ناجي شراب: ما يُقدم ليس إنسانياً صرفاً بل ضمن استراتيجية مزدوجة بهدف واحد يخدم ما يتطلع إليه "دحلان" مستقبلاً
أكرم عطالله: مساعدات مركز "فِتا" الإنسانية ستجعل "محمد دحلان" دائم الحضور وجزءاً من المشهد السياسي لقطاع غزة
مصطفى الصواف: لا مردود سياسياً والنظر إليها يأتي من باب الحصار الظالم على قطاع غزة
الحدث - محاسن أُصرف
على وقع الاختلاف كان النظر إلى ما تُقدمه "جليلة دحلان" عبر المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني "فتا" من مساعدات إنسانية واقتصادية تستهدف قطاعات مختلفة وشرائح عديدة في المجتمع الفلسطيني سواء في قطاع غزة المُحاصر منذ عشر سنوات أو في مخيمات الشتات بسوريا ولبنان أو القدس، البعض رأى أنها تقوم بدور خفي في تثبيت وجود دحلان السياسي في المشهد الفلسطيني والبعض الآخر رأى أنه لا يجب النظر إليها إلا في سياق الظروف الاقتصادية المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع ومُخيمات على حدٍّ سواء.
وبنظرة خاطفة على النشرة التعريفية للمركز الفلسطيني للتواصل الإنساني "فِتا" يُفهم أن السبيل من وضع الفلسطينيين من الشرائح المُهمشة والفقيرة في مختلف بقاع العالم هو استقطابهم ليبقوا تحت لواء تأثيره عن طريق تقديم الدعم غير المشروط بداية لهم في مختلف النواحي الإنسانية والاقتصادية، وهو ما يجعله في المستقبل مُحرك للقرار الإيجابي تجاه من يُدير المركز علناً وفي الخفاء، خاصة في ظل الشعار العريض الذي وضعه في رؤيته العامة "مجتمع فلسطيني يعيش بكرامة" فالشرائح المُهمشة والفقيرة في المناطق المستهدفة في قطاع غزة والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية وسوريا ولبنان ترنو إلى ذلك دوماً.
ولا شك أن ما سُيعزز دعمها جملة الإنجازات التي حققها المركز بدعم من دول ومؤسسات خيرية كـ المستشفى الخاص بالتأهيل الطبي التي تم إنشاؤه في قطاع غزة وُجهز بأحدث التقنيات ليخدم الفئات المحتاجة من النساء والشباب والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك عمليات الترميم التي يقوم بها لبعض المنازل الفقيرة وفق رؤية ومعايير مُحددة أساسها الحاجة الإنسانية والمالية، ناهيك عن المنح الدراسة والمساعدات المالية لطلبة الجامعات وكذلك المساعدات الإغاثية.
وحسب مُحللين فإن تلك الخدمات الملامسة لحاجة السكان في قطاع غزة، والذي يُعاني من أوضاع مأساوية على الصعيد الاقتصادي والمعيشي والإنساني تجعل التأييد كبيراً للقائمين على تلك المشاريع مهما كانت أهدافهم الخفية.
تثبيت الوجود السياسي لدحلان
ففي قراءته لدور المساهمات الاقتصادية والمشاريع الإنسانية التي يقوم بها المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني "فتا" على حالة الوجود السياسي للنائب "محمد دحلان" المفصول من فتح أكد "د. ناجي شراب"، المُحلل السياسي أن تلك المساهمات لا يُمكن أن تحيد عن الدور الذي يتطلع إليه دحلان، وبصورة تفصيلية أخبرنا "شراب" أنه لا يُمكن اعتبار تلك المساهمات بأنها إنسانية صِرفة.
وقال: "لا شك أن لها بعداً سياسياً يتعلق بشخصية محمد دحلان وما يتطلع إليه في المستقبل"، لافتاً أن دورها الآن يقتصر على تثبيت وجوده وشعبيته ومكانته من خلال المساعدات الإنسانية والاقتصادية التي يُقدمها عبر مركز "فتا" الذي تُديره زوجته خاصة في ظل عدم قدرته إلى الوصول إلى قطاع غزة أو الضفة الغربية بشكل مباشر، ويرى "شراب" أنه سيعمد إلى استثمار ما سيُحققه من تأييد والتفاف حوله سياسياً في مرحلة لاحقة وفقاً للتحولات التي يُمكن أن تطرأ على المشهد السياسي الفلسطيني.
