الثلاثاء  16 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حادثة "عميرة هس" كثرة الحيرة، قلة الخبرة بقلم: أمير داود

2014-10-01 11:36:52 PM
حادثة
صورة ارشيفية

حسناً، الحديث اليوم كله منصب على حادثة طرد الصحفية الاسرائيلية "عميرة هس" الكاتبة في صحيفة هآرتس العبرية، من جامعة بيرزيت، للتوضيح فقط: أقدم مجموعة من الطلبة على طرد الصحفية المناصرة في الكثير من مقالاتها لقضايا الفلسطينيين أثناء مشاركتها في فعالية علمية من الجامعة، بداعي رفض التطبيع، وبادعاء أن على "عميرة هس" أن تغادر فلسطين كلها اذا كانت ضد الاحتلال كما تدعي، في خطاب يحمل مشكوكية عالية وغير ضرورية لجوهر خطاب هذه المرأة. انتهى التوضيح.

الصورة كلها مربكة ومرتبكة، صورة الكاتبة الاسرائيلية "عميرة هس" صاحبة أكثر المقالات العبرية "ترجمةً" لصالح الصحف العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً، نظراً لاصطفافها غير المعتاد الى جانب أكثر القضايا الفلسطينية الوجودية الحاحاً؛ وهي تطرد من جامعة بيرزيت بحجة أنها "اسرائيلية" وأن قوانين الجامعة تمنع هذا النوع من التواجد درءاً لتهمة التطبيع، أثارت هذه الصورة أسئلة كبيرة حول الأدوات الممكنة في الحفاظ على لمّــــــاعيّة سلاح محاربة التطبيع، وهل حقاً هذا هو التطبيع الذي علينا محاربته؟

كل نقاش يقوم على "تبرير، أو الغاء شرعية" سلوك فردي أو جماعي آخر، في المحصلة، يضعف جودة هذا النقاش،  هذا هامش غامق ومرتبك في جوهره،  اذ أن الأصل في هذا النوع من النقاشات هو في إحداث مراجعة معرفية لهذه الأدوات النضالية التي صارت الآن محل اعادة دراسة ونظر، -الطرد كأداة- بمقابل عدم الانزياح الى نقاشات ايديولوجية لا تقدم ولا تؤخر. ثم أن استدعاء سؤال مطروق اساساً في هذا النقاش حول ماذا نريد نحن الفلسطينيون بالضبط؟ يبدو أكثر فائدة الآن في محاولة الفهم الطويلة والمعقدة، لجوهر الصراع، والذي بدوره - أي السؤال- يسحبنا بسلاسة إلى منهجية أخرى في فحص هذه الآداة، الطرد، في حملة "منع التطبيع" التي تحولت إلى منهجية غامضة ومؤذية في بعض الأحيان نظراً للالتباس الكبير الذي يشوبها، على الأقل الآن.

وانطلاقاً من سؤال؛ هل وجود عميرة هس في جامعة بيرزيت كمشاركة أو متحدثة في ندوة علمية، يأتي في اطار التطبيع الذي علينا محاربته؟ أم أنه في اطار آخر، مختلف، أتجنب الغوص في فرضياته منعاً لانحياز محتمل؟

في السياسة الفلسطينية المعاصرة، اسست مصلحة الجماهير، أو النظرة الانتخابية في اطارها الأشمل، للكثير من القرارات التكتيكية أو ما يسمى عادة بما هو "تحت استراتيجي"، بل وكانت المحرك الأساس لها بمعزل عن المصلحة الوطنية التي الأصل فيها البحث عن اضافة عناصر القوة للحالة النضالية برمتها، هذا التأسيس غير المدروس والمستعجل سبب انتكاسة كبيرة ومستمرة في عملية المراجعة الشاملة للذهن السياسي الفعال والعامل في الساحة. اذ لا يمكن فهم حادثة الطرد هذه في غير سياق التطرف القائم على مداعبة مشاعر الجماهير والشارع المتحسس أصلاً بعد العدوان الأخير في غزة. وهو حديث يقودنا إلى سؤال، ماذا يفضّل الفلسطيني الآن، بين خيارين، أن يرى اعلاماً اسرائيلياً أحدثت فيه "عميرة هس" وأصدقاءها اختراقاً نوعياً، في اطار ضبط اهتزازات رأي الشارع عندهم، أم اعلاماً موحداً، مدججاً بالكراهية والتزييف والتوجيه ضدنا نحن؟

