الخميس  02 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عزيز العصا يتفق معهم في الوطن، ويرصد اختلافهم على التسميات/ بقلم: محمد شريم

فلسطينيو 48

2016-11-22 02:29:57 PM
عزيز العصا يتفق معهم في الوطن، ويرصد اختلافهم على التسميات/ بقلم: محمد شريم
محمد شريم

 

الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه، هو كتاب بعنوان: "فلسطينيو1948: إجماع على الوطن.. اختلاف على التسميات" لمؤلفه "عزيز العصا"، الصادر عن دار الجندي للنشر والتوزيع في العام 2016. ويتألف الكتاب من (300) صفحة من القطع الكبير، يتوزع على خمسة فصول.

 

بالاطلاع على هذا الكتاب، وجدته يتصف بقدر كبير من الجاذبية والتشويق؛ وذلك لغرابة الموضوع الذي يناقشه واختلافه عن العناوين المألوفة في الكتب التي تناقش الحالة السياسية والتاريخية للقضية الفلسطينية، وإن موضوع الكتاب، وفق ما يوحي به العنوان الذي يحمله على الأقل، يناقش مسألة هي جزء من تفكيرنا السياسي واهتمامنا الوطني، ألا وهي التسميات التي أطلقت على أبناء الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 بناء على اعتبارات (سياسية وجغرافية ولأهداف خاصة بالاحتلال)، ولكن وعلى الرغم من كون هذه التسميات جزءاً من تفكيرنا، فإنه لم يتأت لأي من الباحثين، أو فلنقل لم يدر في خلد أي منهم، أن يضع هذا الموضوع المهم على بساط البحث في كتاب مستقل كما فعل الباحث العصا.

 

يتناول الباحث العصا في الفصل الأول من كتابه أوضاع فلسطين من القرن التاسع عشر إلى عصر النكبة، متحدثاً عن الأحوال التي سادت البلاد في عهد الولاية العثمانية والاستعمار البريطاني وما رافق هذه المرحلة من أطماع من قبل القوة الحاكمة، مروراً بالحركة الصهيونية في الفترة العثمانية ومشروعها المتعلق بالدولة اليهودية، وتوظيف هذه الحركة للديانة اليهودية في خدمة مشروعها الاستعماري. كما يتحدث المؤلف عن مواجهة أبناء الشعب الفلسطيني لهذه التطورات في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مبيناً العلاقة بين الانتداب البريطاني كحركة استعمارية والعقيدة الصهيونية، وقد أكد المؤلف في هذا الفصل مقاومة أبناء الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة للانتداب البريطاني من ناحية، وللحركة الصهيونية من ناحية أخرى، وفي نفس الوقت.

 

أما الفصل الثاني من هذا الكتاب ، فيتحدث فيه المؤلف عن الظروف التي أحاطت بالشعب العربي الفلسطيني خلال النكبة وما بعدها، مناقشاً النكبة من حيث مفهومها ودلالاتها، ويتحدث عن الحالة التي ألمت بالشعب العربي الفلسطيني بفعل النكبة، أو كما عبر عن ذلك المؤلف بقوله (كيف نكبَتْنا النكبة) . كما تطرق الباحث العصا في هذا الفصل من كتابه إلى إعداد الحركة الصهيونية لإيقاع النكبة بالشعب الفلسطيني وعن تنفيذ الهجوم الذي تبع مرحلة الإعداد، ليصل إلى وصف النكبة وهي في ذروتها، ونتائجها التي أفضت إليها.

 

ويمضي الباحث العصا بقارئه في الفصل الثالث إلى واقع النكبة المستمرّة، حيث أشار إلى مظهر من مظاهر هذه النكبة بالنسبة للعرب الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948، ألا وهو صراعهم المستمرّ دفاعاً عن الهوية المستهدفة، وعدّد المؤلف مراحل تطور الهوية التي مر بها هذا الجزء من الشعب الفلسطيني في صراعه دفاعاً عنها، مورداً التقسيمات التي عددها بعض الدارسين بهذا الخصوص، ثم يتحدث المؤلف في الفصل ذاته عن ملامح استمرار النكبة. ولا يغادر الكاتب هذا الفصل دون التطرق إلى المصطلح الذي يسعى الصهاينة إلى تكريسه كواقع قانوني وسياسي ألا وهو مصطلح (يهودية الدولة)، وهذا بالضرورة يعتبر جزءاً من صراع فلسطينيي 1948، والفلسطينيين بشكل عام على الهوية ــ آنف الذكر ــ وهو الأمر الذي ناقشه الباحث عزيز في نهاية هذا الفصل حينما تساءل: هل نعترف بيهودية الدولة؟

 

وفي الفصل الرابع الذي يحمل اسم: فلسطين: إشكاليات التسميات، وهو الاسم الذي أضفى ظلاله على الكتاب، من خلال العنوان الذي اختاره المؤلف للكتاب ككل، حتى يظنه القارئ هو موضوع الكتاب الوحيد، والحقيقة كما أرى أن الكتاب شامل للكثير من جوانب القضية الفلسطينية بشكل يتعدى الوقوف على إشكالية التسميات على أهميتها. حيث يعدد المؤلف في هذا الفصل التسميات التي أطلقت على فلسطين من الشعوب المختلفة منذ القدم ، كما يتحدث عن تسميات اليهود لفلسطين، والتسميات التي أطلقت على مدينة القدس، وعلى (الجزئيات الفلسطينية)، أي المناطق الإقليمية الناتجة عن واقع التجزئة، التي فرضها الاحتلال، وأنا في هذه العجالة لن أتطرق إلى هذه التسميات، تاركاً الأمر للقارئ الذي سيطالع الكتاب .

