الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الصحافة الإسرائيلية عميرة هآس: فلسطين حُرة على خريطة الثقافة العالمية

2016-10-15 05:58:56 AM
الصحافة الإسرائيلية عميرة هآس: فلسطين حُرة على خريطة الثقافة العالمية
معرض "عودات" ضمن فعاليات "قلنديا الدولي"

 

الحدث- القدس

عميرة هآس- هأرتس

 

توجد ندبة على الجبين، استضافة في بيت حجري عثماني لافت، أريكة تنقلت بين الحواجز وكثير من الطاقة الابداعية تشد خيطا مخفيا، لكنه قوي، بين عبلين في الجليل وبين رام الله. فيديو "ِنموسينا" لإيناس حلبي، التي فازت في هذا الاسبوع بجائزة الفنان الفلسطيني الشاب لمؤسسة القطان، والتي تتم مرة كل عامين منذ العام 2000.


على مدى عشرة ايام في شهر حزيران أجلست حلبي 17 شخصا من أبناء عائلتها بشكل منفصل على الأريكة في ساحة بيت الجد والجدة في عبلين. وسألتهم ثلاثة اسئلة متشابهة تتعلق بالندبة التي كانت على جبين الجد. وجعلتهم يُقسمون أنهم لن يتحدثوا في ما بينهم عن الاسئلة التي تم توجيهها لهم. إجابات تسعة منهم تخلق فسيفساء مصورة تتركب من العودة إلى التفاصيل. ولكن أيضا من الفوارق التي قد تنبع من النسيان أو من اعادة انتاج الذاكرة الجماعية.


حلبي (28 سنة) من مواليد القدس (والديها من مواليد الجليل، انتقلا بسبب العمل قبل سنوات إلى العاصمة)، تقول إنها اهتمت دائما بهذه الأمور: الذاكرة، بناء الذاكرة، النسيان، الذاكرة الجماعية التي تسير باتجاه الرواية التاريخية أو تتحول إلى ميثولوجيا.


إن مسابقة الفنان الشاب على اسم حسن حوراني (رسام واعد، وكان أحد الفائزين بالمسابقة الأولى في العام 2000، والذي غرق في شاطئ يافا في 2003)، تحولت إلى تقليد في رام الله وهي ديناميكية نظرا لحقيقة بحثها عن كفاءات جديدة. ولكنها تتداخل مع تقليد ديناميكي آخر يتشكل أمام ناظرينا: كمان للثقافة والفنون. منذ العام 2012 تلتقي مرة كل عامين مؤسسات الثقافة والفنون الفلسطينية في مشروع طموح ومتواصل يستمر حوالي شهر. وفيه يتم حوار موضوع مركزي واحد حول المعارض والجولات والنقاشات. وفي هذا العام كان الموضوع هو العودة.


في فترة الانقسامات السياسية والجغرافية المخيبة للآمال، وبسبب الاغتراب العميق بين المجتمع وقادته، تقترح مؤسسات الثقافة الفلسطينية نموذجا مختلفا: التخطيط، التنسيق، التوحيد والاندفاع. في العام 2012 توحدت خمس مؤسسات معا من اجل اقامة المسابقة الاولى. وفي هذه السنة، في المسابقة الثالثة، وصل العدد إلى 15. هذا نموذج ناجح لدمج الافكار والقوى والتمويل، يسعى إلى جذب المزيد من الناس إلى الفنون وتعزيز مكانة الفلسطينيين في خارطة الفن الدولية.
فلسطين في هذا السياق هي كيان ديناميكي أيضا، تصل حدوده إلى حيث يسكن كل فلسطيني وفلسطينية ممن يشاركون في المشروع أو يستطيعون المشاركة فيه كفنانين ومشاهدين. في الجزائر مثلا، تعيش الفنانة سومر سلام، وهي لاجئة مزدوجة، ولدت في دمشق في سنة 1988. وهي ابنة لعائلة فلسطينية هربت من سورية ووجدت ملجأ لها في الجزائر. وقد فازت سومر بالجائزة الثانية في المنافسة على فيلم الفيديو باسم "مبنى لا يرحم": "بطانية نسجت بصنارة واحدة تغطي الجسم، مثل التي يتم إعطاؤها في الملجأ وتتمزق. حركات الأصابع المتكررة تقوم بفعل الشيء ونقيضه".


