الخميس  02 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ترجمة "الحدث"| عباس السياسي أصبح عباس رجل الدولة

2016-12-09 08:58:29 AM
ترجمة
الرئيس خلال مؤتمر فتح السابع (تصوير مجدي محمد- AP)

 

ترجمة: أحمد بعلوشة

 

نشرت صحيفة هآرتس مقالاً تحليلياً للصحفية الإسرائيلية عميرة هآس تتحدث فيه عن مجمل وضع مؤتمر فتح، وعن قيادة الرئيس محمود عباس وعن إدارته السياسية.

 

وفيما يلي النص الحرفي المترجم للمقال:

 

في كلمته أمام ممثلي فتح، أوضح الرئيس الفلسطيني ضمنياً أن شعبه يجب أن يتخلى عن الكفاح المسلح، وأن يركز على أهداف يمكن تحقيقها. والتركيز على أهداف يمكن تحقيقها.  وحتى الآن فإن سلطة الرجل لا تنبع من هذا الموقف، وإنما من سيطرته على الأموال والوظائف.

 

محمود عباس الذي يتحدث عنه المؤتمرون فيما بينهم، والذي يتحدث أمام الصحافة، كان في المؤتمر السابع ذكيا وسياسياً مراوغاً. حيث تمكن من طرد المعارضين من حزبه، في حين قام بوضع آخرين على هامش التنظيم، فضلاً عن جعل قرارات اللجنة المركزية تذهب إلى التلاشي تدريجياً "مثل وقف التعاون الأمني مع إسرائيل".

 

عباس ألقى خطاباً امتد لساعتين ونصف أمام 1400 مشارك في اليوم الثاني من المؤتمر، كرجل دولة ماهر، وواثق من نفسه، قائلاً أمرين: نسيان الكفاح المسلح كوسيلة لتحقيق الأهداف، والتركيز على واقعية الأهداف وإمكانية تحقيقها.

 

لم يكن عباس يقول تلك الأمور بصورة مباشرة، لأن هذه التصريحات هي خارج الخطاب السياسي الذي تسمح به الروح الوطنية النضالية، ولكن هذه المواقف يمكن استشفافها من خلال ما لم يقله.

 

في أول يومين من الجلسات المفتوحة في المؤتمر، أرسلت تلك الجلسات رسائل واضحة بأنَّ الأمور ستبقى كما هي عليه.

 

تم إعادة انتخاب عباس (81 عاماً) رئيساً لحركة فتح التي تسعى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل على حدود 1967 واتخاذ القدس الشرقية عاصمة لها. والطريق إلى تحقيق ذلك هو الحل الدبلوماسي والسياسي، بما في ذلك تعزيز مؤسسات الدولة والانضمام إلى الأمم المتحدة كعضو كامل العضوية، والانضامم إلى مئات المنظمات الدولية الأخرى، مع الإبقاء على خيار اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

 

عباس يقوم بإجراء كافة المناقشات بدون فتح وبدون الفلسطينيين (حتى أعضاء فتح البارزين)، وهو الرئيس الذي تحولت حركته إلى حزب حاكم، لديه الوظائف والفرص التي من خلالها يتم السيطرة على الناس. عباس، كما يقولون، هو الشخص الذي شل حركة المجلس التشريعي الفلسطيني، والذي أوجد أتباعه ومواليه في جميع مؤسسات السلطة الفلسطينية، بما في ذلك القضاء. قوات الأمن التي تقع تحت قيادته تقدم دليلاً إضافياً على أنه لا يجوز انتقاد الرئيس، وذلك من خلال الاعتقالات والاستجوابات والترهيب المستمر.

 

ولكن في خطابه المطول، لم يأخذ الخطاب شكل ذلك الخطاب الذي يلقيه الأب أو المعلم، بينما اتخذ وسيلة تقديم خطاب غير معد بشكل كامل وبسيط، وذلك من خلال الحديث المباشر الممتلئ بالنكات والاقتراحات والمداخلات غير الضرورية التي استهدفت النساء وبعض الحضور.

