيها الأزهر إلى جانب السلطة السياسية.

 

اصطفاف الأزهر خلف السلطة السياسية، لم يعد مقتصرا على الشأن الداخلي، فتأكيد الأزهر لقرار جامعة الدول العربية باعتبار «حزب الله» منظمة «إرهابية»، يجعله إحدى أدوات مواجهة النفوذ الإيراني، والذي تعتبره السعودية أهم خطر يواجهها، وهو تماما ما يدفع الأزهر الى التورط في الحالة الطائفية التي تعاني منها المنطقة ككل.

 

وبرغم بيان شيخ الأزهر الذي اعتبر «الحشد الشعبي» و «حزب الله» منظمات إرهابية، فإن الأزهر يتمسك بأن مواقفه هي ضد الطائفية.

 

ويقول وكيل الأزهر الشيخ عباس شومان، لـ «السفير»: «نحن لا نسمح باستخدام الأزهر أو الزج به في قضايا سياسية. ولا علاقة لنا لا بجامعة الدول العربية أو اي مؤسسة سياسية، ولا نتأثر بأي موقف سياسي».
ويضيف شومان «نحن لا نصف منظمة بعينها بالإرهاب. ولكننا نقول أن من يتعرض للآمنين ويروعهم إرهابي، سواء كان سنيا أو شيعيا أو مسلما أو مسيحيا، وحتى من الأزهر نفسه».

 

ويتابع «بلغنا أن ميليشيات تتعرض للمدنيين فأدنّاها، بغض النظر عن مذهبها. وقد أدنّا إرهاب داعش من قبل. ولكننا أيضا ضد التذرع بمواجهة داعش لترويع الآمنين. وفي الوقت ذاته لن نسمح لأحد ان يجرنا الى تأييد حزب أو جماعة أو ميليشيا».

 

الحقيقة أنه يصعب بقاء الأزهر بعيدا عن الأوضاع السياسية محليا وإقليميا، خاصة أن الطائفية أصبحت من مفردات الحياة السياسية. كما أن الأزهر أعلن بالفعل عن خيارات سياسية واضحة، على الأقل بوجود الإمام الأكبر أحمد الطيب خلف وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي أثناء قرائته لـ«خريطة المستقبل» في الثالث من تموز العام 2013. وحتى إذا صدق عزم الأزهر في التقريب بين المذاهب، ومعالجة الحالة الطائفية، فإن الكثير من العوامل تدفعه الى ان يكون جزءا من المشهد.

 

ويقول أستاذ السياسة في جامعة القاهرة حسن نافعة لـ «السفير» ان «الأزهر لم يكن موقفه ثابتا طوال الوقت. كانت هناك فترات يميل فيها الى التقريب بين المذاهب، وأدخل مذهب الإثني عشرية بالفعل في مناهجه، وكانت فترة مصاهرة العائلة المالكة المصرية لعائلة شاه إيران ايضا فترة تقارب... يومها لم يكن هناك أصلا انتشار لظاهرة الاسلام السياسي».

 

ويضيف نافعة «مع صعود تيارات الاسلام السياسي بات الأمر مختلفا، فقد ظهرت الفصائل الإسلامية الجهادية، التي تكفر الأنظمة التي لا تطبق الشريعة، وتكفر بالطبع أصحاب المذاهب الأخرى. كما كان لانتصار الثورة الإيرانية وغزو العراق في ما بعد أثر في إشعال الوضع الطائفي، وأصبح تبادل الاتهامات بين الشيعة والسنة حالة دائمة. وأظن أن الحالة الطائفية لن تتراجع إلا بحوار سياسي بين العرب وإيران، فالتقارب السياسي هو ما يمكن أن يعالج الأزمة الطائفية».