وذات النظرية يُؤكدها أكرم عطالله الكاتب والمحلل السياسي، إذ يُشير إلى أن تلك المساعدات التي تُقدم للفلسطينيين في قطاع غزة والقدس والشتات لا تخلو من هدف سياسي، وقال في تعقيبه لـ "الحدث": "إن المشاريع الاقتصادية والمساعدات الإنسانية التي يُقدمها المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني "فتا" والذي تُديره جليلة دحلان زوجة النائب المفصول من فتح في قطاع غزة، تجعله دائم الحضور وجزءاً من المشهد السياسي لقطاع غزة".
وأضاف أن تلك المشاريع في ظل الحالة الاقتصادية المأساوية والبائسة التي يعيشها سكان القطاع على مدار عشر سنوات من الحصار ستجعل لـ"محمد دحلان" بصمة قوية، وتابع بالقول لـ "الحدث": "كل من يبدو أنه يُقدم المساعدة سيكون حاضراً في ذهن الناس باعتباره جديراً بسيادتهم"، واستكمل: "لا شيء في العمل السياسي مجاني".
استراتيجية مزدوجة بهدف واحد
وفيما يتعلق باستهداف الشباب وتمييزهم من خلال تلك المساعدات، خاصة في المنح الطلابية وغيرها، أكد "شراب" أنه يأتي ضمن استراتيجية مزدوجة يوجهها دحلان لحركة فتح وصانعي القرار فيها وللشعب الفلسطيني أيضاً قائلاً: "إن المؤتمر الأخير لدحلان وما سبقه من اجتماعات موجهة للشباب في مصر هي بمثابة استراتيجية ضاغطة، من جهة تُعمق البعد الشعبي عبر استثماره للحاجة الاقتصادية للشباب كورقة ضغط على صانعي القرار في فتح انتظاراً لما قد تؤول إليه التطورات السياسية الفلسطينية في مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس".
وأضاف: "أعتقد أنه يُخطط ويتحرك في إطار هذه الرؤية، التي يُحاول من خلالها الإجابة على تساؤل ماذا يُمكن أن يتم بعد الرئيس محمود عباس؟ خاصة في ظل العلم بتركيزه على المخيمات، سواء في الداخل أو الشتات والتي تُعد أحد أهم الأعمدة والركائز القوية لحركة فتح".
وفي هذا الصدد يؤكد "شراب" أنه إذا نجح في تثبيت وجوده في المخيمات وبخاصة في لبنان فإنه لا يُمكن لفتح في المستقبل أن تتجاهله، وهو ما يضعها، وفق تقديره، أمام خيارين، تغيير عناصر المشهد السياسي والتفاعلات السياسية والمعادلة السياسية الفلسطينية برمتها، خاصة في مرحلة ما بعد الرئيس عباس ما يُمكنه من العودة القوية إلى فتح التي خرج منها عنوة بقرار فصل رسمي.
أما الخيار الثاني فيرى "شراب" أنه إذا ما فشل الخيار الأول فسيؤدي ذلك بـ دحلان إلى إعلان فصيل جديد باسم "حركة الإصلاح الفتحاوية أو الديمقراطية" يكون له الوزن السكاني والسياسي الذي يسعى إليه من خلال المساعدات التي تُقدمها زوجته ليس في قطاع غزة المحاصر وحسب، وإنما في القدس والشتات أيضاً.
لا مردود سياسياً للمساعدات
والرؤية تختلف لدى الكاتب "د. مصطفى الصواف" الذى رأى أن ما يقوم به المركز الذي تُديره زوجة دحلان وتُقدم عبره العديد من المساعدات الإنسانية لـسكان القطاع الذين أوهن الحصار قدرتهم على الصمود وحرمهم من توفر أدنى مقومات الحياة الإنسانية الكريمة؛ لا يبعد عن الدور الإنساني والمساهمة الفاعلة في تحسين ظروف العيش لمن افتقدوها.
