الأحد  06 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص الحدث | صالح ...بائع القداحات يفقد حظه ويفضل البيع بـ 5 شواقل (فيديو الحدث V)

2016-12-14 05:00:17 PM
خاص الحدث | صالح ...بائع القداحات يفقد حظه ويفضل البيع بـ 5 شواقل  (فيديو الحدث V)
صالح أحمد ( تصوير الحدث)

 

 

الحدث- ريم أبو لبن

 

بائع القداحة في مدينة رام الله، لا تستهويه شعلة اللهب المطلقة من فوهة القداحة " الولاعة"، بقدراهتمامه بالعملة النقدية التي سيجنيها من بيع القداحة ذاتها صاحبة القامة الطويلة، والألوان الزاهية.

 

قد تستوقفك للحظات ردة فعل البائع صالح أحمد (46 عاماً)، عندما يحصل على قطعة نقدية تعادل 5 شواقل بعد أن قدم لك القداحة، وهذا المبلغ الصغير بالنسبة لصالح هو كاف لإعاده، ولم أدرك بعد سر تعلق صالح بالعدد (5)، لاسيما وأنه قام بتعبئة جيبه ذات يوم بالنقود ليستمع لصوت "خرخشتها"، كما وصف لـ "الحدث"، بعد أن قام بتحويل مبلغ كامل بقيمة 200 شيقل، إلى قطع نقدية معدنية ومن فئة 5 شواقل فقط، فلا تغريه الـ 10 شواقل، ولا يجاري من يدفع الشيقل أو النصف شيقل، على الرغم من أن سعر القداحة الأصلي لا يتجاوز الشيقلان.

 

"العدد 5 هو رقم الحظ لدي، ولذا أحب أن أحصل على 5 شواقل" قالها صالح وبجمل متقطعة، فهو يتعثر بالكلمات كثيرا، وأحياناً تستوقفه بعض الأسئلة، وقد يأخذ الوقت الطويل لاستيعاب المضمون والكلمات، وقد ينسى الإجابة ويظل يحدق بعينيه الخضراوين في علبة تحتوي على 10 قداحات، ولنحصل في النهاية على إجابات مكونة من كلمة أو كلمتين، ومنها "أحسن"، و "كيف ما بدك!"

 

من الجرائد إلى القداحات

 

ولد صالح بتاريخ 26/8/1970 في قرية الساوية، والتي تبعد حوالي 18 كم جنوب مدينة نابلس، وهو يقطن الآن مع اخته في بيت واحد، فهي الملاذ الوحيد له، بعد أن تزوج أخوته الخمسة حسب ما ذكر لـ " الحدث"، لاسيما وأن صالح قد فقد والداه منذ الطفولة، ولم يدرك صالح متى توفيا، وما ذكره فقط، وببراءة تشبه براءة الأطفال: "أمي وأبي توفيا، ولا أعلم متى، والآن أعيش مع أختي، وهي تقدم لي الطعام دائماً، وأنا افضل فقط تناول الطعام بصحبتها".

 

وقال صالح: "لقد تزوجت لمدة سنتين، ومن ثم انفصلت عن زوجتي، وكلشي نصيب".

 

وعند السؤال عن الانتقال من بيع الصحف اليومية إلى بيع القداحات، ضحك صالح وقال بصوت منخفض، وكأنه لا يريد لأحد أن يستمع لأسرار حياته، "أنا اسمي صالح، كنت بشتغل قبل 3 سنين في بيع الجريدة، وطردني صاحب العمل، بس احسن..." وصمت قليلاً ثم عاود الحديث، وبعد أن نظر إلي قال: "كانوا يضربوني وانا ابيع، بس لما صرت ابيع القداحات، صارو يسمعوني كلام مش منيح".

 

وأثناء إجراء المقابلة مع صالح، وفي الجهة المقابلة لسينما القصبة في مدينة رام الله، وهي نقطة البيع وتمركز صالح بشكل يومي، قال له أحد سائقي المركبات العمومية "الفورد" مستهزئاً به، "والله كبرت يا صالح، وصارو يعملو معك مقابلات".

 

وقال صاحب أحد المحلات التجارية في مدينة رام الله لـ "الحدث": "أن يعمل صالح في بيع القداحات، أفضل من أن يمد يده للناس، بعد أن توقف عن بيع الصحف اليومية، لاسيما وأنه قضى أوقاتا عصيبة في طلب النقود من الناس".

 

ما هو اليوم يا صالح؟

 

وقال صالح: "هذا ما يحدث كل يوم، ولماذا لا أعلم، انا انسان طبيعي، ولماذا يشتمونني هكذا".

