الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص "الحدث"| مناديب الأجهزة الأمنية

2016-08-13 09:57:50 PM
خاص
مندوب- تعبيرية

 

الحدث- روان سمارة

 

المندوب، أو المخبر السري؛ وهي التسمية الدارجة في المنطقة العربية، التي تعج بالمخبرين السريين المرتبطين بالأجهزة الأمنية، تعبر عن علاقة غير صحية، قائمة على الشك والريبة، بين السلطات الحاكمة وأجهزتها التنفيذية وبين شعوب المنطقة العربية، وهي انعكاس لطبيعة الأنظمة السياسية القائمة، وتؤدي إلى طغيان العقلية الأمنية وسيطرتها بأشكال مختلفة على مختلف مفاصل الحياة على حساب منظومة حقوق الإنسان، بما ينتج بالمحصلة النهائية بيئة خصبة تنتهك فيها الحقوق والكرامة الإنسانية.

 

وصلت قبل أيام قليلة رسالة لمكتب "الحدث" من أحد المواطنين، جاء فيها: "أنا طالب جامعي في إحدى الجامعات الفلسطينية، وأنتمي لإحدى الحركات الطلابية، وقد تم استدعائي لمراجعة مقر أحد الأجهزة الأمنية الفلسطينية قبل يومين".

 

يكمل : "وبعد مجموعة من الأسئلة، التي كانت تدل على أنني لست متهما بشيء، وأن الاستدعاء الذي جعلني أعيش يومين من التوتر والقلق وعائلتي، عرض علي الضابط المحقق أن أعمل مع الجهاز كـ"مندوب" في الجامعة، لكنني رفضت طبعا، وعدت لمنزلي لا أحمل إلا الألم وكثيرا من الأسئلة، أولها لماذا أنا؟ وأخرها هل أوحيت للضابط بخوفي منه، أم أنه رأى في جاسوسا بالفطرة؟ لم أحصل على إجابة، لكنني أستطيع الجزم بأن الشعور مؤلم، وحتى نشوتي بقول لا لم تكن قادرة على إسكات هذا الألم".

 

كانت هذه إشارة البدء لـ"الحدث" لاستقراء الصورة، وعرضها للقارىء فهل يعمل المناديب في الجامعات فقط؟ وهل يقتصر توظيفهم على جهاز أمني دون غيره؟ ثم لماذا تحتاج الأجهزة الأمنية لمناديب، وعدد العاملين فيها يزيد على 60000 عسكري؟ وهل مستحقات هؤلاء ومكافأتهم هي من ضمن ما تنفقه السلطة على الأجهزة، والذي يصل إلى 28% من إجمالي الإنفاق العام من الموازنة العامة؟

 

من داخل الجهاز الأمني

 

توجهنا بالأسئلة لأحد مصادر " الحدث" والذي يعمل في أحد الأجهزة الأمنية، ورفض التصريح باسمه، فقال: "ليس جهازا أمنيا واحدا، هنالك عدة أجهزة أمنية تُشغل ما تسمونه بالمناديب، وفي الحقيقة أنا لا أرى مشكلة في تشغيل هؤلاء، فهدف الأجهزة الأمنية هو حفظ الأمن، بالطريقة التي تراها مناسبة".

 

وحول آليات تشغيل المناديب يقول مصدرنا: "هم لا يختارون، هم يشغلون المتاح، ومن يقبل بالعمل، ومن الطبيعي أن يعرضوا الأمر على من يرونه مناسبا، ولا يقتصر حصول ذلك على المقابلات التي تجري في المقرات، فيمكن أن يتم التجنيد في الجامعات والمؤسسات دون الحاجة لزيارة المقر الأمني".

 

يجند المندوب إما بابتزازاه أو بإغرائه لكن ما المقابل الذي تدفعه الأجهزة لمناديبها؟ يقول مصدر "الحدث": "لا يوجد ثمن معين فلكل مندوب حالته فيمكن أن يكون المقابل كرت جوال، أو جهازا هاتف محمول، ويمكن أن يكون نقدا والمبالغ عادة لا تكون كبيرة، ويمكن أن لا يتقاضى شيئا إذا عمل مع أحد الأجهزة مقابل السكوت عن قضية له والتستر عليها".

 

واقع نفسي غير سليم

 

إيناس رضوان، الأخصائية الاجتماعية النفسية، حدثتنا عن الآثار النفسية والاجتماعية على العاملين في هذا المجال، وقالت لـ "الحدث": "يصاب هؤلاء بحالة من التوتر الشديد، والأزمات النفسية، ويحاولون إسقاط غضبهم وتوترهم على من حولهم باستخدام العنف، وغالبا ما يعانون من عزلة اجتماعية، سببها عم ثقتهم بالآخرين، فهم يتعاملون مع الآخر دائما كما يرون أنفسهم".

