الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لسنا حطب ناركم.. من حق الفلسطيني ركوب البحر بقلم: أنور الخطيب

2014-09-23 08:27:32 AM
لسنا حطب ناركم.. من حق الفلسطيني ركوب البحر
بقلم: أنور الخطيب
صورة ارشيفية

 هنا نلتقي

من لم يمت في الحرب مات في البحر، ومن لم تقتله نار العدو قتلته مياه الفقر، وما بين النار والماء، يستطيع الفلسطيني كتابة فصول حكايات كثيرة، جميعها تحشر الغصة في الحلق، فالسياسيون فشلوا في إيجاد طريقة لشعبهم تعزّز من صمودهم وإنسانيتهم، فآثر الشعب الموت خارج أسوارهم وحدائقهم وشواطئهم ومعاقلهم ومخابئهم.

في الحالات الطبيعية، وحين يموت 15 فلسطينيا غرقى في البحر بعد مرورهم ببحر الدماء والموت، تستنفر الدولة كل مؤسساتها للبحث في جذور المشكلة، أما في (دولة فلسطين) العتيدة، فمن الطبيعي أن يظل الصمت سيد الموقف، لأن الوزراء ووكلاء الوزارات والقيادات، وأعضاء اللجان التنفيذية، والمكاتب السياسية، والتنظيمات (الثورية والجهادية) والجمعيات (الخيرية)، يعرفون سبب هجرة الفلسطيني بحراً وموته غرقا، ويعرفون أنه بكل بساطة (قرف) من وضعه الاقتصادي والسياسي والثوري والاجتماعي والثقافي والأدبي والفني، ويئس من رؤية تحقيق أي تقدم على المسارات كافة، و(قرف) أكثر بعد انتهاء العدوان على غزة من قبل (الصهاينة)، وبدء عدوان آخر على الشعب في غزة والضفة والشعب الفلسطيني في كل مكان، تمثّل في السباق الجنّمي على جني ثمار الحرب، وللأسف، كان على رأسها أموال إعادة الإعمار.

من حق الفلسطيني أن يركب البحر لأن أخوته المتحكمين بسياسات أرضه ضيقوا عليه وخنقوه وصادروا حريته، وقتلوا آماله وسحقوا مساعيه، وقزّموا قضيته حتى تحولت إلى الخروج من معبر صغير، والعمل في بناء بيتٍ في مستوطنة، وراتب آخر الشهر.

من حق الفلسطيني أن يركب البحر لأنه اكتشف أن نضاله وصموده وتحمّله للجوع والعطش والحر والبرد والموت والدم والجرح واليتم والترمل لم يعد عليه إلا بالمزيد من التجاهل والإهمال، فبناء نفق أهم من بناء ملجأ، وبناء فيلا رسمية لمسؤول أهم من إيجاد مأوى لمشرّد، وذهاب وفد للمشاركة في مهرجان للرقص أهم من إيفاد مريض للعلاج، وتحسين الخدمات في المخيمات في آخر الأولويات، وأستطيع أن أتخيل أحد المتنفذين يقول؛ (يعني شو بدك أبني لكل مواطن أو لاجئ فيلا؟!!)..

من حق الفلسطيني أن يركب البحر لأنهم تمادوا في (ركوبه)، والتسلّق على ظهره والمتاجرة بموته وفقره وبؤسه.

لو لم يركب الفلسطيني البحر وذهب للمطالبة بحقوقه المشروعة التي تحفظ كرامته كإنسان، وتأمين طعامه وشربه ومأواه وتعليم أبنائه، لداخ (السبع دوخات)، ولسمع أتفه العبارات، ولتلقّى أبشع اللكمات، واستمع إلى (أزنخ) الخطابات والشعارات، حتى مات.

من المؤسف حقاً أن يفرح بعض القادة الفلسطينيين من خبر صدور خمسة آلاف تصريح لعمال فلسطينيين للعمل في (إسرائيل)، من المؤسف أن يقوم العامل الفلسطيني بالعمل في بناء المستوطنات حتى يؤمن قوت أبنائه، ومن المخجل أن تتعهّد شركات فلسطينية مشاريع التمدد العمراني الصهيوني. ومن العار أن ينتظر الفلسطيني الكهرباء والوقود من عدوه، ومن الخيانة أن يشتري الفلسطيني منتجات عدوه!

من حق الفلسطيني أن يركب البحر، هكذا يتخلص من العمل لدى رب العمل (الإسرائيلي)، ويتخلص من إهدار كرامته أمام مكاتب المسؤولين (الأشاوس)، ومن الانتظار أمام المعابر المهينة لإنسانيته، ويحافظ على وطنه نظيفا في قلبه.

من حق الفلسطيني أن يفعل أكثر من ذلك، لأنه ما التقى مسؤول من الضفة وآخر من القطاع في برنامج تلفزيوني إلا و(فضحونا) أمام الخلق، حيث يتسيّد منطق المؤامرة الحوار، وليتهم يتآمرون على بعضهم بعضاً من أجل تأمين الخبز للشعب، أو إغاثة الفقراء ودعم الطلبة المعوزين، أو حماية السكان من اقتحامات جنود الاحتلال اليومية للبيوت، أو من مصادرة أشجار الزيتون. ليتهم يتآمرون من أجل اللاجئين الذين يقتربون من اليأس، ومن أجل استعادة الأجيال الصاعدة من براثن التغريب، ليتهم يتآمرون لسد الشق الحقيقي الذي صنعوه بين أبناء الضفة والقطاع، وبين أبناء المخيمات والقرى والمدن، وبين فلسطينيي الشتات و(العائدين).

وما التقى فلسطيني وآخر في جمعية أو اتحاد للطلبة أو الكتاب أو العمال، إلا وكان التأزم ثالثهما والتشنج رابعهما، وكأن التجزئة مقصودة، وتغذية الضغينة مقصودة، وأكاد أسمع قائلا يقول: (ما اجتمع اثنان من تنظيم واحد إلا والمؤامرة و(الكولسات) ثالثهما)، فلماذا أصبح الفلسطيني يقاوم نجاح الفلسطيني الآخر، حتى وصل به الأمر للارتماء في أحضان (الإسرائيلي) لدعمه فنياً وثقافيا، وأحيانا سياسياً!!

الفلسطيني ليس آلة تصفق في المهرجانات فقط، فحاولوا أن تروا ما بعد كفّيه، وما خلف وجهه المشرئب.

الفلسطيني ليس حطب ناركم، حاولوا أن تروا ما خلف اللحاء، وما في البيوت التي قدمت أبناءها (حطباً) لتواصلوا التبجّح أمام الميكروفونات، وتتباهون بعشرات الآلاف التي تحمل الرايات الخضر والسود والصفر والحمر.

وأخيراً، لقد أطعم الفلسطيني من لحمه ترابَه، وسقى بدمه أشجاره، أما الأسماك فعلى الله رزقها، فلا تدفعوه إلى البحر، وإنما إلى أحضانكم..بعد تنظيفها.