 

ويوضح نافعة ان «توظيف الدين لصالح السياسة لم يكن حكرا على الجماعات الدينية فقط، بل ان السلطة السياسية نفسها فعلت ذلك، فعندما أبرم السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل، استعان بالخطاب الديني والمؤسسة الدينية لترويج الاتفاقية. ومصر لها ارتباطات إقليمية وخاصة مع الخليج والسعودية، وهذا يؤثر طبعا على موقفها وبالتالي الأزهر».

 

وبالرغم من صغر حجم الشيعة في مصر، إلا أن هاجس انتشار المذهب الشيعي هيمن في لحظات متفرقة، ودفع الى اتخاذ إجراءات احترازية، مثل غلق المزارات في المواسم أمام الشيعة، ومصادرة الكتب الشيعية، ولكن ذلك أيضا ارتبط دائما بالحالة السياسية.

 

الطاهر الهاشمي عضو المجمع العلمي لآل البيت يقول في حديثه الى «السفير» ان «المذاهب كانت موجودة دائما، ولكن الأزمة ليست دينية بالأساس بل سياسية. هناك من يشعل الفتن المذهبية والطائفية. ولا يوجد عدو للمسلمين سوى أميركا وإسرائيل، وقرار اعتبار حزب الله منظمة إرهابية لا يخدم سوى إسرائيل».

 

ويضيف الهاشمي «لم نتوقع أمرا كهذا من الأزهر، لأن الأمر اساسه سياسي وليس دينيا، وهذا الموقف مسيس ويأتي عكس تصريحات شيخ الأزهر».

 

الواقع أن الأزهر كمؤسسة لا يمكن أن يبقى بعيدا عن التحولات التي تجري سواء في مصر أو في المنطقة.

 

أحمد بان الباحث في الشؤون الإسلامية يقول لـ «السفير» ان «أزهر الشيخ محمود شلتوت يختلف بالطبع عن أزهر عصور التراجع. فقد تراجع موقف الأزهر كمؤسسة تسعى للتقريب بين المذاهب، واصبحت مواقفه لا تخدم فكرة وحدة الأمة».

 

ويضيف بان ان «المساواة بين الحشد الشعبي وحزب الله غير منطقية، اذ يمكن اعتبار الحشد الشعبي الذي تأسس في ظل اضطهاد السنة في العراق في عهد المالكي مختلفاً عن حزب الله، الذي ظل، وإن كان خسر بعض رصيده بعد التدخل في سوريا، رمزا للمقاومة، وعندما كان في المواجهة مع إسرائيل، لم ينظر إليه كمنظمة شيعية ولكن كحركة مقاومة».

 

ويضيف بان انه «قبل العام 1961 كان الأزهر مؤسسة مستقلة، ماليا وفنيا. ولكن مع خطة تطوير الأزهر في مطلع الستينيات وفك الارتباط بين الأزهر ووزارة الأوقاف انتهى هذا الاستقلال. وقد ظهر التوظيف السياسي للأزهر بوضوح عقب اتفاق السلام مع إسرائيل، وإنشاء مجمع الأديان، كأحد مظاهر التطبيع مع إسرائيل. هنا أصبح الأزهر في خدمة السياسة وهو ما تزايد مؤخرا. والنظام حافظ على الأزهر كسلاح لتبرير سياساته».

 

ويؤكد بان ان «عودة الأزهر كمرجعية للأمة مرتبطة باستقلاله ماليا وفنيا عن السلطة، وهو ما سترفضه السلطة بالطبع. علاوة على ذلك، فقد أصبحت هناك روابط إقليمية قوية لها تأثير كبير على الأزهر خاصة في الخليج».

اعتبار «الحشد الشعبي» و «حزب الله» من المنظمات «الإرهابية» من قبل الأزهر، قد تكون له ملابساته في ظل وضع إقليمي يهيمن عليه الصراع الطائفي والعرقي. ولكن في الوقت ذاته لم يعد بالإمكان فصل مواقف الأزهر وفتاويه عن توجهات السلطة الحاكمة داخليا وارتباطاتها الإقليمية.

 

المصدر: السفير