الأحد  19 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إشارة... التجديد في الوزن الشعري/ بقلم : محمد شريم

2017-01-24 10:22:26 AM
إشارة... التجديد في الوزن الشعري/ بقلم : محمد شريم
محمد شريم

 

لا يختلف اثنان، من أصحاب المنهج العلمي، في حقيقة أن العلوم الدنيوية، في العادة، وما يتعلق بها من آراء ونظريات وقواعد لا تحيط بها أية هالة من القدسية، بل هي قابلة للتعديل أو التبديل أو التطوير، بناء على المنهج العلمي أيضاً، ووفق ما تقتضيه الحاجة، وبضمن ذلكعلوم اللغة والأدب والشعر.

 

والوزن الشعري العربي التقليدي، والذي يتضمنه علم العروض، يرى الكثيرون أنه لا يخرج عن هذا الإطار من التفكير، بل إنه قابل للتعديل والتطوير، وأن القيمة التراثية التي يحملها لا تشكل أية حصانة تمنع عنه نظرة التطوير أو يد التعديل . فالوزن الشعري مرّ بمراحل من التطور قبل أن يصل إلى ما وصل إليه في زمن واضع علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي، فالبحور الشعرية ـ كما أرى ـ لم تأت على لسان شاعر واحد وفي لحظة شعرية واحدة، وكذلك الصور المختلفة لتفعيلات هذه البحور.

 

وانطلاقاً من هذه النظرة ، فإن الشعراء لم يقفوا عند حدود صور البحور الشعرية  التي حددها الخليل، بل تجاوز الكثير من كبار الشعراء وصغارهم هذه الحدود، ووضعوا لأشعارهم، القوالب الموسيقية التي قد تفوق ما حدده الخليل عذوبة وجمالاً، وذلك بعد أن أدخلوا بعض التعديل والتطوير على الصور التي وضعها، وهو ما يمكن أن نسميه ( التجديد ) .

 

ولم يكن النقاش في هذا الأمر، أي التجديد، وليد هذا العصر، بل إن النقاش فيه كان من قديم الزمان، منذ أن قال أبو العتاهية ذات يوم : ( أنا أكبر من العروض ! ) ، ولربما قبل ذلك، ومع هذا ، فقد ناقش هذا الأمر بعض دارسي العروض في هذا الزمان، ومنهم د. شعبان صلاح، في كتابه ( موسيقى الشعر بين الاتباع والابتداع )، حيث أورد في كتابه الكثير من الأمثلة على ما أدخله الشعراء من تطوير على بحور الشعر بصورها الخليلية، ومن هؤلاء على سبيل المثال أبو العتاهية الذي أدخل علة ( التذييل ) على بحر الكامل التام ، والتي يمكن أن تكون في الصور التقليدية للبحر في مجزوء الكامل وليس في التام، كما تحدث د. شعبان عن إدخال هذه العلة على بحر الرجز المجزوء من قبل بعض الشعراء، ومنهم كامل الشناوي، علماً أن ( التذييل ) في علم العروض لا يدخل على بحر الرجز، وأنا من الذين استحسنوا علة التذييل في هذين البحرين، وكانت لي تجربة أراها ناجحة في بعض ما كتبت، حين أدخلت هذه العلة على الكامل التام، واجتهدت بإدخالها على الرجز التام أيضاً.

 

وعندما تطلق لناظريك العنان لتتبع آراء دارسي بحور الشعر وعلم العروض تجد أن بعضهم لم يقف فقط عند إدخال هذا التعديل أو ذلك التطوير هنا أو هناك، من قبل بعض الشعراء، كتلك الصور ( غير التقليدية ) لبحر الوافر مثلاً ، أو لبحر الكامل، وغيرهما من البحور ، والتي أوردها الأستاذ أحمد فراج العجمي في كتابه ( توليد بحور الشعر العربي ) ـ ولا أتحدث عن شعراء التفعيلة فذلك أمر آخر ـبل تعدى بعض دارسي بحور الشعر ذلك ليتحدثوا عن رؤيتهم الخاصة بتطوير الوزن الشعري، ومثال ذلك ما طرحه الأستاذ العجمي في كتابه سابق الذكر من آراء، والتي يسميها ( طريقتي التوليدية )، وهي الطريقة التي بموجبها يرى مؤلف الكتاب أن من الممكن لنا أن نولد (374) صورة لبحر الوافر، و( 2820) صورة لبحر الكامل، لم يتردد في إدراجها في عدد من صفحات الكتاب .

 

إن الحديث عن هذه ( الطريقة )، وعن الذي ورد بموجبها من الصور ( المقترحة ) من قبل العجمي لا يعني بالضرورة أن نأخذ بها جميعها  ولا أن نأخذ ببعضها أيضاً ، ولكن قيمة ما طرحه الرجل ـ فيما أرى ـ تكمن في أنه أراد بطريقة يراها علمية أن يهدم حاجز الخوف الذي قد يحرم الشعراء من ( ممارسة حقهم في التجديد والابتكار ، وفي اختيار الثوب النغمي الذي يلبسونه قصيدتهم )، فبهذا الحرمان ( نقيد أفق علم العروض العربي عن التنظير والقياس والإبداع والتجديد ) .

 

ومع هذا فإن على الشاعر أن يدرك أن هذه الآراء لا تعني أن نبرر للشاعر عجزه عن النظم وفق بحور الشعر بصورها الخليلية المعروفة، كما أنها لا تشكل رخصة للشاعر ليتجاوز من خلالها عروض الشعر العربي وقواعده وأصوله، ولكنها تعني أن من حقه البناء على هذه القواعد بما يتلاءم معها، والتفريع من هذه الأصول ما يمكن أن يتفرّع منها .