الأحد  12 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ورقة التوت/ بقلم: سامي العيساوي

2016-08-15 02:49:14 PM
ورقة التوت/ بقلم: سامي العيساوي
سامي العيساوي

 

سَحلت ورقة التوت والعجينة عن حلق الباب ووقعت على الأرض، عيون أمّي وعيون حماتي وعيوني تلاقت جميعها وطلع منها حكي كثير، بس أمّي الله يديمها؛ كانت واعيه وقادرة، كان في إيدها وحده ثانية جاهزه أعطتني ورقة التوت الثانية وعليها العجينة وحطت إيدها فوق إيدي وتركتني أسحب إيدي، وبقيت هي حاطه إيدها عليها يمكن  ستة شهور.

 

أنا نفسي أعرف ليش الأهل بدهم  البنات يدرسو في المدارس والجامعات، خلص للصف السادس وبيكفّي، بس الوحده تفُك الخط، نكتب أسمائنا، نجمع ونطرح ونقرأ أسماء الشوارع وبكفي.

 لأ؛

بدهم نكمِّل توجيهي وندرس جامعة، علشان الوحده تقول إنّه اولادها وبناتها كلهم جامعين، وعلشان الأب ينفش ريشه وهو بسحب على الأرجيله في القهوة ويقول جميع أولاده وبناته جامعين.

 

أشكالنا شو بدها في الجامعة، الجامعة ما نخلقت لأشكالنا، الجامعة نخلقت للي أبوها وأمها وأعمامها وأخوالها وخالاتها وجوزها وحماتها وبنات حماتها وسلفاتها واسلافها وجاراتها وجارات خواتها وجارات سلفاتها متعلمين ومتعلمات، وداخلين جامعة كل واحد بزمانه، مش تكون هي متعلمه وكل امّة الله اللّي حولها أميّن أو راسبين صف رابع.

 

الوحده منا بتعيش 20-25 سنة في دار أبوها، أول 6 إلى 10 سنين تقضيها لعب ومناقرة مع أخوها اللّي أكبر منها بسنه أو اللّي أصغر منها بسنتين، وبتسمع مسبات ودعاوي بعدد شعر راسها وروس خواتها مجتمعات، طبعا هي مع المدّه بِتَّمسِح، وبتبطِّل هاي المسبات والألفاظ تفرق معها.

"كذابه، هبله، مجنونه، الله يوخذك، انشاالله بتموتي، حيوانه، حماره، كلبه، الخ.."

من لمّا تصير سادس لحد قبل التوجيهي بتظل ناقر ونقير هي وأمها على الجلي، وتمسيح الغبرة وترتيب التخوت، ومناقره هي وخواتها وبنات اعمامها واخوالها وعماتها وخالاتها، وبنات الجيران وصاحباتها، والبنات اللّي أحلى منها وأشطر منها في المدرسه والصف والشارع والسوق والعالم العربي والقارة الإوروبيه وجنوب شرق آسيا..

وكمان على الطالعة والنازله، ديري بالك وله، لف ودوران ما بدّي، وكبسيات عليها وعلى خواتها وحملات تفتيش ليليه ونهارية على غرفتها وجواريرها وكتبها وجوالها إذا معها جوال، ويا ويل أهلها إذا مشطت شعرها بطريقه جديده، أو عملت غره أو عملت إشي شافته على التلفزيون أو على النت، أو حكتلها عنه وحده من صاحباتها، وطبعا إذا بيجي دورها على الكمبيوتر الموجود في الصاله، بتفتح على العاب البنات وشوي على بارني أو دورا أو أحدث القصات أو على الأبراج وأشياء من هالنوع، لأنه أخوهها أو أبوها بعد ما تقوم عن الكمبيوتر، بيروح على "الهستوري"[1] يشوف شو المواقع اللّي شافتها وهي بتعرف هاي الشغلات، بس صابره وتاركتهم يمارسوا هواياتهم الممله.

السنه الوحيده اللّي البنت بتشم فيها هوا ربها وبتتدلل وبتطلب اللّي بدها إياه هي سنة التوجيهي، وطبعا بتستقيل من أخطر وابشع وأوسخ وأبغض حرفه على وجه الأرض وهي الجلي.

المشكله إنّها في التوجيهي ما بتكون حاسه بالنعم والإمتيازات اللّي حصلت عليها، لأنه بيكون في مصيبه ثانيه فوق راسها اسمه التوجيهي.

كل هذا مفهوم، وبتعيش وبتتكيف على إنه الحياة هيك، وكلّ النّاس هيك، وكل البنات هيك، وكل الأبوه هيك، وكل الأخوه والأعمام والأخوال هيك، لحد ما يصير الزلزال الكبير في حياتها وتدخل الجامعة.