 

وحول الضغط النفسي الذي يعانيه أمثال المواطن الذي قدم شكواه لـ"الحدث" تقول رضوان: "من الطبيعي أن تكثر الأسئلة في رأسه، وأن يفكر بأسباب توجه الجهاز له بهذا الطلب، وقد يمر بحالة من عدم الثقة بذاته والآخرين، مما سيخلق لديه حالة من عدم التزان النفسي، قد تتطور لاكتئاب في عدة حالات".

 

ثقافة موروثة من أنظمة عربية سابقة

 

د. عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة الائتلاف من أجل المساءلة والنزاهة "أمان" ذكر لـ "الحدث" أن الجهة الوحيدة القادرة على مساءلة الأجهزة الأمنية في حال انتهاكها لحق المواطن وإجباره على العمل في هذا المجال هو الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان، أما باقي المؤسسات فهي تسائل أجهزة السلطة مجتمعيا، من خلال انتقادها وطرحها في تقاريرها، والأمر يعود للآلية التي استخدمها الجهاز مع المواطن، فلا يمكن إجبار أي شخص على آداء مهمة لا يرغب القيام بها.

 

وحول تعامل أمان مع هذه القضايا، يقول الشعيبي: "في أمان نحن لانتدخل في مثل هذه القضايا إلا في حال ارتباطها بالفساد المالي، كإعطاء مبالغ لأشخاص للتصويت، من خلال الدفع المباشر،أو غير مباشر كشراء كرتات جوال للمقترعين على سبيل المثال، فنحن نتعامل معها كنوع من أنواع الرشوة، تحديدا وأن أموال المخابرات هي من الأموال العامة، وتصرف من الخزينة العامة التي تُغذى بأموال الضرائب التي يدفعها المواطن الفلسطيني، فلا يمكن استخدامها لأغراض خاصة أو حزبية".

 

وأشار الشعيبي إلى أنه لا يوجد في القانون ما يمنع طلب الأجهزة الأمنية من أحد المواطنين شغل هذه الوظائف، لكن ما يُمنع قانونيا هو الضغط عليه ليقبل بهذه الوظيفة.

 

وعن دفع الأجر لمثل هذه الوظائف يقول الشعيبي: "هذا يعتمد على العلاقة بين الموظف والجهاز، فإذا كان هناك عقد دائم فهو موظف رسمي ينطبق عليه قانون الجهاز، أما إذا كان يُوظف لمهمة محددة فتكون وظيفته مؤقتة بعقد مؤقت".

 

وحول كون هذه الوظائف تدرج تحت خانة التجسس أكد الشعيبي على أن المفهوم القانوني للتجسس يختلف، فسياسة استخدام المخبرين  هي موروثة عن الأنظمة العربية السابقة التي اعتمدت المناديب لحفظ الأمن، وهي وظيفة تاريخية تندرج تحت مسمى "العسس"، وهي سياسة فاشلة تقوم على خلق الصراعات المجتمعية، تحديدا وأن بعض هؤلاء قد يستخدمون هذه الوظيفة لأغراض شخصية، ولتصفية الحسابات، وهو ما يجعل الخطر مضاعفا عندما يصل الأمر للجامعات والمعاهد التعليمية، تحديدا في ظل منع دخول الأجهزة الأمنية على الجامعات؛ لعدم التعدي على حرية الجامعة وحرمتها واستقلالها، وقد شاهدنا في السابق حالة من الفوضى والمشاكل التي كان سببها دخول الأجهزة للجامعات.

 

وذكر الشعيبي أن المهمة الأولى للمخابرات هي حفظ الأمن بالتركيز على الأعداء الخارجيين، من خلال الحيلولة دون تدخل عناصر خارجية في النظام، وهو ما يتعارض مع تجسس المواطنين والطلاب على بعضهم.

 

المؤسسات الحقوقية جاهزة لاستقبال شكاوى المواطنين

 

شعوان جبارين، مدير عام مؤسسة الحق، قال لـ"الحدث": " لا يوجد قانون يعالج مسألة عرض الأجهزة الأمنية العمل كمندوب على أي مواطن، ولكن القانون يجرم هذا العرض إن انطوى على ابتزاز، أو إجبار على هذا العمل والإكراه عليه، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالطريقة التي يتم فيها الحديث هي من تحدد إن كان هناك انتهاك لحق المواطن وكرامته أم لا".

