السبت  05 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فورين بوليسي: الحرب الفرنسية ضد تنظيم الدولة لا يجب أن تكون في سوريا

2016-07-30 12:51:59 PM
فورين بوليسي: الحرب الفرنسية ضد تنظيم الدولة لا يجب أن تكون في سوريا

 

الحدث- رام الله

 

لقد كان هذا الصيف ساخطا في أوروبا الغربية، وفرض ضريبته على الحياة والروح المعنوية والمزاج العام. وعمليا كل يوم هناك تقارير جديدة عن هجوم جديد، يحدث إما من قبل شبان مضطربين، أو من الذين يقودون تنظيم الدولة لضرب الصليبيين، أو كليهما. وتزداد الأسلحة على نحو كبير من الشاحنات المستأجرة لسكاكين المطبخ، ومعظم الفرنسيين -النساء خصوصا لأسباب  منطقية- يضعون لأنفسهم  إنذارا آخر مع كل ضربة جديدة من  الدولة المتزايدة. هذا هو الوضع الطبيعي الجديد، كما أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، وحذر أن الاختيارات محصورة بين مواجهة الأمر معا، أو الفزع وفقد السيطرة على هذه المؤامرة.

 

ومنذ الهجوم على كنيسة في سانت إتيان دو روفاري، إحدى ضواحي الطبقة العاملة في روان في منطقة نورماندي هذا الأسبوع، أصبحوا يشعرون بشعور مختلف حول مرحلة ما بعد تنظيم الدولة، من فتنة طائفية، ومن الناحية الرمزية، فإن أيقونية هجوم 26 يوليو لا يمكن أن تكون أشد حدة.. كاهن ثمانيني ضعيف نحرت رقبته على المذبح خلال القداس الصباحي، مع وجود جماعة صغيرة من ثلاث راهبات كاثوليكيات، واثنين من أبناء الرعية المسنين، في راكدة نورمان، في مشهد يبدو كأنه لوحة دامية من القرون الوسطى. هذا هو بالضبط  نوع من التصور الذي يقوم عليه تنظيم الدولة، ويظهر ذلك بوضوح في خلافة الشرق الأوسط، وفي جزء من أوروبا، التي  كانت قد أغلقت هذا الفصل من الماضي المظلم وتركته للمتاحف.

 

وليس من المرجح أن يحصل الجهاديون على الحرب الأهلية الشاملة كما يريدون، لكن قد يصبح الوضع قاتما جدا، إذا لم يتخذ السياسيون الفرنسيون والجمهور تحركاتها القليلة المقبلة بشكل صحيح. وبعد يوم من الهجوم على الكنيسة، بدا الرئيس فرانسوا أولاند بفعل الشيء الصحيح، عندما التقى كبار الزعماء الدينيين في البلاد، الذين اجتمعوا معا لإصدار دعوة للوحدة. وأعرب إمام مسجد باريس الرئيسي،” دليل أبوبكر”عن “حزنه العميق” إزاء الهجوم، الذي وصفه بأنه “أي تدنيس للمقدسات هو كفر، ويخالف كل تعاليم ديننا.” كما دعا إلى تشديد الإجراءات الأمنية، والتدريب الأفضل لرجال الدين، وإصلاح المؤسسات الفرنسية المسلمة.

 

وبالطبع إنه على حق، لكن بينما نحن في ذلك الوضع، هناك الكثير من الإصلاحات والسياسات الأخرى، أعادت التفكير في أن فرنسا تحتاج لوضع يوجد على رأس جدول الأعمال. وفي الجزء العلوي من القائمة، يجب معرفة كيف يمكن للبلد أن تنتهي “حربها” ضد تنظيم الدولة، أو ما يسمى الخلافة.