عبدالرحمن القطناني، من مواليد مخيم صبرا للاجئين في لبنان، عُرضت اعماله في اطار المسابقة في معرض جماعي في دار النمر للفنون والثقافة في بيروت. صديقه في الفيس بوك هو محمد حواجري، من مخيم البريج للاجئين، هو كنز المعرض الذي يتم في نفس الوقت في غزة. وقد شارك في مسابقات سابقة للقطان. وفي العام 2012 عرض عدد من الرسومات التي لا تُنسى والتي ينتقم فيها من الجنود بطريقة هزلية عنيفة – كانت رسوماته معروضة في معرض "المعمل" في القدس.
يتم عرض فيلم هند شوفاني في عمان في الأردن، وهي من مواليد لبنان. الفيلم عن والدها الياس الذي هو من مواليد معليا في الجليل وخريج الجامعة العبرية، الذي تنازل عن مهنته الاكاديمية في الولايات المتحدة من اجل الانضمام إلى فتح في لبنان. وفي لندن أيضا هناك عدد من البرامج تتعلق بالمسابقة، وفي حيفا وبيت لحم أيضا. وفي رام الله المعارض والنقاشات الفنية والسياسية تتوزع بين عدد من المباني الحجرية الجميلة قام مهندسو الرواق بترميمها – الرواق هي مؤسسة للحفاظ على التاريخ الاثري الفلسطيني، وهي تشارك في المسابقة.


قائمة اسماء الفنانين والاعمال والحُكام والمنظمين والمخططين طويلة جدا. وهناك عدد من الاجانب ومن سكان الجولان السوري أيضا. الكتالوج المليء بالأحداث والمناسبات التي تتم في نفس الوقت (والتي ستستمر حتى نهاية تشرين الاول)، الاسماء والاماكن قد تخلق البلبلة، ولكن رويدا رويدا الأمر يتضح.

ليس مرتبطا بإسرائيل

من اللافت الربط بين المواقع. ومن المؤلم الفصل بينها. يستطيع المجيء إلى المعارض في القدس الزوار من الخارج وسكان القدس (وإسرائيليين آخرين). بيروت وعمان قريبتان بخط جوي وبعيدتان بسبب الحدود التي لا يمكن تجاوزها. وغزة هي نفس غزة – مغلقة. بحرها قريب ويمكن الوصول اليه من قبل الناس في القدس ورام الله مثل قرب القمر.


الفنانة الشابة مجدل نتيل لم تتمكن من المجيء إلى مراسيم جائزة الفنان الشاب. لأنها عرفت أنها لن تتمكن من اخراج عملها من القطاع. وقد أعطت وكالة بواسطة الهاتف وبشكل خطي أن يتم تنفيذ فكرتها من قبل آخرين: وسادات من الجص مليئة بالتراب مرتبة في صفوف. "الحلم ممكن" هو اسم عملها. وقد جاء في التوضيح أن الارض تمثل العلاقة القوية بين الفلسطينيين وأرضهم وحلمهم المشترك، العودة. دون التفسير الكلامي الذي جاء في الكتالوج، الربط بين غزة وأكياس الرمل أحدث تداعيات حول أكياس الغذاء من وكالة الغوث أو حفر الانفاق من اجل الخروج بواسطتها إلى الحرية. حرية المشاهِدة.


لكن الواقع الفوري ليس قائما في المسابقة. على بعد 5 كيلومترات من رام الله، في ضاحية الرام، منذ بضعة ايام هناك اشتباكات مع الجيش الإسرائيلي. في مساء يوم الثلاثاء قتل شاب في سلوان برصاص الجيش الإسرائيلي اثناء المواجهات هناك. وفي يوم الأحد هدمت الادارة المدنية مبان سكنية: شمال الغور وفي أطراف القدس. في يوم الغفران تم فصل وعزل أحياء فلسطينية في شرقي القدس. ويوم الاثنين منعت إسرائيل عائلة من قرية قريوت من قطف الزيتون حيث تمت مهاجمتهم بالبلطات وإلحاق الضرر بسيارتهم. في حديقة المركز الثقافي "السكاكيني" في رام الله القديمة، في الحافلة التي تنقل زوار إلى المعرض حول الدمار والإعمار في غزة في جامعة بير زيت – الوضع الحالي لا يفرض نفسه.


"بصفتنا نعمل في الثقافة والفنون، يجب علينا التصرف كأحرار"، قال محمود أبو هشهش، مدير في القطان، المؤسسة التي تسعى إلى دعم الثقافة والتعليم في المجتمع الفلسطيني والعربي. "علينا تحرير خيالنا من صعوبات الحياة اليومية – ومن الحدود والقيود التي تفرضها ومنها الاحتلال". أبو هشهش، من مخيم الفوار للاجئين، قال "هذه ليست دعوة للناس من اجل الانفصال عن الواقع، لكن يجب علينا تخيل المستقبل كشعب حر". ويتبين من اقواله أن هذه دعوة للتوقف عن اعتبار الفلسطينيين ضحية لإسرائيل والاحتلال، أي الكف عن النظر إلى الفلسطينيين في اطار السلطة الإسرائيلية الاجنبية.