 

وأشاد عباس بالانتفاضة الفلسطينية الأولى (التي حُفرت في الذاكرة الفلسطينية باعتبارها رمزاً للنضال الشعبي من الجماهير ضد الاحتلال)، والمبادئ التي صيغت (دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، مع ضرورة إخلاء المستوطنات). ولم يذكر الانتفاضة الثانية أو الهبة الجماهيرية التي اندلعت العام الماضي. وتطرق إلى المشكلات التي تصيب حاليا الشعوب العربية التي وصفها بأنها (ليست ربيعاً). كما قال إن المستوطنات ستكون خالية تماماً ذات يوم كما حدث في قطاع غزة.

 

وقال عباس عدة مرات إن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية، وأنها ستظل مفتوحة لكل شخص أراد ممارسة الشعائر الدينية (بدون وجود قانون للأذان أو نقاط التفتيش يوم الجمعة). وكرر أيضا "لقد اعترفنا بإسرائيل ولا زلنا نفعل، ولكن إذا كانوا لا يعترفون بنا [كدولة]، يمكننا إلغاء اعترافنا". ورفض مرتين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.

 

وتحدث عباس حول اتفاق أوسلو (وأشار وجهه إلى أنه يعلم كيف يبغض الكثيرون هذا المصطلح)، ولم يذكر حق العودة، ولكنه شكر 600 ألف فلسطينياً عادوا من الشتات. وأشار إلى مبادرة السلام العربية عام 2002، التي رفضتها إسرائيل، مشيرا إلى واحدة من مقترحاتها - اعتماد قرار الأمم المتحدة رقم 194 بشأن اللاجئين الفلسطينيين (العودة أو التعويض). وتحدث عن الحاجة إلى التحدث مع إسرائيل آنذاك والآن. وقال على سبيل المزاح "أنا أعظم خائن"، مذكرا الجميع بأنه كان أول من أرسل مسؤولا بارز في حركة فتح، عصام السرطاوي، لإجراء محادثات مع إسرائيل في 1970، عندما كان ذلك ما يزال يعتبر من المحرمات (على الرغم من أنه أهمل أن يشير إلى أن سرطاوي قتل بسبب ذلك، في عام 1983).

 

هنا كان يتحدث كسياسي، رئيسا يريد المقربين منه للبقاء في مناصبهم. واحد من المتنافسين لإعادة انتخابه في اللجنة المركزية لحركة فتح كان محمد مدني، الذي يرأس لجنة التتواصل مع المجتمع الإسرائيلي. هو موضع حديث للكثير من المنتقدين الغاضبين. حتى أولئك الذين يؤيدون الاجتماعات مع الإسرائيليين أصيبوا بالصدمة عندما قاد المدني وفداً للقيام بزيارة تعزية لعائلة رئيس الإدارة المدنية للجيش الإسرائيلي، الجنرال منير عمار، الذي لقي حتفه في حادث تحطم طائرة مارس آذار الماضي. وقبل بضعة أسابيع، رفض موظفو متحف محمود درويش في رام الله استقبال مجموعة من الإسرائيليين الذين جاؤوا إلى المتحف برفقة المدني، وفضلوا البقاء في مكاتبهم.

 

وكانت مواقع وسائل الاعلام الاجتماعية ضاجت بشكل كامل ضده. وبدون ذكر اسمه، أشار عباس أن المدني كان يعمل بالطريقة التي يراها عباس مناسبة. "لا تهاجموه ككبش فداء، دعوني أراكم وأنتم تقفون بجانبي"، ألمح عباس.

 

الناس خارج حركة يقولون إن القوة السياسية لعباس تكمن في سيطرته على حركة فتح وأموال السلطة الفلسطينية، ومن خلال سيطرته المباشرة وغير المباشرة على وظائف القطاع العام وأمر وقف مئات الرواتب لموظفين في السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، حيث كان مسؤولو فتح يوقفون راتب أي موظف (يشتبه) أنه موال لمحمد دحلان.