 

فرنسا -أكثر من أي دولة غربية أخرى- ثبت تعرضها بشكل خاص لهذه العلامة التجارية التدميرية الجديدة من الجهادية. وهذا ليس مجرد شعور –ففقد تم إثبات تلك الحقيقة، عندما نشرت ويليام مكانتس وكريستوفر ميسرول هذا العام نتائجهم البحثية الأولية في الشؤون الخارجية، التي أظهرت فرنسا، والبلدان الناطقة بالفرنسية، الأكثر عرضة لخطر الهجمات المتطرفة والجهادية، وهنا تتحدث الأرقام عن نفسها: ففي فرنسا حدثت تسعة هجمات – بما في ذلك اعتداء تشارلي إيبدو، وهجوم 13 نوفمبر تشرين الثاني في باريس، وهجوم شاحنة نيس – ما أدى إلى تمزق في فرنسا في الأشهر الـ18 الماضية، والشعب الفرنسي المتمتع بالمرونة الشهيرة، تجمع في يناير 2015، وبدأوا في اليأس.

 

ولمعرفة لماذا تتصدرفرنسا الرسوم البيانية في الهجمات الجهادية؟ وما ينبغي القيام به حيال ذلك، فإن ذلك يتطلب خبرة (ولدى فرنسا منها الكثير) والمرونة في اعتماد وتنفيذ سياسة أعادت التفكير (التي تفتقر إليها بشدة). وهنا مكان جيد للبدء: والجدال هنا حول أن آلة الدعاية لتنظيم الدولة وضعت هدفا تضج به مرارا وتكرارا، لحث أنصارها على استهداف فرنسا، يجعل احتمال التدخل العسكري لباريس في بلاد المسلمين قائما.

 

وتشارك فرنسا في عمليات عسكرية في جميع أنحاء منطقة الساحل وشمال إفريقيا، كذلك مع قوات التحالف، التي تقودها الولايات المتحدة ضد  تنظيم الدولة في سوريا والعراق، وبعد كل هجوم جهادي، يتعهد أولاند بالمزيد من النار والكبريت ضد تنظيم الدولة البربري، ففي أعقاب هجمات 13 نوفمبر في باريس، التي أسفرت عن مقتل 130 شخصا، قصفت الغارات الجوية الفرنسية العاصمة الفعلية للجماعة الجهادية في حي الرقة في سوريا. وبعد هجوم نيس، أبقى أولاند أغاني الحرب في خلفية خطابه المتلفز للأمة، الذي قال فيه: “لا شيء يجعلنا نضعف عن عزمنا في محاربة الإرهاب. وسنتمكن من تعزيز أعمالنا في العراق وسوريا “. وكيف لتلك الضربات الجوية أن تفعل شيئا في شاب تونسي مختل وعنيف، و ليس له أي علاقة بهذه الجماعة الجهادية، دفع بشاحنة مستأجرة في حشد يصعب فيه تخمين شخصية أي أحد. ويوم الثلاثاء أعاد أولاند ذلك مرة أخرى، عندما تعهد بكسب “الحرب” بكل الوسائل.

 

تكرر الشعار إلى حد الغثيان، على لسان الطبقة السياسية الفرنسية، حتى أصبح النقاش قليلا أو معدوما بشأن “إلي أين يقود ذلك البلاد؟”، و بعد ما يقرب من عامين، انضمت فرنسا إلى التحالف ضد تنظيم الدولة، وتغيرت الأوضاع على الأرض في سوريا والعراق إلى حد كبير. و تحولت الحرب في الشرق الأوسط إلى قتال حتى النهاية بين السنة والشيعة. وفي سوريا، فرنسا وما يسمى الغرب، عالقون على الجانب الذي تمثله المملكة العربية السعودية، وهي مملكة تسودها الحركة السلفية، إذا كيف ولماذا نحن عالقون على هذا الجانب من الصراع في سوريا، وما الخطة الممكنة لدينا لملء فجوة الطاقة، التي ستنتج عن رحيل بشار الأسد، المطلوب من فترة طويةل, على حد تخمين اي شخص.