موضوع العودة أيضا لا يرتبط بالضرورة بإسرائيل. بعد انتهاء المسابقة الثانية بأسبوعين، التقى ممثلو المؤسسات المختلفة من اجل التحضير للكمان القادم. وقد قام شخص ما باقتراح الموضوع العام، "العودة". وقال أبو هشهش في غرفته في مبنى حجري آخر فاخر، فيه مركز مؤسسة القطان، "وافقنا على الفور. ليس بالضرورة فقط بسبب الصلة الفلسطينية، بل أيضا بسبب ما يحدث في العالم وفي المنطقة. النكبة التي تتكرر في اليرموك وغزة، الفلسطينيون وملايين غيرهم الذين يبحثون عن ملجأ. خصوصا في الايام التي يفقد فيها الكثيرون بيوتهم – نحن نعمل ضد التيار ونتخيل العودة. المجتمعات العربية مقسمة اليوم بالحروب، والفلسطينيون منقسمون، ونحن نريد توحيد الفلسطينيين وإيجاد المكان من اجل العمل والتخطيط المشترك".

البحر هو نفس البحر


العنوان الرئيس للكمان الثاني كان "هذا البحر لي". من يعرف أن هذا مقطع من جدارية محمود درويش يعرف، قال أبو هشهش، ومن لا يعرف فسيتعلم. وبالتأكيد فإن الطبيعة الانسانية ستجعل الامر يلامس قلبه. في مقدمة كراسة كُتب: "البحر الذي سقط بدون قصد من حوارنا ومن برنامج العمل اليومي للسياسيين وتحول فيما بعد إلى عنصر آخر من الحصار أو شركا لمن يهربون من الموت، يحمل في داخله القدرة على طرح سؤال حق العودة من السياسة إلى المفروغ منه". في المعارض في غزة وحيفا وعمان وبيروت – التعاطي مع البحر كان مباشرا.


في الدعوة للفنانين الشباب للمشاركة في هذه المسابقة طُلب منهم إعادة تخيل المفهوم الفني "العودة" من خلال مفاهيم مثل عودة، تقادم، انماط، حركة وعودة من اجل مسرحية. هذه الخطوط التوجيهية لامست قلب حلبي، خريجة بتسلئيل، وتحمل الماجستير من غولد سميث، جامعة لندن. فكرة العودة والبحث في ندبة جدها، بشكل فني، ولدت قبل ذلك، لكن الدعوة حركتها.


فقط قبل ست سنوات سمعت من أمها أنه في العام 1948 أصيب الجد بجبينه برصاصة أطلقها جندي إسرائيلي. ولم تعرف كيف سيجيب أبناء عائلتها على سؤال اذا كانوا يعرفون عن الندبة، عندما أجلستهم على الأريكة التي تعود جدها أن يجلس عليها ويقرأ الصحيفة قبل خروجه للعمل في البساتين.


إنهم لا يعرفون ماذا ستسأل. وكان من المهم بالنسبة لها السيطرة على الاطار السريالي. لذلك فإن الأريكة ملائمة ومريحة بجانب مخزن من الصفيح وكرسيان وغصن الزيتون الذي تحركه الرياح احيانا.


حلبي طلبت من أبناء عائلتها تحديد مكان الندبة. هناك من قال إنها في وسط الجبهة. وهناك من قال إنها في الجانب. وأرملته قالت إنه رافق عمته خلال الحرب إلى لبنان فقام الجيش باطلاق النار عليهما وأصابت رصاصة جبينه. وبعد ذلك فقط أدرك أنه ينزف. وفي الوادي التقى مع امرأة هربت مع أولادها وهم يركبون على حمار. وقام الجنود بإطلاق النار عليهم وقتلهم.


وقالت الجدة إنه عند عودته وهو مصاب وصل إلى أحد البيوت وهو متعبا وعطشانا وخائفا وطلب كأس ماء. وانفعلت حلبي. الصدفة تنضم إلى السيناريو. وقبل أن تسمع من جدتها عن كأس الماء طلبت من أبناء عائلتها الشرب من كأس ماء قامت بوضعه بقرب الأريكة، بعد اجابتهم عن الاسئلة مباشرة.


هذا رمز فني يتعلق بالاسم "مِنموسينا"، هي آلهة الذاكرة في الاساطير اليونانية، كما تقول حلبي. وقد أعطي اسمها أيضا لنهر الذاكرة في العزاء، الذي يتدفق بالتوازي مع نهر النسيان. الاموات يشربون منا، قالت حلبي، من اجل نسيان الحياة السابقة قبل أن تتدحرج أرواحهم إلى حياة أخرى.


هناك من شرب كي ينسى الصدمات، وهناك من شرب كي يتذكر. هذه دعوة لكل من يشاهد اولئك الذين يجلسون على الأريكة التي تم احضارها من عبلين إلى بيت ساع – بيت لعائلة نبيلة من القرن العشرين، تم ترميمه وتحول إلى مبنى عام لبلدية رام الله. حلبي التي عرضت الذاكرة الجماعية وأعادتها بشكل مصور بكل تناقضاتها، تروي قصة شخصية عائلية للعودة التي نجحت، مع النُدبة.