الحدث – رائد ابوبكر
يقف المزارع الفلسطيني ابن بلدة كفردان أبو محمد مرعي مكتوف اليدين، يفكر بمزروع بعلي يغرسه على أرضه، بهدف توفير الري على نفسه وذلك لقلة مصادر المياه في المنطقة الغربية من جنين، فالاحتلال من جهة يغلق الآبار الارتوازية بحجة أنها غير مرخصة، ومن جهة أخرى الأمطار لهذا العام لا يبشر بخير للمحصول الزراعي الصيفي، ومن جهة ثالثة غلاء سعر المياه عند شرائه من الصهاريج المتنقلة.
يستذكر المزارع الخمسيني كيف كانت المياه متوفرة، يخرج من أرضه أنواع مختلفة من الخضروات، عدا عن أشجار اللوزيات والحمضيات والتفاح، موضحنا لنا كيف كانت كفردان والتجمعات السكانية القريبة منها تشتهر بخضرواتها وحمضياتها، لكنها اليوم تحتضر الزراعة فيها، بفعل جفاف آبار المياه، ورفض سلطات الاحتلال السماح بترميمها وتأهيلها، ما دفع المزارعين لحفر آبار سطحية بصورة عشوائية، على أمل الحفاظ على ما تبقى من أراض زراعية، حيث اضطر المزارعون على قص الأشجار منذ زمن.
أبو محمد يقول "أصبح المزارع يبحث عن المزروعات التي لا تعتمد على المياه بشكل مستمر، وتحول سهل مرج بن عامر إلى مكان لزراعة الدخان فقط، وبعض النباتات البعلية"، موضحا، أن المزارعين طوال الوقت يبحثون عن بصيص أمل أن يجدوا مصدر مياه لري المزروعات في جزء بسيط مما تبقى من سهل مرج بن عامر.
نقص المياه يهدد استمرار الزراعة في مرج بن عامر
جمال حوشيه مزارع يعاني كما غيره من ويلات نقص المياه يؤكد أن خصوبة مرج بن عامر جعل من زراعة الخضار ملاذا لعمل عشرات العائلات، وكان سابقا يغامر في زراعه الأشجار وخاصة التفاح والليمون، لكنه الآن عاجز عن المتابعة نظرا لعدم توفر المياه، الأمر الذي يضطره إلى الاهتمام بزراعة الخضار فقط، مع العلم أن زراعة الخضروات تراجعت بفعل نقص المياه، وأوضح، أن اخطر مشكلة تواجه المزارعين هي نقص المياه، مما يهدد استمرار الزراعة في سهل مرج بن عامر، مشيرا، أن شراء متر مكعب من المياه يصل إلى 4 شيكل، وهذا مكلف بالنسبة للمزارعين.
وأكد حوشيه من اجل الخروج من هذه الأزمة يجب ترميم الآبار الموجودة، وزيادة أعماقها، وربطها بشبكة ونظام تجميع للمياه، وإعادة ضخها بصورة تسمح للجميع الاستفادة من هذه المياه، أو السماح بحفر بئر مياه جوفية قادرة على تلبية حاجة المزارعين من المياه على مدار العام، لكن من يقف أمام ذلك هو الاحتلال.
سلة غذاء فلسطين مهددة بالفناء
في منطقة الأغوار، والتي يعتبرها الفلسطينيون سلة غذاء لهم، أضحت مهددة بالفناء، جراء التغيرات المناخية التي تشهدها في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى الإجراءات الإسرائيلية التي تحول دون تطوير مصادر المياه فيها، والحيلولة دون زراعتها على مدار العام، كما كان حتى وقت قريب.
فسكان الأغوار الذي يتجاوز عددهم 60 ألف فلسطيني بدأوا يشتكون خلال السنوات الماضية من النقص الكبير حتى أصبحت الحياة فيها شبه مستحيلة، فأخدود الأغوار الذي ينخفض عن مستوى سطح البحر ما بين 450 مترا إلى 100 متر سيتحول إلى صحراء قاحلة في حال جفاف مصادر المياه.
يقول الخبير في شؤون الاستيطان في الأغوار الشمالية عارف ضراغمه، أن قرى الأغوار منذ عامين ونيف تعاني من شح المياه الجوفية لديها، بسبب الزلازل الخفيفة التي ضربت المنطقة، وغيرت مسار مياه بعض الآبار فيها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى استمرار دولة الاحتلال في إحكام السيطرة على مصادر المياه فيها، مشيرا إلى أن من يزور الأغوار سيلاحظ أن السكان مازالوا يعيشون في زمن يعود لمائة عام حيث ينقلون المياه بالصهاريج من مناطق تبعد عنهم عشرات الكيلومترات.
وأضاف في منطقة الفصايل مثلا، والتي لا يتجاوز عدد سكانها الألفي نسمة، كان يعتاش أكثر من 95% من سكانها على الزراعة، لكنها توقفت تماما منذ عشر سنوات، بسبب شح المياه، فتحول سكان القرية للعمل في المزارع الإسرائيلية القريبة من قريتهم.
100 ألف شيكل تكلفة المياه الزراعية سنويا
وحول تكلفة المياه الخاصة بالزراعة قال ضراغمه، أن الفاتورة قد تزيد عن 100 ألف شيكل سنويا، وهو مبلغ مرتفع مقارنة بمستوى المعيشة والدخل في قرى الأغوار الفقيرة، والتي يعمل أكثر من 90% من سكانها في الزراعة، مع العلم أن متوسط الدخل السنوي للفرد في فلسطين هو ألفا دولار فقط.
وأشار، منذ عام 2000 عملت سلطات الاحتلال على تخفيض كميات المياه لصالح المستوطنات، فمثلا في قرية بردلة كان السكان يسمح له بسحب 400 كوب مياه في الساعة، إلا أن الاحتلال حدد الكمية ب 80 كوب بالساعة، وهو لا يكفي لزراعة صنف واحد من الخضروات.
30 لتر للفلسطيني مقابل 500 للمستوطن
في إحصائية لسلطة المياه الفلسطينية صدرت سابقا أشارت، أن حصة الفرد الواحد في منطقة الأغوار الشمالية وجنوب الضفة الغربية تصل إلى 30 لترا، فيما يصل الحد الأعلى ما بين 70 – 100 لتر يوميا، بينما حصة المستوطن الواحد تصل لأكثر من 500 لتر يوميا، مؤكدة، أن التغير المناخي لعب دورا في تقليل نسبة المياه الجوفية والجفاف بشكل عام، لكن في حال توقفت دولة الاحتلال عن تحكمها بمياه الفلسطينيين فلن تعاني الضفة من أزمة .
100 ألف دونم في الأغوار تعاني الجفاف
منظمة بتسيلم الإسرائيلية والمهتمة بحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة أشارت في تصريح سابق لها، أن هناك 100 ألف دونم من الأراضي المزروعة في منطقة الأغوار تعاني من جفاف بسبب تقلبات الطقس، ولا يسمح للفلسطينيين بسحب الكميات الكافية من المياه الجوفية، والتي نصت عليها اتفاقية اوسلو بكمية 118 مليون متر مكعب سنويا ، فإسرائيل، كما قال التصريح، تسيطر على جميع آبار الضفة ولا تسمح سوى بملايين قليلة مكعبة من المياه سنويا.
خبراء أشاروا انه في عام 2020 لن يكون للفلسطينيين من سكان ومزارعين في مناطق الأغوار مصدرا للمياه غير الإسرائيليين الذين استولوا على كل غالبية مصادر المياه السطحية والجوفية، وبالتالي ستكون كارثية على حجم الناتج الزراعي.