 

هون بثور البركان، ويتبعه زلزال كبير إله بالطبع هزات ارتداديه صغيره، ممكن بعده يصير تسونامي يجبلها الدَّور،  بتتغير المفاهيم والآراء والصور. وبتمرّ البنت في مراحل كثيره.

أول أسبوع في الجامعة بتكتشف إنها بشعة، وإنّه كل بنات الجامعة أحلى منها، وبتكتشف إنّه لبسها وقصة شعرها هو اللّي مبشعها، وإذا متحجبه بتكتشف إنّه ربطة حجابها هو اللّي عاملها شبه عمتها فتحيّه، وإذا مش متحجبه بتكتشف إنه قصة شعرها وتمشيطتها هي اللّي عاملتها شبه الحارس اللّي على البوابه الرئيسيه.

 

وأول سنة بتقضيها طوشات مع أمها، بدها تغيّر كل إشي في حالها، اللّبس والألوان، والحواجب والمكياج والأظافر والكنادر والرموش والحومره والبودره. وطبعاً أمها في بنفسها أشياء كثيره من زمان بس ما صار نصيب تعملها، بتصير الأم بين نارين؛ إنها ترضي رغباتها الدفينه من خلال بنتها، وإنها تقنع أبو أولادها اللّي نافش صدره ومتجهّز ومتحفز للبنت إذا بتروح هيك ولا هيك.

بس النسوان أذكى من الزلام بكثير، بتتفق هي وبنتها انّه التغيير صعب يصير مرّه وحده، شوي شوي علشان أبوها واخوتها ما ينتبهو، أو يعملولها مصيبه في الدار أو تصير طوشه أو  توخذ بهدله، أو يوصل الموضوع لحرمانها من الجامعة.

 

سنه ثانيه، إذا بتقارن صورتها ومشيتها مع صورتها ومشيتها في سنه أولى بتقول أكيد هاي وحده ثانيه، وبعدها بتصير مثل كل بنات الجامعة اللّي تقريباً كلهم بشبهو بعض، لأنهم تقريباً لابسات نفس البنطلون، ونفس التسريحة أو ربطة الحجاب، نفس المكياج، نفس الحركات، نفس العادات نفس المواقف، نفس الحكي، نفس المصير، نفس العلامات، نفس الغيره، نفس العيون، نفس الحومره، نفس الريحه، لأنهم ببساطه بيقلدو بعض، وطبعا هذا الحكي مش بالمطلق بس  بنات الجامعة يمكن تقسيمهم إلى 4-5 مجموعات وكل مجموعة مختلفة عن الثانية بس كل مجموعة بتعمل نفس الحركات واللّبس والمواقف.

 

تقريبا؛ الفصل الثاني السنه الثانيه بتبلّش تنتبه إنه الشباب بطّلعوا عليها لحالها، ومع قرب نهاية الفصل بتفهم إنهم مش مخلين ولا وحده ما بطلّعوا عليها، ومش موفرين ولا وحده، وبدون ما تفهم ولا تعرف السبب، بتبلّش تحلم بالحب والرومنسيات، وتحسد البنات اللّي على علاقه عاطفيه مع حدا، في هذه المرحله بيكون واحد من الدفعة الأكبر منها بلّش يقدم خدماته ويتحركش فيها، وبدون ما تميّز مين هو وشو أصله وفصله وشكله وعيلته وأهله، بتكون بطّلت تنام منيح باللّيل، تقلق من خوفها لحدا يعرف، ومن عذاب الضمير وعذاب القبر إذا حدا حسّ، ومن اللّي ممكن يصير إذا حدا صادها بتحكي معه،  أو حدا حكى لحدا بيعرف أخوها وأبوها، حاكم البلد قردين وحارس، وما في إشي بتخبى فيها، أو إذا أبوها أو أخوها شافها سرحانه وبتفكر لحالها.

بس بعد شوي ويمكن سنه ثالثه فصل أول بتكتشف إنه الشب بيغازل صاحبتها رانيه اللّي أطول منها، أو زميلتها رجاء اللّي بتحط حومره أكثر على شفايفها، أو ناديه اللّي ما بتخلي إشي ما بتكتبه في المحاضرة علشان يوخذ دفترها ويصوره،  أو إنّه  صديق لكل  صاحباتها على الفيس، ومش مخلي بنت اللّي تارك أفضاله عليها.