 

وإلى جانب ذلك يشير الباحث العصا في الفصل نفسه ( الرابع ) أيضاً ، إلى حقيقة انتقال المسميات من الجغرافيا إلى الإنسان، فيما يتعلق بأرض فلسطين المحتلة عام 1948، حيث يتحدث عن المحاور التي تتوزع عليها التسميات المستخدمة في الخطابات السياسية والإعلامية والأبحاث العلمية، وبعد أن يعددها المؤلف يُحَمِّل العرب والفلسطينيين جزءاً من المسؤولية عن هذه التسميات حين يقول: (يتبين مما سبق أن التسميات قد ذهبت في عدة اتجاهات. ويُعتقد أننا نحن السبب في ذلك بسبب تعاطينا معها دون التوقف، مُعمقاً، عند مدلولاتها) ص 208، ويقوم المؤلف بتعداد التسميات التي أطلقت على أبناء الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948م، متطرقاً بشكل بحثي علمي موثق إلى الأسس التي أطلقت بناء عليها هذه التسميات من ناحية، وإلى الصراع الذي خاضه هذا الجزء من الشعب الفلسطيني ونخبُه السياسية والفكرية للتأثير في هذه التسميات، بحيث تستخدم مصطلحات تؤكد على الهوية الفلسطينية للجماهير العربية داخل الخط الأخضر.

 

أما الفصل الخامس، والأخير، فقد تحدث فيه الكاتب عن انعكاسات التسميات على فلسطينيي 1948 على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية والوجدانية، كما تحدث عن التسميات من حيث أنها انعكاس لحالة العزل السياسي لأبناء هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، ولم يغفل الكاتب في هذا الفصل عن أن يتطرق إلى تأثير اتفاقية أوسلو على هذه الفئة من أبناء شعبنا، وبعد ذلك ارتأى الباحث العصا أن يؤكّد ما توصل إليه من خلال دراسته ( أن هناك شيئاً راسخاً هو "الوطنية الفلسطينية" التي أثبتت وجودها وحضورها رغم المحن..) ص 234، ويؤكد الباحث عزيز في كتابه أن (من يبحث مع فلسطينيي ـ48 في شأن تلك التسميات يجد أن هناك ضيقاً يصيبهم، وهم يعبرون عن قلقهم على هويتهم ومستقبل وجودهم على أرض الآباء والأجداد) ص235، ويتحدث في هذا الفصل أيضاً بشيء من التفصيل مع ذكر بعض الأمثلة عن رد النخب السياسية والفكرية من فلسطينيي 48 على هذه التسميات، وعن موقف الرأي العام لدى هؤلاء الفلسطينيين منها.

 

في ختام هذا الفصل (الخامس) يستنتج الباحث عزيز العصا (أننا أمام شريحة من أبناء الشعب العربي الفلسطيني، الذين صمدوا في مواجهة أعتى قوة على الأرض، وتمتعوا بقدرة عالية على "الالتقاء مع الذات"، والمحافظة على الهوية) ص244، ويقترح المؤلف  (التحرك الجاد والفوري لتحقيق حالة من الرؤية المشتركة لصانعي القرار، والقائمين على مصالح شعبنا في فلسطين المحتلة عام 1948، باستخدام التسمية التي تحفظ لهم، أفراداً وجماعات، كيانهم المتمثل أيضاً بتسميتهم المنسجمة مع واقع حالهم ونضالهم اليومي في سبيل المساواة وتحصيل حقوقهم باعتبارهم يحملون الهوية الزرقاء) ص245.

 

بعد ذلك يصل بنا الباحث إلى خاتمة المطاف، أو خاتمة الكتاب، التي يتحدث فيها عن بعض جوانب تجربته في إعداد هذا البحث، والتي امتدت على مدى عامين من الزمن. ثم يورد في نهاية بحثه المصادر والمراجع التي استند إليها، والتي احتلت  مساحة اثنتين وعشرين صفحة من صفحات الكتاب، (ص251ـ 272) وهي متنوعة وتشمل كتباً ومجلات ونشرات ومذكرات ومواقع إلكترونية ومقابلات. ويختم، في نهاية الكتاب، بخمسة ملاحق، تعزز المعرفة لدى القارئ وتعمقها، كما تبين النصوص التي اقتبس منها المؤلف التسميات التي يناقشها.

 

وأخيراً أقول، بعد اطلاعي على هذا الجهد الكبير الذي بذله الباحث عزيز العصا في سبيل إعداد هذا الكتاب القيم، بما شمله هذا الجهد من بحث ودراسة وتصنيف وتأليف، وما استخلصه من النتائج وما قدمه من الآراء، فإنني أتمنى على مراكز البحث والدراسات ومكتبات الجامعات والمدارس والمراكز الثقافية في فلسطين، وغيرها، أن تهتم باقتناء هذا الكتاب لما له من الأهمية في توعية أبناء الشعب العربي الفلسطيني بالحالة الفلسطينية، منذ نشأتها في أواخر العهد العثماني إلى وقتنا الحاضر، بشكل مصدَّق موثّق، كما أتمنى على الجامعات أن تجعله جزءاً من المراجع التي تستند إليها في دراسة وتدريس الواقع الفلسطيني.