 

ومنذ أن سيطرت حماس أمنيا على قطاع غزة عام 2007، لا زال هؤلاء الموظفون يتلقون رواتبهم من رام الله، بشرط عدم ذهابهم إلى عملهم في المكاتب الحكومية ومراكز الشرطة!وكانت واحدة من أسوأ قرارات عباس، هي تعميق الشرخ بين الضفة الغربية وقطاع غزة. أحد المقربين من عباس قال لصحيفة هآرتس أن دحلان هو من جاء بهذه الفكرة في الواقع، على افتراض أنه سيعجل بانهيار حماس في غزة.

 

مؤتمر فتح السابع الرئيس محمود عباس

 

وظهرت في الآونة الأخيرة أنه في حين تعيين قاض في منصف رفيع في الضفة الغربية، كان يجب عليه أن يوقع على كتاب استقالته الموجه لعباس، وكذا يمكن للرئيس قبول استقالته في أي وقت يختاره، وهو ما اتضح في وقت لاحق بذات الأسلوب، وبذلك.. يضمن رئيس السلطة التنفيذية ذاعة الأعضاء في السلطة القضائية.

 

قضت المحكمة الدستورية أيضا أن الرئيس لديه السلطة لإزالة الحصانة عن أعضاء المجلس التشريعي. الأمر الذي يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الأعضاء الجدد، الذين سيتجنبون غضب الشخص الذي يتحكم في مصيرهم.

 

"هذا هو مؤتمر الوظائف"، كان هذا تعليقاً ساخراً لأحد أعضاء حركة فتح البارزين الذين تم تهميشهم. مضيفاً أن الاتفاق مع الرئيس يضمن لك بقاءك في وظيفتك. والناس الطين يفضلهم عباس لديهم فرص أفضل.

 

الناس الذين هم في مناصب عليا، أو أولئك الذين يملكون مناصب أقل قليلاً (محافظون سابقون، أعضاء قوات الأمن) كانوا أعضاء في هذا المتمر. وصوتوا على ممثلي المجلس الثوري البالغ عددهم 80 عضواً، إضافة إلى أعضاء اللجنة المركزية الـ22. وقامت لجنة التنظيم باختيار اللجان وفقاً لحصص معينة للمناطق المختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك الشتات.

 

وادعى مسؤولون في حركة فتح ان عباس لم يشارك شخصيا في عملية الاختيار، لذلك، على سبيل المثال، لم يكن هو الذي رشح نجليه طارق وياسر. لكن عضو فتح المهمش قال إن المشكلة ليست في المناصب العليا التي يحصل عليها أفراد أسرة عباس -لأن ذلك هو الحال دائما في حركة فتح-، وإنما في عدم وضوح الرؤية في ظل إدراج المصالح الشخصية وتغليبها على المصلحة العامة. فيما اكتشف بعض نقاد عباس، أن اللجنة لم يتم تعيينها من خلال تصويت المؤتمرين على تعيينهم، وإنما جاء ذلك من خلال تعليمات مباشرة من فوق.

 

وقال عباس في خطابه "نحن لسنا حركة أيديولوجية". على عكس المنظمات الفلسطينية الأخرى التي لا بد من وجود الأيديولوجيات في مسارها (دينية أو يسارية)، حركة فتح هي حركة تدعو إلى مسألة واحدة وهي تحرير فلسطين. وتتألف من أعضاء متدينين وعلمانيين وتقليديين ومسلمين ومسيحيين (والتجربة تبين أنها أيضاً مفتوحة لليهود)، وأشار إلى أن فتح لديها أعضاء يمين ويسار، وكذلك مؤسسات اشتراكية وليبرالية جديدة. ولديها أعضاء يسعون إلى دولة واحدة مع حق العودة، في حين أن البعض الآخر يقبل موقفه بشأن السعي إلى فرض ما هو واقعي وممكن. وهذا هو السبب الذي يعزز النظر إلى فتح كحركة تمثل الشعب الفلسطيني بأكمله.