 

بتتجاوز النكسه الأولى والثانيه؛ وبتكتشف إنه الشباب في الجامعة ناكتين وفاضين، وطفرانين، أشكال وأجسام على الفاضي، وبالصدفه أو بالترتيب المتعمد، بتصير تتحركش في حارس البوابه أو شفير التكسي أو صاحب السوبرماركت، أو اللّي بصوّر دوسيات على باب الجامعه، أو اللّي بيعبي كروت موبايل، ولمّا بتتطوّر العلاقه شوي، بتكتشف إنهم ما بيستاهلو اللّي في اجرها.

 

سنه رابعة ببلش يدق ناقوس الخطر، وزامور الإسعاف، بيكون باقي فصل أو فصلين على التخرج، وهي عارفه وين رح ترجع، للجلي والمسح والتعزيل والناقر والنقير، وهذا ديري بالك على مالك ومرح حتى نروح على العقبه يومين، وهذيك ديري بالك على تالا وساره حتى نروح على عرس العبد ونيجي، وبتصير البيبي ستر لأولاد خواتها واخوتها وعماتها وخالتها والجارات.

وكمان بتصير متأكده إنّه شباب الجامعة كلهم  مش تاعين جيزه وبتكون صارت تتعاطف معهم، لأنهم ضحيّة البطالة والسياسات الغبيه، وأنهم بدفعوا ثمن الفساد والكسل والركود الإقتصادي المحلي والعربي والعالمي، وهون بِتبَلّش تستعرض اولاد اعمامها وعماتها واخوالها وخالتها، وأولاد الجيران، اخوة جيزان خواتها، وأولاد جيران خواتها المتجوزات واللّي على وجه جيزه، تختار وتنقي...

 

أنا نفسي أعرف ليش أهلنا بدرسونا في المدارس والجامعات، خلص للصف السادس وبيكفي.

 

الحسره بتبلش توكلها على الكلام الحلو اللّي سمعته طول السنوات الماضية من الدكاتره عن الحرية والعداله وحقوق المرأه والمساواه.. "بيكونوا يستعرضوا علينا بالحكي النظري، العلاقه بين الآباء والأبناء، حرية الإختيار للمرأة، الذمة المالية المستقله للمرأة، وكلام كثير كبير بينسف الـ 18 سنه اللّي عرفت وتعلمت فيهم أشياء غريبه وعجيبه على انها مسلمات وقدر إلاهي لا يمكن تغيره، وخصوصاً الدكتور المنتصر بالله اسماعيل، هذا بالذات خرّب بيتها وبيت أجيال عشرات من أشكالها، الأخ بيحكي كأنه عايش بفرنسا أو السويد، بيحكي عن حرية المرأة وحرية الرأي والإختيار، وقدرة الإنسان على إحداث التغيير، والأمل والطموح والعداله والمساواه، وإنه الواحد ممكن يغيّر من تصرفاته إذا غيّر معتقداته وأراؤه،  وتحدى العادات والتقاليد الباليه، كلامك سليم يا دكتور المنتصر بالله اسماعيل، بس غير قابل للتطبيق عنا وفي بيوتنا، مع أبائنا وأمهاتنا وعمّاتنا وخالاتنا ونسوان أخوالنا. لأنه هذا الكلام بيصير منطقي وصحيح، إذا كانوا اللّي حولنا متعلمين وبفهمو.

 

وهيك بتكتشف إنّه الكلام هذا صحيح حلو، ومنطقي بس مش لأشكالها، لأنه المتعلمه اللّي بدها تستفيد من علمها وثقافتها، بدها ناس حولها متعلمين، أب أم واخوه وخوات، وأعمام وأخوال، وعمات وخالات وجيران، وبنات حماتها وحماها وسلفاتها واسلافها  واللّي راكبين معها في السياره، واللّي ماشين في الشارع، والعايشين في العماره والحاره والبلد والمدينه والدوله.

 

نسيت احكيلكم؛ لمّا ورقة التوت  والعجينه سَحلت عن حلق الباب ووقعت على الأرض؛ مرت خالي أم العبد، اللّي صارت حماتي، ولما تلاقت عيون أمي وعيوني وعيونها، قالت واسمعتها، وأنا كنت لابسه بدلة العرس والطرحة على راسي، وبعدني بنت، وعروس جديده، وبدون ما يعرفو خيري من شرّي.

قالت واسمعتها:

_الله يسترنا هاي من أولها مش ثابته.

 

وهيك ورقة التوت والعجينه قررت مصير زواجي وحياتي للسنوات الجايه، لأنها وحده زي مرت خالي بين قوسين حماتي، رسمتلي مستقبلي وقدري وعلاقاتي بورقة توت وعجينه سحلت عن حلق الباب.

 

 

 


[1] سجل المواقع والمواضيع التي يزورها المتصفح.