الإثنين  12 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ماذا تريد مصر من الاقليم؟ / بقلم: بهاء الدين عياد

2016-12-08 07:22:09 PM
ماذا تريد مصر من الاقليم؟ / بقلم: بهاء الدين عياد
بهاء الدين عياد

 

اثارت تفاعلات السياسة الخارجية المصرية إزاء مجمل الازمات والقضايا المتلاحقة في المشهد الاقليمي المرتبك، تساؤلات المتابعين والمحللين وصناع القرار دخل وخارج مصر، بصورة جعلت لسان حالهم يردد في حيرة: "ماذا تريد مصر؟" في سوريا وليبيا والعراق وفلسطين واليمن.. ماذا تريد القاهرة من اتخاذ مواقف وسياسات قد تبدو متباينة إلى حد التعارض والتناقض والغموض؟

 

ولكي يبتعد الحديث عن التعميمات والعبارات المرسلة، فقد تساءلت عدة أقلام حول تناقض العديد من المواقف المصرية، ليس فقط بعد واقعة التصويت مؤخرا لصالح مشروعي قرارين متعارضين في مجلس الأمن بشأن سوريا، ولكن المتابع لتفاصيل المشهد الاقليمي، سيجد للوهلة الأولى ان القاهرة تتخذ الكثير من المواقف الغير متسقة مع نفسها، فهي تعلن مساندتها للاتفاق السياسي الليبي في الوقت الذي تدعم فيه معارضيه، وتتهم بين الحين والاخر بدعم خصوم القيادة الفلسطينية في الوقت الذي تجدد فيه دعمها لتلك القيادة، ولماذا ايدت مصر التدخل العسكري الروسي في سوريا في حين ان موقفها الدائم مع الحل السياسي فقط للأزمة، وكيف تعقد "الدولة المصرية" أو تسمح بانعقاد مؤتمرات لخصوم السلطة الشرعية التي تتحالف معها في فلسطين، وهل تتجه مصر للتقارب مع إيران في حين انها تحرك قطعها البحرية لمواجهة النفوذ الايراني في باب المندب، وتتضامن مع دول الخليج في أول شكوى رسمية يقدمونها ضد إيران في الأمم المتحدة؟ وما سر الزيارات المتكررة لمسؤولين مصريين إلى لبنان وهل يعد ذلك تقاربا مع حزب الله؟ وهل التقارب المصري-العراقي يعني اصطفافا إقليميا ضد مواقف حلفاء مصر الخليجيين؟!.. وهل يعني ذلك مجرد محاولة من مصر لإمساك العصا من المنتصف في كل هذه القضايا أم أن المواقف والتحركات المصرية تحكمها محددات لحظية ونفعية مرتبطة بظروف كل قضية وتوقيتها وحسابات المصالح في كل حالة، أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك؟

 

ما من شك أن السياسة الخارجية كمجموعة من الاهداف والمحددات والتحركات التي تضعها وتنفذها مؤسسات الدولة في تفاعلاتها وعلاقاتها بالعالم، لا ينبغي ان تكون متضاربة او متناقضة في تفاصيلها الهامة وغاياتها واهدافها الرئيسية، فلا يمكن لأي دولة صاحبة دور إقليمي أن تتخبط خطاها وتفقد مصداقيتها نتيجة تعارض تحركاتها وتناقض مواقفها، فيستخف بها خصومها وأعداءها، ولا يعول عليها حلفاءها، ومن ثم فإن هناك حاجة ملحة إلى تفسير ما يبدو من تناقض في المواقف المصرية، هل هو انعكاس لحالة من عدم الاتفاق بين المؤسسات والاجهزة المعنية برسم وتنفيذ السياسة الخارجية (الرئاسة، الخارجية، المؤسسات الأمنية، الدبلوماسية البرلمانية والشعبية.. إلخ)، أم يرجع ذلك إلى تباين أهداف مصر في التعامل مع كل "حالة" رغم وحدة الغايات والاهداف النهائية لتلك التحركات.

