الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نريد ضماناً اجتماعياً عادلاً للجميع

2016-05-06 06:53:06 PM
نريد ضماناً اجتماعياً عادلاً للجميع

 

بقلم: د. عصام عابدين

 

تعاني منظومة العدالة الاجتماعية في فلسطين من خلل منهجي، في ظل غياب الرؤية والخطة الواضحة والشاملة للضمان الاجتماعي، المرتكزة إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والتي لو  طبقت فإن من شأنها أن تحقق حماية اجتماعية نؤمن بها، وهي حقٌ أصيلٌ للإنسان؛ للقطاع العام مدنيين وعسكريين، وللقطاع غير الحكومي، وللوزراء والنواب والمحافظين؛ صحيح أن حضرات الوزراء والنواب والمحافظين المحترمين سيتأثرون في المعادلة الشاملة، لكنها مقتضيات العدالة الاجتماعية، التي ينبغي أن ينعم بها كل فرد من أبناء الوطن على مبدأ المساواة.

 

ما زال يطبق في بلدنا سبعة قوانين تقاعد، بعد إلغاء القانون الثامن وهو قانون التأمينات الاجتماعية، فلماذا كل هذه القوانين وهل تعكس رؤية واضحة لإصلاح أنظمة التقاعد؟ وهل توحي بعدالة اجتماعية للجميع؟ أين العدالة الاجتماعية في منافع مقابل مساهمات مختلفة في كل قانون ؟ وبعضها منافع فقط بدون مساهمات!

 

لو أخذنا مثلاً بسيطاً، على معامل احتساب الراتب التقاعدي أو تسوية المعاش التقاعدي؛ نجد أنه للمدنيين في القطاع العام 2% والعسكريين قريب منه تقريباً 2.8% (جزء من خمسة وثلاثين جزءاً من الراتب الشهري الأخير) مقابل اشتراكات شهرية من المدنيين والعسكريين، وللوزراء 20% تراكمي يصل 80% والنواب 12.5% تراكمي يصل 80% والمحافظين 10% تراكمي يصل إلى 70% وبدون اشتراكات شهرية من قبلهم حيث تتكفل الخزينة العامة بدفع الاشتراكات الشهرية عنهم  مع امتيازات أخرى واردة في قانون التقاعد الخاص بهم لعام 2004.

 

ومعامل احتساب الراتب التقاعدي للقطاع غير الحكومي، بموجب قرار بقانون الضمان الاجتماعي، بنسبة 2% عن أول 1450 شيكل ونسبة 1.7% عن ما تبقى من الراتب، لغايات احتساب الراتب التقاعدي، وهو الأسوء بين جميع القوانين، ويقولون إنّ معدلات الاحتساب بُنيت على دراسة إكتوارية بمدخلات ومخرجات صحيحة! 

 

وفي المقابل، جرى إقصاء الفئات المستضعفة، الذين تقل رواتبهم عن 1450 شيكل من الضمان الاجتماعي، في ظل غياب الرقابة على تطبيق الحد الأدنى للأجور، وأُقصي العمال والفلاحون البسطاء الذين يعملون فيما نُسميه الاقتصاد غير الرسمي؛ أي أقل من 16 يوماً منتظماً في الشهر، وجرى إقصاء الأشخاص ذوي الإعاقة والأيتام من الضمان الاجتماعي، لأنهم لا يستطيعون تأمين الاشتراكات الشهرية 16% كي يستفيدوا من الضمان!

 

ليس صحيحاً القول إن الضمان الاجتماعي يقوم على علاقة تعاقدية بين العامل ورب العمل، وعلى أساسها يكون الضمان الاجتماعي، وليس صحيحاً القول إن الفئات المهمشة خارج الضمان لأن مكانها هو المساعدة الاجتماعية، وإن شئت قلْ فتات المساعدة الاجتماعية، وقد وصل الأمر عند من صاغ  القرار بقانون أن يقول إن "خدم المنازل" سيصدر بشأنهم نظام لاحق عن مجلس الوزراء في موضوع انتفاعهم بالضمان الاجتماعي!

 

عاملات وعمال المنازل، ليسوا خدماً، وأنتم لستم أسياداً، هم عمال مثلكم، ولهم حقٌ في الضمان الاجتماعي كما لكم، ولستم أفضل منهم، هذا ما نراه عدلاً، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان هي الحَكم بيننا وبينكم.

 

رويدكم على الناس، فكلامكم لا سند ولا حجة له ، ومَن يقول به لم يدرك بعد معنى الضمان الاجتماعي الذي هو جوهر الحماية والعدالة الاجتماعية، وعليه أن يراجع جيداً باب الحقوق والحريات العامة في القانون الأساسي الفلسطيني وأن يتأمل ملياً في المعايير الدولية لحقوق الإنسان؛ وبخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي انضمت إليه دولة فلسطين والتعليقات العامة للجنة العهد الاقتصادي والاجتماعي والتقارير الدولية الصادرة عن المقررين الخاصين في الأمم المتحدة على هذا الصعيد.

