السبت  05 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

دحلان رئيسا

2016-10-02 09:02:02 AM
دحلان رئيسا
الرئيس عباس ومحمد دحلان

 

الحدث- رام الله

 

نشرت صحيفة السفير اللبنانية يوم أمس السبت مقالاً للكاتب عطا الله سليم حمل عنوان: دحلان رئيسا.

 

وفيما يلي نص المقال:

 

فجأةً، وبعد انقطاعٍ طويل عن متابعة الملفّ الفلسطيني، سلّطت وسائل الإعلام ضوءها على وثيقة مسرّبة تعود للرباعية العربية المكوّنة من مصر والأردن والإمارات والسعودية، تستهدف ترتيب البيت الفلسطيني الداخليّ. تقدّم المبادرة خريطة طريق لحلّ الخلاف الداخلي بين أجنحة حركة «فتح» في بادئ الأمر، قبل التطرّق إلى سبل معالجة الملفات الأمنية والقضائية بين حركتي «فتح» و«حماس»، والتي تراكمت نتيجة تفجّر الخلاف العسكري بينهما العام 2007.

 

تحتوي المبادرة أيضاً على بندَين يتعلقان بضرورة وضع خطط لإعادة تفعيل مؤسسات «منظمة التحرير الفلسطينية»، وتجديد الشرعيات من خلال انتخابات عامة تشمل المجلس التشريعي والرئاسة الفلسطينية والمجلس الوطنيّ. وفي معرض تطرّقها إلى المصالحة الداخلية في حركة «فتح»، تركّز الوثيقة على عودة محمد دحلان، وهو القيادي المفصول من الحركة وصاحب العلاقات الأمنية والاستخبارية المتشعبة عربياً ودولياً. ويعدّ دحلان من أبرز الأسماء التي يتم تداولها منذ زمن، لخلافة الرئيس الفلسطيني الحاليّ محمود عباس.


قبل أشهرٍ ثلاثة، عُقد في العاصمة الفرنسية باريس اجتماع دولي حضره ممثلون لتسع وعشرين دولة بدعوة من الخارجية الفرنسية. تمخّض عن هذا الاجتماع بيان هزيل دعا إلى مؤتمر دولي تحضره المكوّنات العربية والدولية المنخرطة في ما يُسمّى عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. من شأن هذا المؤتمر، كما تسرّب من أروقة الاجتماع، أن يُطلق دينامية سياسية تتمخّض عنها أوراق عمل ولجان متخصّصة لمعالجة القضايا العالقة بين الجانبين، وهي كثيرة ومتشعّبة.

 

بدا من كلام وزير الخارجيّة الفرنسيّة حينها أنّ خطّة فرنسية ستنتج مساراً طويلاً يمتدّ لأشهر، قبل أن يتوّج بلقاءٍ فلسطينيّ ـ إسرائيليّ مباشر في إطار مؤتمر يضم الدول المعنية بعملية «التسوية». كما وردت في البيان الختامي للمؤتمر فقرة تسوّق لمبادرة السلام العربية التي أطلقت من بيروت العام 2002، والتي تنصّ على مصالحة كاملة بين العرب وإسرائيل مقابل انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة العام 1967، علماً أن بند إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم ظل موضع جدل لم تحسمه المبادرة. وحجة بعض العرب آنذاك تمثلت في أنّ تضمين المبادرة حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين سيقابله رفض إسرائيلي مطـلق، وبالتالي سقوط المبادرة تلك.


في السابع من أيلول وخلال زيارته هولندا، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي رداً على سؤال لأحد الصحافيين، «لقد كرّرت مئة مرة وأكرر اليوم (في ما يخص اللقاء بالرئيس الفلسطيني محمود عباس) فإن مكان الاجتماع بالنسبة لي ليس مهماً... هولندا، أو موسكو، أو أي مكان آخر، ليس في أي منها مشكلة ولا في أي مكان آخر». وكان محمود عباس قبل ذلك قد أكّد استعداده للقاء نتنياهو في كوسكو أو أي مكان آخر، لأن الحوار، كما قال، «مهم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة».