 

في عصر ياسر عرفات، المناقشات والحوارات كانت تجري بين أشخاص يشغلون مناصب مختلفة. وكان ذلك جزءً من النظام وعملية الإقناع من أجل تحقيق توافق في الآراء. ويقول أعضاء فتح أن ذلك أصبح غائباً الآن. وهناك الكثير من أعضاء فتح الذين لا يفهمون مصدر المعركة الرئيسية التي اندلعت بين عباس ودحلان والتي تضر بالحركة. حيث قال دحلان مؤخراً أن الخلاف سياسياً، ولكن أعضاء فتح الذين تحدثوا إلى هآرتس شككوا في ذلك وقالوا إنهم لا يفهمون سبب الخلاف، والتي لا بد أن تكون خلافات شخصية - ربما تنطوي تحت مصالح شخصية- مبنية على الاتهامات المتبادلة وتهم بالفساد. ميرين إلى أن ما فعله عباس مع دحلان يشبه ما فعله نتنياهو مع إيران (افتعال خطر كبير لغرض شخصي وتحقيق مكاسب سياسية).

 

الرئيس عباس مؤتمر فتح السابع رام الله

 

في مخيمات اللاجئين، يقول الناس إن دحلان يستثمر المال هناك من أجل تسهيل حياة الناس - وهو هدف حركة فتح حتى تتصدر القائمة - ولكن عباس قد نسي هذه النقطة. فيما يؤكد دحلان إن أبو مازن يريد تدمير حركة فتح.

 

عباس لم يذكر دحلان بالإسم في خطابه، ولكنه عكس ما قاله دحلان، قائلاً "أولئك الذين يبتعدون عن المسار، يمكن أن يدمروا الحركة، لأنهم يعملون نيابة عن دول أخرى". وقال مراسل هآرتس "هذا المؤتمر له هدف واحد، وهو إضفاء الشرعية على إزالة دحلان ورفاقه من الحركة.

 

أعلن دحلان بالفعل أنه سوف يعقد مؤتمر "الحقيقية" الخاص بحركة فتح في وقت لاحق من هذا الشهر.

 

الأمر الذي ما زال صامتاً حتى الآن، هو النقاش حول وضع استراتيجية جديدة وطرق لمكافحة الاحتلال الإسرائيلي. في اليوم الثاني من المؤتمر، تحدث عباس بالصورة المريحة له، قائلاً أنه بالرغم من العقبات الموجودةن فإن المسار الدبلوماسي ما زال مفتوحاً وواعداً، وهو الطريق الوحيد للمتابعة (من بعض المصطلحات التي دفعت باتجاه المقاومة الشعبية).

 

ويشكو العديد من أعضاء فتح بأنهم يفقدون التأييد الشعبي وأن سياسات إسرائيل تخلق حالات لا رجعة فيها من شأنها أن تؤدي إلى تضخم كبير، دون قيادة لفتح يمكن أن تكون قادرة على استقبالهم في الاتجاهات المرغوبة. عباس ليس مألوفة حقا مع واقع الاحتلال، إلا من خلال التقارير الصحفية ومستشاريه، كما يقولون. حيث أنه لا يدرك مدى بؤس الواقع، الأمر الذي يتطلب تغييرا جذريا.

 

في غياب الدعم الشعبي الواسع، جند عباس المعونة من الوفود الأجنبية، بوجود ضيوف من 28 بلدا، بما في ذلك ممثلين عن الأمم المتحدة، وحصل على شرعيته عندما وعد جميعهم بتقديم الدعم المستمر لنضال الشعب الأعزل في السعي لإقامة دولة إلى جانب اسرائيل.

 

على الرغم من كونه مدركا تماما للطبيعة غير الديمقراطية لحكمه، إلا أن هذه الدول لا تزال تقدم الدعم له بسبب مواقفه الواضحة والتي تحافظ على الهدوء في مواجهة الاحتلال. ومع ذلك، يقول أحد المخضرمين في منظمة التحرير الفلسطينية الذي هو ليس عضواً في فتح إن الأساليب غير الديمقراطية التي يتبعها عباس تعطي انطباعاً مبدئياً سيء السمعة عن عباس كرجل دولة. ويحدد الجمهور الفلسطيني معارضته للكفاح المسلح وتأييد حل الدولتين على أنهما جزءٌ من الفساد والاستبداد.