 

قلتم معالي وزير العمل، أنكم ستحضرون خبراء من الخارج كي يشرحوا للناس قرار بقانون الضمان الاجتماعي، أحضروهم معكم على طاولة حوار تجمع كافة الأطراف تحت قبة البرلمان بحضور وسائل الإعلام، ومعكم منظمة العمل الدولية التي قالت بغير حق إن هذا القرار بقانون منسجم مع أفضل المعايير الدولية، ومعكم أيضاً خبراء البنك الدولي ومن أعد الدراسة الاكتوارية المضللة في الضمان الاجتماعي ومعامِلات الاحتساب؛ ولم تعملوا بمخرجاتها في بناء النِسب في المعامِلات وتلك الدراسة تشهد على ذلك، ونعدكم بكل الاحترام معالي الوزير، بنقاش عميق جداً، لا قِبل لخبرائكم به، ليس غروراً، بل إيماناً بالحق الأصيل وأهل الحق الكرام.

 

يعلم جيداً، من صاغ القرار بقانون، أنه صاغه على نظام المساهمات المحددة (DC) كي يبرر خصخصة الضمان الاجتماعي، وإخراج الفئات المهمشة خارج الضمان، هكذا يعمل هذا النظام، الذي يخلو من التكافل الاجتماعي ولا يعترف به، وقد طبق لأول مرة في تشيلي عام 1981 من قبل الحكومة القائمة آنذاك، وهو مطبق في عدد من دول أمريكا اللاتينية، الصائغ روج كثيراً لهذا النظام في كتاباته، خدمة للحافظ "الأمين" على أموال المشتركين في مؤسسة الضمان والنظام التكميلي، وهو أبعد ما يكون عن منظومة العدالة والحماية الاجتماعية.

 

ينبغي أن يُبنى قرار بقانون الضمان الاجتماعي، على نظام المنافع (DB) العريق والأوسع انتشاراً في دول العالم، الذي يقوم على حضور ومسؤولية ورقابة الدولة الواضحة، ولا يقوم على خصخصة الضمان، بما ينسجم مع المعايير الدولية التي انضمت إليها فلسطين، ويقوم على التكافل الاجتماعي، ولا يقذف بالفئات المهمشة خارج الضمان، والقول بغير ذلك؛ يعرض منظومة الضمان الاجتماعي لخطر شديد، وينزع روح الضمان الاجتماعي عن جسده.

 

إن الهجوم الذي شنه من صاغ قرار بقانون الضمان الاجتماعي في كتاباته، قبيل صياغة نصوص القرار بقانون، واستهدف نظام المنافع (DB) لصالح نظام المساهمات (DC) وترويجه للأخير في كل ما صدر عنه، وبإمكان الجميع أن يراجع ما كتب، يفتقر إلى الحد الأدنى من المنهجية العلمية، وفي ظني أنه يعلم ذلك، لأنه يعلم من يخدم في ذلك وتبعاً في صياغة القرار بقانون على هذا النحو، وإذا كان الأمر كما يقول؛ فإن عليه أن يجيب بشفافية لماذا يطبق نظام المنافع في النمسا وبلجيكا واليونان وكندا وفنلندا واليابان وكوريا الجنوبية وإسبانيا والبرتغال وتركيا وبريطانيا ولكسمبورغ وايسلندا... وعدد من الدول العربية؟ قل للناس لماذا أيها الصائغ الأمين؟

 

نريد ضماناً اجتماعياً عادلاً للجميع، وهذا يحتاج إلى إرادة جادة، ورؤية وخطة عمل واضحة المعالم والأهداف والأولويات، ونطاق زمني ورقابة شفافة على سلامة التنفيذ، بالإمكان العمل على تنفيذ الخطة بإرادة وجهود الجميع، بما يساهم في تعزيز  النسيج والتماسك المجتمعي، وعلى أساس نظام حماية اجتماعية مؤمن بالتكافل المجتمعي، بعيداً عن لغة السادة والعبيد، فهذا لا يليق بنا وبشعبنا وتضحياته، إنها معادلة حماية اجتماعية للمستقبل، وعنوان من عناوين الصمود، وتصليب الجبهة الداخلية، في وجه التحديات والمخاطر المستقبلية.

 

بالإمكان أيضاً، تقسيم العمل على مرحلتين؛ الأولى يتم فيها إنجاز قانون ضمان اجتماعي عادل ومنصف، ومن ثم العمل على "صهر " جميع قوانين التقاعد في قانون عادل وشامل للضمان الاجتماعي، وفق الأسس التي تحدثنا عنها، قانون للجميع، نساءً ورجالاً، مدنيين وعسكريين، فئات مهمشة، يعيشون جميعاً بكرامة إنسانية، لسنا حالمين، نستطيع أن نفعلها، تحتاج إلى إرادة وعمل شفاف وجهود مخلصة، هذا كل ما في الأمر.

 

عندما تتركون المناصب والمراكز، بعد عطاء طويل، مدنيين وعسكريين، في القطاع العام والخاص والأهلي، فأنتم أمام لحظة الحقيقة، إنها مرحلة التقاعد يا سادة، مرحلة ما بعد المناصب والمراكز والنفوذ، عندها ستكونون حتماً أمام إحدى طريقين؛ إمّا ضمان اجتماعي عادل وحياة كريمة تستحقونها أنتم/ن وأسركم الكريمة، أو نهاية طريق مخادع نحو المجهول.

 

أمّا الزبدُ فيذهب جُفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.