 

 وفي العراق، وعلى الرغم من أننا بعيدون عن هذه الفجوة، فالوضع ليس أكثر تبشيرا، فالولايات المتحدة بالكاد تمكنت من الحفاظ على الميليشيات الشيعية، من سلخ إخوانهم السنة، ونحن نبحث في فوضى طائفية أخرى في حال أجهدت الولايات المتحدة من محاولة الحفاظ على تماسك البلاد. وبالنسبة لفرنسا، فإن زيادة المخاطر الأمنية في الداخل، من خلال الاستمرار في القتال في بلاد بعيدة، دون خطة في نهاية الأفق، هو شيء بلا معنى في هذه المرحلة.

 

لكن كل زعيم يحب حربا جيدة، بعد أي هجوم إرهابي قاتل، والسياسيون الفرنسيون ليسوا استثناء،. وعبّر كل من قادة الأحزاب السياسية الرئيسية في فرنسا عن معارضتهم للعمليات العسكرية في العراق وسوريا. وأن القيام بذلك ليس وصفة جيدة للفوز بالانتخابات، خصوصا عندما اهتز الرأي العام بالتهديد الأخير. إنهم يعتقدون بشكل ساحق “أن عليهم فعل شيء”، ويتضمن هذا الشيء العمليات العسكرية في مسرح آخر للحرب.

 

ومنذ نفذ تنظيم الدولة أول عمل إرهابي له، وأطل بوجهه القبيح في فرنسا عام 2014، أكد سياسيون وخبراء وقتها أن البلاد تفتقر إلى الموارد وأفراد الأمن لمراقبة المشتبه بهم، والحفاظ على أمن البلاد. وبعد ذلك بعامين، أصبح نقص الموارد، والمعروف باسم “هذا كبير جدا على أن تتعامل معه” حجة، لا تزال تخرج في أعقاب كل اعتداء جديد. وذهبت الجهود المبذولة لمكافحة التطرف في فرنسا سدى. ووصلت حمى الاشتراك في الجماعات الجهادية بين الشباب الضال، مرحلة لم يسبق لها مثيل، واستمرت الاستجابة الفرنسية أن تكون في كل مكان. وفي الوقت نفسه يتم إهدار الوقت والطاقة والموارد في العمليات العسكرية الأجنبية.

 

ولم  تكن صيحات الاستهجان، التي أطلقها فاليس بصوت عال خلال تأبين ضحايا الهجوم الذي وقع في نيس مفاجأة لأحد، فالشعب الفرنسي لديه  ما يكفي من الثغرات الأمنية. واليمين السياسي هو القوة الصاعدة في فرنسا وبقية أوروبا، وترتفع أسهمه مع كل هجوم، مقارنة يشعبية أولاند، التي وصلت مستويات قياسية  في التدني، قبل عام من الانتخابات الرئاسية عام 2017.

 

إذا كان هناك أي دروس أمنية يمكن استخلاصها من الهجوم على كنيسة نورماندي، فهي ليست جديدة. ومرة أخرى، أحد  المهاجمين –وهو مجرد مراهق يدعي عادل كميش- كان على قائمة المراقبة “S” بعد محاولة فاشلة في الوصول إلى سوريا مرتين، ووجهت إليه تهمة التآمر لارتكاب جريمة مع منظمة إرهابية واعتقل حتى مارس، وأطلق سراحه بكفالة في انتظار المحاكمة، ووضع تحت الإقامة الجبرية، المزودة بأجهزة مراقبة إلكترونية، التي سمحت له بمغادرة منزله في يوم من الأسبوع من الساعه 08:00 حتي 12:30، ووقع الهجوم في 9:25 في صباح قداس الثلاثاء.

 

ولأن الهجوم وقع في محل تواجد كميش في سانت إتيان دوروفاري، فلم يطلق السوار أي تنبيه. وبعبارة أخرى، كان المهاجم يرتدي سوار المراقبة في يده وهو يشق حلق جاك هامل الكاهن المسن. ما يعني بوضوح ضرورة تشديد شروط الإقامة الجبرية للمتهمين بالإرهاب. وهذا يعني أيضا زيادة الاحتياجات الأمنية للتشديد على الكنائس- كما هو الحال في دور العبادة  اليهودية والمسلمة- والنقاش في هذه الأيام هو، ظاهريا، عن ما إذا كان يريد الفرنسيون الإجراءات الأمنية على غرار الإسرائيلية، لكنه يأتي بالفعل في وقت متأخر جدا على هذه المناقشة. وقد جعلت رأي الجمهور واضحا جدا، مطالبين بتشديد الأمنيات مرة ​​أخرى، وأنهم على استعداد للعيش مع وجود أمني معزز في الأماكن العامة.