 

وبحكم عملي البحثي والصحفي ومن واقع استنتاجات وقناعات ناتجة عن متابعة دقيقة لكواليس السياسة الخارجية المصرية خلال الخمس سنوات الأخيرة الأكثر تقلبا في تاريخ مصر الحديث، أستطيع القول أن هناك عدة مفاتيح وملاحظات لفهم طبيعة السياسة الخارجية المصرية خلال الفترة الراهنة بإمكانها الاجابة على السؤال المحير "ماذا تريد مصر من الاقليم؟".. ولعل من أبرزها:

 

(1) أولوية دعم الدول في مقابل الجماعات، والجيوش الوطنية ضد تصاعد الميليشيات، ولعل ذلك ما يعطي انطباعا للبعض بأن المحصلة النهائية للسياسة الخارجية المصرية داعمة للمستبدين/ الثورات المضادة، في حين انها تنطلق من رغبة في الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها ومنع التفكك بقدر الامكان في الدول التي تشهد أزمات ومن ثم الحفاظ على ما يمكن إنقاذه من النظام الإقليمي ومنع التفكك والانهيار. ولعل ما نتساءل بشأنه ماذا ستفعل السياسة المصرية إزاء ميليشيا يتم دمجها تحت راية جيش وطني (العراق) أو اعادة بناء جيش من مجموعة ميليشيات (ليبيا) أو جيش تدعمه ميليشيات طائفية/ أجنبية (سوريا)؟.. ولعل هذا المبدأ قد بدا واضحا في مواقف مصر وتحركاتها الاقليمية وعبرت عنه الدبلوماسية المصرية كثيرا في المحافل الدولية والاقليمية وأخيرا خلال المقابلات الاعلامية التي تخللت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي الأخيرة إلى البرتغال.. ولكن السؤال هل لا يزال الجيش الوطني والدولة الوطنية قائمين بمعناهما التقليدي في عالمنا العربي اليوم؟ وهل استخدام ادوات التأثير للعب الدور لا تقتضي القبول بوجود تلك الأشكال الميليشياوية والتعامل معها كأمر واقع بغية تعديل أو حتى إلغاء وجودها؟

 

(2) رفض تدخلات دول الجوار ومحاولاتها للهيمنة على سياسات المنطقة، فبغض النظر عن التوتر الراهن بين القاهرة وأنقرة، دائما ما كان لمصر حساسية خاصة إزاء تعاظم دور دول الجوار العربي وتأثيرهم في الإقليم (تركيا – إيران - إسرائيل)، ولكن هذا المبدأ يتناقض مع بعض المواقف المصرية، إذ ان مصر في نفس الوقت لا تشعر بالارتياح إزاء محاولات بعض الدول العربية لتعزيز حضورها ودورها الاقليمي على حساب دور مصر الذي تراجع لسنوات إن لم يكن لعقود، فكيف يتسق ذلك مع أولوية دعم "عروبة" النظام الإقليمي، والوقوف بوجه المشاريع الاقليمية البديلة و"الشرق الأوسط" بنسخه الكبير والجديد و"الكومبو" ! وهل موقف مصر الرافض للتدخلات التركية والايرانية في المنطقة، يستوي مع عرضها صفقة "السلام الدافئ" مع "الجارة" إسرائيل بما يعني أن تسمح بأن تكون قاطرة إقليمية لاندماج هذا العضو الشاذ في المنطقة، حتى لو في مقابل السلام العادل، في الوقت الذي ترفض فيه تطبيع علاقاتها مع اقدم دول الإقليم؟!

 

الخلاصة، لا يعني ما سبق أن السياسة الخارجية المصرية تنطلق فقط نحو أهداف نبيلة أو تتحرك من "كتالوج" القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة أو مبادئ التعايش السلمي وحسن الجوار ونظرية السلام الديمقراطي وغيرها، فهي في النهاية سياسة واقعية تتحرك في إطار برجماتي، كما ان تحركها البرجماتي لا يعني ايضا بالضرورة انه يتسم بالرشادة ويتم بالضرورة بحسابات عقلانية، وليس الهدف من استعراض مبادئ ومحددات السياسة المصرية هو الدفاع عنها، فهناك العديد من المواقف والسياسات الخاطئة التي ربما اطاحت بالرصيد التراكمي لإنجازات أخرى، وهو ما يجدر بنا تناوله في مقالات لاحقة للإجابة عن نفس السؤال: "ماذا تريد مصر من الاقليم؟".