الأربعاء  01 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سياسة حماس الماليّة في غزّة: "لا تحيا ولا تموت"

2016-04-14 02:16:46 PM
سياسة حماس الماليّة في غزّة:
الأزمة المالية في غزة

بقلم: عدنان أبو عامر 

 

يتلمّس الفلسطينيّون في غزّة مظاهر الأزمة الماليّة التي تعيشها حماس منذ عام 2013، حين بدأت مصر بإغلاق الأنفاق الواصلة بين غزّة وسيناء، باعتبارها مصدر دخل رئيسيّ لحماس، بالتزامن مع التوقّف التدريجيّ للدعم الذي تقدّمه إيران إلى حماس عقب خلافهما حول الملفّ السوريّ، وتوقّف دخول قوافل التضامن الدوليّة إلى غزّة، التي كانت تحضر معها مساعدات ماليّة، ممّا يتطلّب تقديم قراءة تقييميّة لسياسة حماس الماليّة في غزّة.

 

بإختصار تظهر معالم الأزمة الماليّة التي تعانيها حماس في غزّة يوماً بعد يوم، عقب إغلاق الأنفاق التي كانت تدرّ أموالاً عليها، وتراجع الدعم الإيرانيّ، ممّا دفع الحكومة القائمة في غزّة إلى اتّباع سياسات ماليّة جديدة، أثارت نقاشاً كبيراً في الأوساط الماليّة والاقتصاديّة الفلسطينيّة... ويناقش المقال السياسة الماليّة لحماس في غزّة، وهل تكفي لإدارة حياة الفلسطينيّين هناك؟

 

مراحل الأزمة

 

قال الخبير الاقتصاديّ الفلسطينيّ، ومدير عام مؤسّسة بال ثينك للدراسات الاستراتيجيّة عمر شعبان لـ"المونيتور" إنّ "السياسة الماليّة لحماس في غزّة خلال السنوات الماضية تحتمل الصواب والخطأ، فهي أصابت حين تكيّفت نسبيّاً مع ظروف الحصار على غزّة عبر تقشّف وزاراتها ودوائرها الحكوميّة لتخفيف النفقات، لكنّها أخطأت بفرض المزيد من الضرائب التي أضعفت الدورة الاقتصاديّة في غزّة، وتسبّبت بالركود في السوق، وعبّرت عن قصر نظر من حماس، لأنّها ظنّت أنّ فرض الضريبة سيزيد مواردها الماليّة، لكنّها في المقابل دفعت التجّار إلى عدم الانخراط في العمليّة الاقتصاديّة".

 

ترتّب على أزمة حماس الماليّة، عدم قدرتها على توفير رواتب منتظمة إلى موظّفيها الذين يزيدون عن 40 ألفاً، وتراجع الخدمات المقدّمة إلى الفلسطينيّين في غزّة، مع النقص المتواصل في وصول التيّار الكهربائيّ، وزيادة حجم التذمّر الشعبيّ. وقد دفعت هذه الأزمة الماليّة لحماس بها خلال السنتين الأخيرتين إلى اتّباع سياسات اقتصاديّة لتجاوزها، كفرض الضرائب، ومنح موظّفيها رواتب غير كاملة.

 

وقال مدير عام الموازنة العامّة في وزارة الماليّة في غزّة خليل شقفة لـ"المونيتور" إنّ "حماس تدير سياسة ماليّة في غزّة في ظلّ عدم استقرار الأوضاع السياسيّة، مع أنّ وزارة الماليّة تنفق معظم مواردها على رواتب الموظّفين الـ43 ألفاً، الذين تصل قيمة رواتبهم إلى 145 مليون شيقل شهريّاً، (الدولار الأميركيّ يساوي 3.8 شواقل إسرائيليّة)، وتذهب بقيّة الإيرادات الماليّة بقيمة 13 مليون شيقل إلى النفقات التشغيليّة للوزارات، حيث تدير الحكومة في غزّة سياستها الماليّة عبر بعض الإيرادات والرسوم، فقد شهد شهر شباط/فبراير تحصيل المبالغ التالية: وزارة الماليّة 33.6 ملايين شيقل، وزارة الاقتصاد 9.300 مليون شيقل، وزارة المواصلات 11 مليون شيقل، سلطة الأراضي مليونا شيقل، وزارة الداخليّة 1.400 مليون شيقل".

 

 

يمكن القول إنّ السياسة الماليّة لحماس مرّت بثلاث مراحل، أوّلها بين عامي 2007 و2011، حيث عاشت الحركة في غزّة أريحيّة ماليّة بفعل تدفّق المساعدات الخارجيّة، ووصول الأموال عن طريق الحقيبة التي حملها وزراء حماس ومسؤولوها عقب زياراتهم إلى الخارج، وتوسّع عمل الأنفاق بين غزّة ومصر التي أدخلت الكثير من البضائع التجاريّة، واقتربت أرباح الأنفاق من 365 مليون دولار سنويّاً لحكومة حماس، بما يغطّي أكثر من 70% من ميزانيّتها الشهريّة.