 

ومن غير المفيد هو التدابير من النوع، الذي اتخذ يوم الأربعاء من خلال قيادة صحيفة لوموند الفرنسية، جنبا إلى جنب مع محطة التلفزيون الفرنسية BFM، وعدد من الوكالات الأخرى، بعدم نشر صور المهاجمين “لتفادي وقوع تمجيد بعد وفاته”. وقد حذت الدولة حذوها، فبدات بتغيير سياستها وتحديد الجهاديين من الحروف الأولى من أسمائهم فقط ، أو الأسماء الأولى، وبطبيعة الحال، لدى وسائل الإعلام مسؤوليات، لا سيما في هذه الأوقات القلقة. لكن عدم نشر صور المهاجمين الجهاديين لا يصب في مصلحة تهدئة الجمهور أو إعطاء فرصة للسلام، ما يجعل من الصعب على المجتمع الفرنسي بأسره، فهم التهديد الذي يواجهه.

 

ويحب السياسيون الفرنسيون استخدام مصطلح “la guerre” أو “الحرب” للحديث عن الحرب ضد الإرهاب. وما لا يريدون استيعابه وتقبله، هو أن هذا في الواقع حرب ضد أنفسهم. وقد أجريت جميع الهجمات الجهادية الكبرى في فرنسا على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، من قبل مواطنين فرنسيين أو مقيمين. الآن، لن يقوم “بالحرب” سوى الفرنسيين، الذين بالكاد يفهمون الحياة ويعيشون في جزء من العالم، في مجتمع لا يتيح لهم حرية التنقل. ومع كل هجوم، فإنهم سيموتون كما مجهولي الهوية، والوحش مجهول، ما يجعل فهم الخطر المحدق بهم، أكثر صعوبة بالنسبة للجمهور، والطريقة الوحيدة لإحباط  هذا التهديد هو عن طريق قتل نداء الجهاد من جذوره. أما بالنسبة لتمجيد القاتل بعد وفاته، الذي يجري القيام به بشكل جيد للغاية في طبقة الجهاديين، فإنه من غير المنتظر أن يتطلع إلى أمثال لوموند، لإكرامه بعد الاستشهاد.

 

أما بالنسبة المسألة معالجة جذور المشكلة، فمرة أخرى، فإن الهجوم على الكنيسة من الدروس التي كان يجب أن نتعلمها منذ سنوات. ونبهت أسرة كميش السلطات الفرنسية إلى تطرفه. وقالت والدته، التي تعمل مدرسة، لليومية السويسرية الناطقة بالفرنسية “تريبيون دو جنيف”، إن هجمات مجلة شارلي إيبدو يناير 2015 كانت “بمثابة الفتيل” على المراهق”، وقالت نحن لا يمكننا ممارسة ديننا بسلام في فرنسا”، أضافت “أنه كان يتحدث بكلمات لا تنتمي إليه، كان مسحورا وكأنه كان في عبادة”. وبعد فترة وجيزة، واجهت العائلة الصبي بحساب سري علي  “فيسبوك” اعتاد على الاتصال منه بشباب متطرفين آخرين، جعلوا كميش يقوم بأول محاولة له للذهاب إلى سوريا.

 

ومن الملاحظ وجود عائلة فرنسية أخرى تتوسم المساعدة لأن فتى منها تورط في قضية انتحار، وتحتاج الدولة إلى بذل المزيد من الجهد لمساعدة هذه الأسر والتصدي للمشاكل المنزلية، التي ستكون أكثر صعوبة بكثير للقيام بها، في حين أنها تجعل من نفسها هدفا سهلا عن طريق شن الحروب في بلاد بعيدة، مع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق.

ــ