الأحد  28 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ديوان "السِّوَى" للشاعرة سرحان يرقد على عتبة التأمل ويلقي بشعر جديد

2017-03-07 10:27:22 AM
ديوان
رولا سرحان

 

الحدث- ريم أبو لبن 

 

قبل أن تغفو العيون ويوصد الضوء بخفة، كتبت للماكثين بين نص ونص والراقدين بعتمة الليل، ديوان شعر هو الأقدر تصوفاً لوصف الحكاية، وهو الأجرأ كما وصفه النقاد في الولوج والتربع على عتبة التأمل، وفي التأمل تبصر الشاعرة الفلسطينية رولا سرحان كينونة لا ترى، وفيها منبت "السِّوَى".


تسترق النظر صباحاً لتمر بهموم الناس مروراً قد يكبد البعض عناءً لانتقاد قلمها، وفي ذاتها طريق آخر مرسوم بوقع كلمات متعطشة بالصوفية قد تزيد شغفك بالانتقاد وتجعلك تقف على ناصية الحروف لتفكر أكثر وتبحر في معنى الصوفية وهي:

"أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". 

قالت له الشاعرة قبل سنوات في ديوانها الأول: "لا تمت" فهناك دهشة مخبأة في المقابر كل ليلة... فهل استمع القارئ لندائها؟ وهنا أقتبس من الروائي اليوناني اسخوليوس، ومن أوغل في معالجة للموضوعات الدينية الوجودية، عبارة مفادها: "قاوم من يريد أن يجرك، لن توصف بالجبن لأنك أفلحت في البقاء حياً".

ولم يمت، وكل ليلة يتسلل القارئ الباحث عن الجمال والدهشة معاً، إلى مكتبته الصغيرة في زاوية المنزل ليعاود استحضار ديوان شعر هو الأول للشاعرة سرحان ويحمل عنوان "حُراً على آخرك"، وفيه كتابة تبدو للنقاد كما لو أنها محايدة وهي ليست كذلك.

"حراً على آخرك" يضبط انفعالات الإنسانية، بأسلوب خارج عن المألوف لم يعتد عليه الشعر الفلسطيني، وقد تكررت هذه الحالة في ديوانها الثاني المعنون " السِّوَى"، وقد كان وقعه على الحضور خفيف الظل أخف من الهواء، وأجمل من وقع الندى على زهرة قد باركت للشاعرة سرحان بتاريخ 21-2-2017 إطلاق ديوان يحمل عنواناً وصفه الكاتب المتوكل طه بأنه (أكرة) الباب، والتي نقبض عليها حتى نلج داخل المنزل، وهو بطبيعة الحال ولج إلى داخل العقل وتعمق باستخدام المصطلحات الصوفية.

وفي "السِّوَى" قال الروائي والشاعر الدكتور المتوكل طه في حفل الإطلاق: "هذا الديوان سوف يجعلنا ننقطع عمن سواه، وفيه مجموعة شعرية تجعلنا نقف على عتبة التأمل، والتأمل من خلاله نبصر الأشياء وما وراءها، وعلى رأسها الصوفية، فهي تقودنا إلى مسارب لا يراها أحد".

هنا قيل إن العارف لدى الصوفية هو من لا يشاهد "السِّوَى" وهي الدرجة الأعلى في درجات الصوفية، حيث ينطلق العارف من المعرفة ليصل إلى العرفانية، ومن وصل إلى هذا المقام فقد أسقط عن نفسه التكاليف.

في القصائد ظهر العارف وهو من لا يشاهد الناس، وهو لا يشاهد سوى الله، وهو فقط يشاهد، ويبقى ويفنى ويذوب ليصل إلى درجة (النيرفانا)، وهي حالة الانطفاء الكامل التي يصل إليها الإنسان بعد فترة طويلة من التأمل العميق.
لاكتمال التأمل، قالت سرحان في "السِّوَى": "الانتظار مكتمل في قلقه". ونحن كقراء نرصد الاحتمالات في لحظة الانتظار القادم. 

وبالعودة إلى الشاعر المتوكل طه نجده يؤكد أن: "الشاعرة قد ذهبت بنا إلى موضوعات قليل ما يتطرق إليها الشعراء، والبعض منهم مس فقط هذه الموضوعات، فهي جاءت بـ قصيدة "ثلاثة بيوت" وفيها موضوع جديد (طازج)، وكما الأمر أيضاً في قصيدة (كلها مثل هذا القبر) وكتبت في سياق آخر بعيداً عن التقليد".

أضاف: "كل هذا التأمل في النص، تدلف إليه الشاعرة بثقافة تلفت وتسترعي الانتباه، وباستخدام المفردات تحدثنا هنا عن عدد كبير من شعراء العرب والصوفيين".