 

وشهدت المرحلة الثانية بين عامي 2012 و2013 انعكاساً سلبيّاً على الأداء الماليّ لحماس بفعل السياسة المصريّة التي استهدفت الأنفاق وأغلقتها بصورة محكمة، وحدّت من سفر مسؤولي حماس إلى الخارج بفعل إغلاق معبر رفح، وظهرت الآثار السلبيّة الواضحة على المداخيل الماليّة لحماس.

 

أمّا المرحلة الثالثة منذ أواسط 2014 وحتّى اليوم، فقد شهدت غزّة خلالها تراجعاً تدريجيّاً في الأداء الماليّ عقب إعلان حكومة التوافق في حزيران/يونيو 2014، وتوحيد مصادر المداخيل والمخرجات، والمصاريف والنفقات، وتوجّهها كلّها إلى وزارة الماليّة في رام الله.

 

وقال المستشار القانونيّ للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" المحامي بكر التركماني لـ"المونيتور" إنّ "إشكاليّة الإنفاق العام في غزّة تتركّز على قطاع الأمن، إلى جانب تراجع الإنفاق على المجالات الاقتصاديّة والتنمويّة، كما تبلغ نسبة فاتورة الرواتب في غزّة 80% من النفقات الجارية، ممّا يعكس توجيه الإيرادات المحليّة نحو تغطية الرواتب في الدرجة الأولى، ويؤثّر سلباً على عمل الوزارات التي تبدي اهتماماً متقدّماً لتوفير النفقات التشغيليّة، وغياب النفقات التطويريّة، مع وجود ازدواجيّة ضريبيّة تقع على كاهل المواطن في غزّة، وبلغت قيمتها نهاية عام 2014، 85 مليون دولار، كما أظهرت ذلك ورقة عمل تفصيليّة رقميّة أصدرتها "أمان" في 10 آذار/مارس حول واقع الإيرادات والنفقات في قطاع غزّة".

 

غياب الحلول

 

قد تدافع حماس عن لجوئها إلى فرض الضرائب بقولها إنّها خطوة اضطراريّة بسبب الحصار، لكنّ الحركة كما يبدو لم تقم بالمشاورات الكافية مع المجتمع المحليّ، ولم تلق قراراتها الاقتصاديّة موافقة مجتمعيّة، وهناك شكوك في أن تنجح هذه السياسة الماليّة لحماس مستقبلاً، لأنّ قدرة المجتمع الفلسطينيّ تتقلّص يوماً بعد يوم على تحمّل تبعاتها، والفلسطينيّون يستنفذون مقدّراتهم الماليّة من الأموال والمجوهرات والمدّخرات، وهناك مشاريع أغلقت أبوابها، ممّا يحتّم على حماس البحث عن حلول جديدة.

 

وكشف رئيس لجنة الموازنة في المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ عن حماس جمال نصّار لـ"المونيتور" أنّ "حماس دعمت خزينة الحكومة في غزّة بين عامي 2008 و2014 من أموالها الخاصّة بقرابة المليار دولار، وهو ما يعني أنّها تحمّلت فعليّاً عبء الحكومة، والوزارات في غزّة تفرض الضرائب وفق القانون، لأنّ عدد المكلّفين بدفعها هو 55 ألفاً لا يدفع منهم في الوقت الحاليّ إلّا 5 آلاف، تستطيع عبرها وزارة الماليّة صرف 45% كدفعة من رواتب موظّفي غزّة، ونفقات تشغيليّة لبعض الوزارات".

 

لكنّ أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت في الضفّة الغربيّة نصر عبد الكريم، قال لـ"المونيتور" إنّ "حماس لا تنفّذ سياسة ماليّة في غزّة، بل تقوم بإدارة ارتجاليّة يوميّة للوضع الماليّ لأنّها تعيش ظروفاً من الحصار والأزمات الاقتصاديّة المتلاحقة، ممّا يجعلها تعتمد أحياناً على موارد غير معلنة من موازناتها التنظيميّة، والفلسطينيّون في غزّة على الرغم من سوء أحوالهم المعيشيّة يعتقدون أنّ الأمر لا يعود إلى فشل اقتصاديّ من حماس، وإنّما إلى ظروف الحصار التي تفوق قدرتها على التكيّف معها".

 

أخيراً... ليس هناك في الأفق ما يشير إلى قرب نهاية أزمة حماس الماليّة في غزّة، في ظلّ عدم حدوث حلحلة في التقارب مع إيران، وطيّ صفحة الأنفاق مع مصر كليّاً، وعدم إنجاز المصالحة مع فتح، التي تتضمّن التكفّل بفاتورة رواتب موظّفي غزّة، ممّا يعني استمرار الحركة بالسياسة الماليّة ذاتها التي تحقّق لغزّة هدف "لا تحيا ولا تموت"!