الأربعاء  01 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ع77 عن التطبيع الثقافي ومعركة الهوية! بقلم : محمد شريم

إشارة

2017-01-10 06:38:25 PM
ع77 عن التطبيع الثقافي ومعركة الهوية!
 بقلم : محمد شريم
محمد شريم

منذ كان الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين ، وفي إطار محاولةالسيطرة على الأرض وتهوديها ، كان هذا الاحتلال ـ في سبيل تحقيق هذا الهدف ـ يسير  في خطين متوازيين : الأول فرض الوقائع على الأرض بقوة السلاح ، والثاني محاولة إضفاء الشرعية على وجوده ، من خلال الترويج لمصطلح ( التعايش ) والذي يفيد من الناحية اللغوية ( المشاركة في المعيشة ) بين طرفين.

 

وحتى تتحقق المشاركة في المعيشة ، كان لا بد من إيجاد التقبل النفسي لهذه (الشراكة) لدى الطرف المقابل من ناحية ، وربطه بمؤسساته من ناحية أخرى ، وذلك من خلال ما اصطلح على تسميته بـ ( التطبيع ) ، أي جعل العلاقة طبيعية بين القوة المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال ، وهذا ما بدأ بعد النكبة بقليل مع الفلسطينيين الذين صمدوا داخل الخط الأخضر عام 1948 ، والذين استمروا تحت الحكم العسكري حتى العام 1966 ، ليحل محلهم في هذا الواقع الفلسطينيون والعرب الذين صمدوا على الأرض المحتلة في هذا العام الذي سمي بعام النكسة .

 

والمتتبع لهذا الأمر ، يجد أن محاولات التطبيع لم تقف عند هذا الحد ،بل أخذت طريقها إلى البلدان العربية ، والأنظمة فيها على وجه الخصوص ، بعد توقيعمعاهدة السلام مع مصرعام 1979، ولكن نتائج هذه المحاولة كانت محدودة النطاق لاعتبارات كثيرة ، ولكنها أخذت زخماً بعد توقيع اتفاقية أوسلو ، وكأن هذه الاتفاقية قد أعطت بعض العرب المبرر ليقتربوا جهراً أو سراً من ( تطبيع العلاقة مع إسرائيل )!

 

والحقيقة ، أن الشغف الإسرائيلي بالتطبيع لم يتوقف عند حدود تطوير العلاقة ببعض الأنظمة ، من خلال ترتيب اللقاءات معها في المحافل الدولية ، أو الإقليمية ، أو بالتبادل التجاري ـ أو الغزو التجاري بمعنى أدقـ ولكنه أخذ الجانب الأخطر ، وهو الشغف بتطوير العلاقات الثقافية مع الجانب العربي ابتداء من القلعة  الفلسطينية ، فالقبول الثقافي هو الأهم بالنسبة للحركة الصهيونية ، ما دامت المعركة على أرض فلسطين من الأساس هي معركة ( هوية ) .

 

وبناء على ذلك ، كان لا بد للأوساط الثقافية الفلسطينية والعربية أن يكون لها موقف واضح تجاه هذه المسألة التي لا تحتمل المناورة لدى المثقف، كمايفعل السياسي ،فالتطبيع ( الثقافي ) هو بالضرورة مساومة على الهوية ، والمساومة على هوية الأرض هو انتحار ثقافي لا يمكن قبوله ، ويزداد الطين بلة إذا كان التطبيع مجانياً ، كالذي نشاهده بين الحين والآخر ، سواء من قبل بعض أبناء فلسطين أو من العرب الآخرين .ومع هذا فإنه يمكن لنا أن نعمل على تسخير الجهد الثقافي في معركتنا على الهوية من خلال ما أطلق عليه البعض ( الإنزال خلف خطوط العدو ) ، وذلك من خلالالمشاركة في لقاءات تتم على أساس الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف ، كتلك اللقاءات التي كانت تشارك فيها المؤسسات الثقافية الفلسطينية الوطنية قبل إبرام اتفاقية أوسلو ، أثناء الالتحام المباشر ـ على جميع الأصعدة ـ  مع الاحتلال .

 

لقد كانت لي وجهة نظر ، بخصوص هذه القضية ، وقد طرحت وجهة نظري تلك ، من خلال العمود الذي كنت أكتبه باسم (ومضة ) في جريدة (الأقصى) التي صدرت عن السلطة الوطنية مع بداية تكوينها ، حيث كتبت تحت عنوان : (رأي في "التطبيع" الثقافي) محذراً من التطبيع الثقافي العربي ، مع الموافقة المشروطة على الاتصالات التي كانت بين مثقفين فلسطينيين ـ مشهود لهم بالوطنية ـ ونظرائهم المتعاطفين مع الحقوق الفلسطينية ،وهو الرأي الذي يتلخص في الذي وافقني عليه الأديب والسياسي الكبير إميل حبيبي في العمود الذي كان يكتبه في نفس الجريدة باسم ( باق في حيفا ) حيث كتب بتاريخ 21/2/1995 تحت عنوان ( وما أدراك ما الغرض ) : (.. وأجدني متفقاً مع رأي الأستاذ محمد شريم في تعليقه الصادر في " الأقصى "يوم 6/2/95 من هذه القضية بالذات ، وهو أن يواظب المثقفون الفلسطينيون على ما يقومون به ...على أساس "إقرار تلك الجهات الثقافية الإسرائيلية بضرورة تحقيق الحد الأدنى من المطالب المشروعة للشعب العربي الفلسطيني") ، وأعني بذلك المطالب هي التي حددها المجلس الوطني في الجزائر عام 1988 .

 

أماما نراه اليوم من تهافت ـ لدى البعض ـ باتجاه منزلق " التطبيع " ، فإنه يتطلب منا الوقفة الجادة ، لوقف هذه العجلة ، وخاصة من بعضالإخوة العرب الذين يمارسون التطبيع بذرائع شتى ، وبعضها بحجة زيارة فلسطين ، التي في وجهة نظري لا مبرر لها في هذه الظروف مهما كانت الأسباب ،فمع أن الذي يدخل فلسطين هو مرحب به من أهلها ، ولكنه في حقيقة الأمر يدخلها من تحت حراب الاحتلال ، وكم يكون الأمر مسيئاً حينما نرى في اليوم التالي بعض هؤلاء وهم يجلسون في لقاءات ( تطبيعية )مباشرة في تل أبيب أو هرتسليا حتى لو لبست هذه اللقاءات قميصاً من حُسن النيّة كما يدعون!