لافتاً في مقابلته مع "الحدث" إلى أن الأموال التي تُقدم عبر المركز الذي ترأسه زوجته جليلة دحلان، ليست أموالاً خاصة لها أو لزوجها محمد دحلان، ولكنها أموال تأتي للشعب الفلسطيني ولكن عن طريق محمد دحلان، وقال: "لا أحد يستطيع أن يرد يداً تمتد للشعب الفلسطيني في ظل الحصار والضائقة المالية الكبيرة والوضع الاقتصادي المزري للقطاع".
وتابع أن الكثير من المساعدات تأتي للشعب الفلسطيني من دول تختلف في المفاهيم العقيدية مع القضية الفلسطينية، ولكن ذلك لا يحمل القيادة على ردها ومنعها عن من هم بحاجة ماسة لها.
وفيما يتعلق بأن تُثري تلك المساعدات القاعدة الشعبية لدحلان، قال: "مؤكد سيكون له تأثير على وضع محمد دحلان وشعبيته داخل قطاع غزة، وهذه مسألة لا أحد يُنكرها".
وأضاف أن الشعب الفلسطيني دائماً يُحب من يُقدم له الدعم ويشعر بأنه قريب منه، مستدركاً أن عملية حساب حجم التأييد لـ"محمد دحلان" بسبب ما تُقدمه زوجته من مشاريع اقتصادية وإنسانية وخدمات ماسة للفلسطينيين المحاصرين والمقهورين، حتى وإن كانت بسيطة، لا يُمكن قياسها عشوائياً.
مؤكداً أن "المسألة تحتاج إلى دراسات واستطلاعات رأي دقيقة ورسمية" وشدد أن مثل هذه المساعدات التي تُقدم معتبرة لدى المواطن وليس بالضرورة أن يكون لها مردود سياسي، على حد قوله، خاصة وأن دحلان موضع جدل كبير على المستوى الشعبي والتنظيمي نتيجة ارتباطاته الأمنية مع أجهزة مخابرات مختلفة في العالم.
وبيّن أن ما يقوم به دحلان من استقطاب الشباب حوله عبر اللقاءات والمؤتمرات وبخاصة الأخيرة التي حدثت في مصر لا تبعد عن علاقته بفتح القائمة على حالة التشظي والانقسام وقال: "هذه المؤتمرات تأتي من باب المناكفة السياسية بينه وبين الرئيس محمود عبّاس".
لا تخلطوا بين الإنساني والسياسي
وعلى الرغم من التحليلات السابقة، التي تقر بتأثير المشاريع الاقتصادية التي يقوم بها المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني "فتا" على الوجود السياسي للنائب المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان في قطاع غزة التي لا يستطيع الوصول إليها حالياً إلا عبر أبرز أدواته وهي "زوجته جليلة دحلان" التي ترأس المركز.
إلا أن الأخيرة أوضحت في تصريحات صحفية سابقة أنها ترفض تلك التحليلات التي تُشير دوماً إلى ربط مشاريعها الإنسانية بالواقع السياسي في غزة وزوجها النائب المفصول "محمد دحلان".
مؤكدة أن كافة المشاريع التي يُقدمها المركز إنسانية بالدرجة الأولى وتهتم بالإنسان الفقير والمُهمش في قطاع غزة والقدس والشتات دون النظر إلى انتمائه أو حزبه، وفيما يتعلق بمصادر تمويل مشاريعها أوضحت أنها مُختلفة ومتعددة من الأفراد ورجال الأعمال العرب والفلسطينيين بالإضافة إلى الجماعات أو المؤسسات الخيرية في مختلف الدول، وعلى رأسها مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية ومؤسسة الهلال الأحمر الإماراتي، وعززت بالقول: "إن دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى أهم الجهات المانحة التي تدعم نشاطاتها ومشاريعها الإنسانية للفلسطينيين في الشتات والقدس وغزة".