 

وحول إثبات حصول انتهاك في التحقيق، يقول جبارين لـ"الحدث": "لا حاجة للتسجيل، يكفي أن يروي المواطن حيثيات وتفاصيل التحقيق لنستدل بسهولة على حصول انتهاك أم لا".

 

وأكد جبارين لـ"الحدث" على استعداد المؤسسات الحقوقية لاستقبال أي شكوى من أي مواطن في مثل هذا الأمر، ورأى جبارين أن ما يحصل في الجامعات والمؤسسات من تشغيل للشباب في مثل هذه الأعمال هو تخريب قيمي، سواء كان بوعي أو بدون وعي، فتحويل هؤلاء لمخبرين سيسهل عليهم في مرحلة من المراحل التعاطي مع من يدفع لهم أكثر، أو يعطيهم امتيازات أكثر، وهو ما يبشر بحالة من الانهيار الأخلاقي والمجتمعي.

 

وعند سؤاله عن وصول شكوى للحق بهذا الخصوص يقول جبارين: "وصلتنا حالة قديما، كان يُطلب صاحبها لجهاز المخابرات كثيرا، ثم عُرض عليه العمل معهم، وهو كان الدافع وراء استدعائه المتكرر، ثم إن لكل حالة سياقها المختلف، الذي يحدد آليات العمل والتعامل معها".

 

د. عصام عابدين، رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق، قال لـ "الحدث": "إن طريقة تجنيد المندوبين أو المخبرين السريين تجري في العادة من خلال الاستدعاءات أو الاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية، وما يرافقها من استغلال نقاط ضعف أو حاجة بعض المحتجزين خلال مرحلة التحقيق الأولي، وهي المرحلة التي تكثر فيها الانتهاكات وتقل فيها الرقابة على الأداء، وبالتالي فإن افتراض الرضا الكامل، الخالي من أي ضغط أو تأثير أو إكراه، في عملية إنتاج المناديب أو المخبرين، هي مسألة نظرية ليس من السهل على الإطلاق التحقق منها، ولا تحاكي الواقع، والتحقق منها ضرب من العبث، ويمكن أن تستخدم كذرائع لتبرير إنتاج المناديب". 

 

وأضاف عابدين " إذا كان العديد من الأجهزة الأمنية يمتلك صفة "الضبط الإداري" الوقائي في البحث والتحري وجمع المعلومات والتقارير بطرق ووسائل مختلفة قبل وقوع الجريمة، وصفة "الضبط القضائي" التي تخولها المساس بالحرية الشخصية بأوامر قضائية بعد وقوع الجريمة، فما الحاجة إذن لإنتاج المناديب أو المخبرين السريين"؟

 

وتابع عابدين " كيف يمكن ضمان عدم تعسف المناديب في عملهم السري وفي التقارير الصادرة عنهم في مسألة الكيدية؟ ومن هي الجهة التي تراقب على سلامة آدائهم وعلى الأموال التي يتلقونها على التقارير والأنشطة السرية التي يقومون بها؟ وإن كان عملهم معترفا به قانوناً فلماذا لا يظهرون في كافة التشريعات التي تنظم عمل الأجهزة التنفيذية والرقابية الفلسطينية؟ هذا بالإضافة إلى تأثيرهم الضار على النسيج الاجتماعي، والثقافة (العقلية) السائدة في المجتمع، وعلى مستقبله، وعلى منظومة حقوق الإنسان".

 

وختم د. عابدين "إن استغلال أي إنسان، سواء من خلال الضغط أو التأثير أو الإكراه، أياً كان شكله أو نوعه، لدفعه للعمل كمندوب أو مخبر سري، يشكل جريمة إساءة استعمال السلطة، وهي جريمة موصوفة في قانون العقوبات النافذ، وتشكل جريمة فساد بموجب قانون مكافحة الفساد 2005، وتستوجب المحاسبة والتعويض العادل لمن وقع عليه الضرر بموجب المادة (32) من القانون الأساسي".

 

تجدر الإشارة إلى أن "الحدث" حاولت التواصل مع ممثلين عن الأجهزة الأمنية إلى أنهم رفضوا إعطاء أي معلومة في هذا السياق، وقال اللواء زياد هب الريح رئيس جهاز الأمن الوقائي في اتصال هاتفي مع :الحدث": "أنا لا أعطي أي تصريحات للإعلام، مهما كانت الجهة الإعلامية".