لا نريد اسقاطات حرة في اطارها النظري على واقع ملتبس أساساً يحتمل الكثير من التأويل، لكن في نفس الوقت، ألا يمكن احداث مقاربة معرفية من باب الاستفادة من الظرف التاريخي في اطاره الاشمل في قضية احتضان الثورة الجزائرية للطبيب القادم على جناح الاستعمار؟ صاحب أشهر كتاب في العصر الحديث حول روح الثورات. وكيف لفَّ الجزائريون جثمان الطبيب المفكر "فرانتز فانون" في نهاية الأمر بالعلم الجزائري، ودفن على أراضيها، تقديراً منهم وعرفاناً على حالة التضامن الانساني الكبير التي مثلها هذا الطبيب المفكر فعلاً وقولاً.

هنالك اشكالية آخذة بالتشكل وبصورة مروعة في فهمنا نحن الفلسطينيون تجاه الأدوات النضالية، إذ كيف يمكن لنا أن ندير صراعاً أو نضالاً ضد الاحتلال ونحن لا نستطيع التمييز بين المكونات المنضوية تحت شعار "محاربة الاحتلال أو محاربة التطبيع معه"؟

المداليل كثيرة على ضيق أفق التوسع النضالي الأفقي، بمعنى، أن استخدام شعار مثل: على عميرة هس أن ترحل من أرض فلسطين، في اطار الدعوة لاثبات عدم صهيونيتها، هو بمثابة مطالبة اقصائية لحالة تضامن قدمتها "هس" ولم يطلبها ولم يدفع ثمن موقفها الفلسطيني أصلاً حتى تتقدم هي بثمن لاثبات مصداقيتها، ثم قبول "هس" كرأي مساند للفلسطيني، وحضورها فعاليات علمية ومعرفية لا يعني احداث صداقة  بالمفهوم الاجتماعي التقليدي للصداقة، أو في اطارها قبولها كمواطنة في دولة الاحتلال، هذا خلط غير مقبول للأوراق.

حادثة طرد الصحفية الإسرائيلية من حرم جامعة بيرزيت تتطلب مراجعة مع الذات، ووقوفاً مستعجلاً وجدياً مع أدواتنا في محاربة "المحتل الاسرائيلي" نحو ربط ذلك كله بالاجابة السريعة المعروفة "تحرير فلسطين"، إذ أن نزع صفة الخلاقية عن وسائل النضال، حديثها والكلاسيكي منها، هو بمثابة نزع الفتيل السحري لهذه الأدوات، لأنه من غير المقبول الآن المطالبة بانكفاء ساذج مع الذات واحداث تخلٍ واسع عن كل الانجازات التي تحققت على رأسها قناعة هذه الشريحة مع من الصحفيين بعدالة مطالب قضيتنا.

في النهاية، لن تتراجع "عميرة هس" عن موقفها، موقفها الكاشف الصريح لمخططات دولة الاحتلال، لأسباب تخصها وتخص عدالة قضيتنا، لكن الحادثة، تبقى مؤشراً صاعداً وواضحاً في التشكل هنا في الساحة حول مآلات الاستعجال وقلة الحسابات، إلى أن نعي، أن الشعوب لا يمكن لها أن تنتصر وفق تصنيفات ضيقة، كثيرة الحيرة، قليلة الخبرة.