 

وفي المقابل، جاء أحدهم وسأل صالح، ما هو اليوم يا صالح؟ وسأل الرجل هذا السؤال بغية توريط صالح في الإجابة، واستغلال وضعه الصحي وضعف قدرته على التركيز والتحدث، وتبيان حالة عدم الوعي التي يعيشها صالح، ولكن صالح أجابه بعد تفكير مطول: اليوم الأحد يا اخي.. وعندها سألني لي الرجل: "كيف عرف الاجابة وانا وصديقي اطلقنا الرهان، و هل هو يوم السبت أم الاحد! انه رجل غير طبيعي، كيف عرف الاجابة، وهل غشها منك؟"

 

حينها وقفت لوهلة لأسترق الضحكة التي رسمت على شفاه صالح حينها، وقال لي: "هكذا دائما يقولون لي أني لست واع، وبأن عقلي مريض، وعندها يطلقون إلى لشتائم، واحيانا يقولون لي بأنني لست أمينا على أموال غيري".

 

تمر الساعات، وانا أقف بالقرب من صالح، وهو يبيع القداحات، وكل من يمر بالقرب منه، يطالعه ويطالعني بنظرة غريبة، وهم يتساءلون ماذا تفعل تلك الفتاة، بجانب صالح، صالح "المخبول"، وهو الرجل الذي يصفونه بأنه "على باب الله"، والمعظم يشعرونه بالحزن عندما يبدأون بشتمه، وهو لا يجيد فن الرد، واحيانا يرد عليهم بذات الكلمات وهو مبتسم، وكأنه قد حقق انتصارا بتلك الابتسامة التي لا تفارقه".

 

"هو لا يميز النقود"

 

يستطيع صالح تميز المعدن الذي يضم الرقم خمسة فقط، وما تبقى من النقود لا يميزها ويفضل تحويلها إلى 5 شواقل، وقال صاحب محال للصرافة في مدينة رام الله صليبا واهب في مقابلة مع "الحدث" : "اقدم لصالح 10 شواقل، ويقوم مباشرة بتحويلها لعملة معدنية من فئة 5 شواقل، ولا أعلم سر حبه لهذه الفئة تحديداً".

 

وأضاف : "أردت أن اختبره ذات يوم، وقام باعطائي 50 شيقلا وبعملة ورقية، وبالمقابل احضرت له 25 شيقل ومن فئة 5 شواقل، وشعر بالسعادة حينها، ولم ينتبه لما تبقى من المبلغ، ولكن في اليوم الثاني فعلت ذات الشيء وقدمت له ما تبقى من النقود، وشعر بالسعادة، فهو يفضل العودة لمنزل اخته، وجيبه منفوخة بعملة (الخمسات)".

 

وأثناء الحديث الذي دار ما بين صالح وواهب، قال الاخير لـ " الحدث": صالح رجل مسكين، ويحتاج من يمسك بيده ليدله على العمل الجيد، فهو لديه المقدرة التامة للعمل في أي مجال، وهو رجل آمين وليس كما يصفوه، ولا يحصل على اموال دون مقابل، ولكن البعض يستغلون ضعفه ويرغموه على العمل في التنظيف أو في اعمال اخرى ولكن دون دفع المال له، والبعض الاخر يقدمون له المساعدة والمأكل والملبس وحتى النقود الرمزية".

 

" يشتمني وامازحه"

 

" يناديني بالبطة"، " يحتضني كلما مر أمامي"، " يغازلني"، " يشتمني"، " أمازحه"، " يشاطرني فنجان القهوة"، " أدخن بصحبته دخان اللف ابو 5 شيقل وهذا ما يفضله صالح".

 

جمل وتعبيرات قد تصف صالح، واحيانا تترقب صفاته السلبية، والتي يعتبرها البعض ناتجة عن وضعه الصحي، وأخرون يحبذون الاقتراب من صالح، كونهم يتحدثون معه وبعقلية طفل صغير، ويمسكون بيده ليخطو أولى خطواته في الحياة.

 

قال صاحب مكتب عقار نبيل المصري في مقابلة صحفية مع "الحدث": احيانا قد يبدو صالح في حالة وعي، واحيانا اخرى لا اجده كذلك، واحدثه كما احدث طفلاً صغيراً، وجميع تصرفاته تدلل على ما أقول، وليس هناك رجل واعي  يقوم بامسكاك جيبي في منتصف الشارع، ويقوم باحتضاني بطريقة مشابه لاحتضان الأب لطفله، فهو يمتلك عقلية وبتفكير محدود"

 

وأضاف: "ذات يوم قطعت وعداً لصالح بأن أمنحه 5 شواقل، وبعد 3 أيام قال لي : قلت لي بأنك ستمنحني 5 شواقل، اين هي؟ ودائما يقول لي انظر جيبتي ملئية بالنقود، ويقولها وهو مبتسم لانه يملك النقود من فئة خمسة شواقل".

 

" المجتمع ظالم، ومعظم الأشخاص يتعرضون لصالح، ويسببون له المتاعب، فمن سأخذ بيده؟ " هكذا ختم المصري حديثه، وما أكد عليه صاحب محال للصرافة صليبا واهب، وقال الاخير: " لو وجد صالح يد العون مدودة إليه، لما أصبح حاله كما الآن".