 

أمّا من جانب موسكو، فقد أعلن ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي في حديث مع وكالة «نوفوستي» بعد لقائه القيادة الفلسطينية، أنّ روسيا ستواصل التشاور مع إسرائيل وفلسطين حول شكل ومضمون وتاريخ اجتماع زعيمَي الدولتين في موسكو. كرّت سبحة التصريحات من بعدها من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حول إمكانية العودة الى المفاوضات المباشرة. ويرى معلّقون سياسيون أنّ محمود عباس، وبعد سلسلة إخفاقات في أكثر من ملف وفي ظلّ انعدام الأفق السياسي وفشله في وقف الاستيطان أو الذهاب الى محكمة الجنايات الدولية لمقاضاة اسرائيل، قد يلجأ الى فتح قناة مباشرة مع الحكومة الاسرائيلية. وتبرز موسكو في هذا الاطار كوسيط محتمل بين الجانبين نظراً لعلاقتها الودية بالطرفين.


الأسبوع الماضي، أعلنت محكمة العدل العليا الفلسطينية، وهي أعلى هيئة قضائية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قرارها النهائي بإرجاء الانتخابات المحلية التي كان من المقرر إجراؤها في الثامن من تشرين الأول المقبل في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إشعار آخر، لـ«كون العاصمة القدس غير مشمولة في الانتخابات، ولأن تشكيل محاكم الاعتراضات لم يتم بحسب الأصول»، بحسب قولها. سبقت هذا الإعلان طعونٌ عديدة قدمتها حركة «حماس» ضدّ قوائم حركة «فتح» بحجة تضمنها شوائب قانونية، فيما تشير بعض المصادر القيادية في «فتح» بأنّ الطعون المقدمة من حماس تظهر خشية الاخيرة من تضاؤل شعبيتها في قطاع غزة وحضورها الرمزي أصلاً في الضفة الغربية.

 

أياً يكن موعد الانتخابات المحلية الجديد، فإنّ هذا الاستحقاق سيشكّل «بارومتراً» أساسياً لمعرفة حجم شعبية ونفوذ القطبين الاساسيين في الساحة الفلسطينية، أي ستبني الدول الكبرى والمؤثرة في الملف الفسلطينيّ حساباتها على ضوء هذه الانتخابات، خاصةً أنّ نتائج الانتخابات البلدية عادةً ما تعكس المزاج الشعبي العام، لينعكس فيما بعد هذا الأمر على الانتخابات التشريعية.


يبدو من خلال وثيقة «الرباعية العربية» أن هناك نيّة للإتيان بدحلان رئيساً للسلطة خلفاً لأبو مازن، وهذه ليست فقط رغبة أطراف «الرباعية» بل رغبة الولايات المتحدة أيضاً. فالأخيرة تسوّق لاسمه منذ وقتٍ طويل. ويمكن الاستنتاج أيضاً من مداولات مؤتمر باريس، وما تبعه من حديث عن احتمال عقد لقاء قريب بين الرئيسين الفلسطيني والإسرائيلي، أن ثمة اتجاهاً لإعادة إحياء مسار مختلف من التعاون مع إسرائيل ترعاه قيادة فلسطينية بديلة.

 

أمّا المغزى من إجراء الانتخابات البلدية في هذا الوقت بالذات، علماً أنّ آخر مرة أجريت كان العام 2005، فيتمثل بالرغبة في قياس شعبية كل من «فتح» و «حماس»، تمهيداً لانتخابات تشريعية ورئاسية قد تكون واحدة من آليات عديدة تدرس للإتيان بدحلان رئيساً. علماً أن تعــذّر اعتمــاد الآلية «الديموقراطية» للمجيء ببديل للقــيادة الفلسطينية كان قد دفع تل أبيب إلى اعتماد منهج آخر في السابق، وما مآل الرئيس الراحل ياسر عرفات إلا مثال على ذلك.