والمتصفح للمجموعة الشعرية، تسرح مخيلته بين السطور، ليجبر ذاته على الوقوف أمام المفردات والمصطلحات الصوفية التي استنبطت من ثقل التصوف وعنوانه الأساطير القديمة والمارة بـ (سفر التكوين) وسومر وبابل، ورسالة الغفران وغيرها من العهد القديم.

وقد تستلقي بظلك على جمل تذهب بك إلى ما وراء اللا معقول وفيها ما جاء في نصوص "السِّوَى" حينما كتبت سرحان: "النهايات كالبدايات صعبة وسهلة في القصيدة والحياة"، "سعال أبدي بلا صدر"، "الكلمة ظاهرة أيديولوجية"، "جسدي كالصفر لا ينتهي ولا يبدأ"، "أحتفي بالهشاشة لأجبر انكساراتي". وهنا تتحدى الشاعرة مخرجات العصر القديم وتتخطى سقف الممنوع والمحرم بقلمها.

قد اتكأت هذه المساحة من المفردات والتي لا تمر سريعاً أمامنا على عمود بُني على أرضية معطشة بثقافة التصوف وقد انطلقت منها الشاعرة رولا سرحان حيث كثفت مفرداتها بالاستناد والعودة لتجربة شعراء العهد القديم وأمثال الحسين بن منصور الحلاج، وقد استعانت بهذه التجارب لتكثف المعنى الذي تريد أن تقوله في ديوان "السِّوَى".


وكان ختام إحدى قصدائها وعنوانها أسطورة الإله الأنثى: "أن الله ما زال أنثى أن الله ما زال ذكراً". 

هذه الثقافة المتنوعة والمغموسة بالتصوف حسب الشاعر الدكتور طه قد تقود بعض القراء إلى الغموض، وذلك لأن القراء يفتقرون بعض الشيء إلى المعرفة بهذا النوع من الشعر، وبهذا قد ينغلق المعنى أمام بعض القراء، وهذا شيء حميد.


وأضاف طه واصفاً ديوان "السِّوَى": "هذا الديوان يرتقي وينهض بالقارئ لكي يصبح على سوية مع الكاتب وبلغته العالية والباذخة، وهو بمضمونه أقرب لمن يختص بالنقد الأدبي ويخالط اللا معقول ويتعمق بالغموض". 

قصائد شعرية وصفها النقاد بـ "المشاكسة" وفيها قدرة على الدخول في فضاء الأسئلة اللا متناهية، وفيها توتر داخلي يفسح المجال أمام الشمس والمعرفة بالدخول، غير أنه نص (لا يستسلم)، وقلة من الشعراء قد يجمحون إلى هذا النوع من الشعر، فهو شعر متصالح وجامح ويكسر العادات وما اعتدنا سماعه، وهو يحتفظ بالعروق الذهبية للتصوف.

والتي تبرر وجود اللافت في القصائد، قدرة الشاعرة على استخلاص الزبدة المكثفة والمتجلية حتى في معرض المعارضات الشعرية حينما قالت في قصديتها التي تحمل عنوان "المياه الحلوة والخبز اللذيذ": "المياه المسروقة حلوة وخبز الخفية لذيذ". 

وقد اعتبر الكاتب أن هذه القصدية شيء لافت وجديد، كما أن قصيدة "أقرأ لصديق أمازيغي، أقرأ لـ.." هي أيضاً قصيدة من نوع جريء حسب وصف الكاتب طه.


ونجد أن حروف القصيدة قد ارتسمت بخطى ما يسمى الحروفية لدى المتصوفين، وهو عالم له بداية وليس له نهاية، حينما يعتقدون من يسيرون على نهج الحروفية بأن الحرف يصل قوته لحد قوة الخالق ولفظ الجلالة الله، ويرون أن اللام المتكررة والهاء هي ليست أحرفاً تنطقها الشفاه فقط، وإنما باجتماعها معاً في كلمة واحدة قد تشحن ذاتها بقوة توازي قوة العارفين والأنبياء وربما الخالق.


حروف اعتلتها اللهفة لنطقها أمام جمع الحضور، وهنا لهفة شاعرة تعتلي عمراً وردياً قد تعطش بثقافة بالأدب القديم، وقد تميزت بقلمها الذي نال من النقاد أحياناً، لاسيما وأن البعض قد أوقد ذاته لقراءه شعر جديد بمواضيعه ومنغمس بأعلى درجات الصوفية.

فلن تكن قصائد "السِّوَى" هي الحرف الأخير لدى الشاعرة، ولن يكتفي صوتها الأنثوي عن ترداد قصائد هي ذاتها أخف من الهواء، وأقرب للسماء.