الأحد  28 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

غزة بعدسة فراس حج محمد في ديوانه "مزاج غزة العاصف"/ بقلم: سماح خليفة

2017-03-09 03:03:05 PM
غزة بعدسة فراس حج محمد في ديوانه
مزاج غزة العاصف

 

مزاج غزة عاصف فعلا ولا يلبث أن يهدأ حتى يعصف من جديد، وهذا ما أخرجه الأستاذ فراس من خلال بوتقته الهادئة؛ ليترك للقارئ الذكي مهمة فك شيفرة العقم الصهيوني الذي استباح عذرية أجمل أنثى مسترخية بأمان في أحضان بحرها الهادئ؛ ليقلق ليلها ونهارها علّها تفتح أبوابها وتقدم نفائسها مستسلمة لذلك الشيطان الواهم، في ظل هذا الكم الهائل من خيانة كل شيء لكل شيء "كل شيء قد يخون"ص36، فيفتتح كاتبنا كتابه بهالة من الاكتئاب العظيمة التي لفّت الشاعر ومن في محيطه ص8-10، إلّا أنه يعود لفطرته وإيمانه العميق آملا الخروج من هذه الحالة عندما يرتجي التكاتف والتعاضد علّه يخرج منها أو يخفف من وطأتها "سأحاول أن نتشارك اللحظة لنكون معا، سرب بشري مكتئب لعلنا نجعل اكتئابنا أخف وطأة وأكثر رحمة" ص10، فيطرق أبواب القصيد في غزة بأيد لا تكلّ ولا تملّ ليخرج بغزة البلد "هي البلد الحلال"ص48، والمدينة بكل أشكالها "وتلك مدينة"ص55، والقصيدة "هي القصيدة!"ص49 "هي تلك القصيدة"ص120، والأنثى والحب "حيث نور الوجه أندى"ص133، الطفل والقتل والموت والقهوة الشهية بلا شهية  "هي القهوة الخائنة"ص52...ليخرج بكل صور غزة من مرآة شرذمها الاحتلال ليشوّه ملامحها الساحرة فتبوء محاولاته بالفشل.

 

فيعود فراس من جديد في نصه"نساء" ص16، ليصوّر نساء غزة رغم معاناتهن العميقة إلا أنهن أكثر دفئا وأشهى بصمودهنّ الشامخ كشجر الزيتون، فغزة الجميلة تقدم عشاقها قربانا ليحيى الوطن في عيد...وأيّ عيد..!!!...فرح بلا فرح...لا مكان للصلاة وسط الجثث لا مكان لبسمة طفل ينتظر هدايا السماء، فلا يجد إلا غيوما حُبلى بالدماء تمطر صمودا ليُجبَل بتراب غزة فيزيدها قوة وصلابة.

 

ورغم جنون الحرب رغم جنون الموت، تُصرّ غزة على أن تستلّ الفرح من بين ركام الموتى؛ لتستجمع العيد عيدا آخر من جديد "كن كيفما اتفق الجنون"ص44، فيأتي الحب في غزة ليس كمثله حب "معا مختَلِفين"ص45، لا يعترف بقتل لا يعترف بموت، تُصرّ الأرواح على أن تتحد لتكمل رحلة الحب حتى بعد الموت، في طقوس الحرب الفريدة من نوعها فتخيف الخوف بعينه "هل سمعتم باسمها"ص71، وتحبط الإحباط فينا "أنام"ص66؛ لتظل غزة العزة، وتظل الحرب أسطورة الضعفاء والجبناء الذين يعيشون كابوس غزة الذي أزعجهم، وسيزعجهم في كل لحظة تائهة في غياهب الزمن المسجى على أرصفتهم النتنة "الحرب أسطورة الضعفاء"ص74.

 

وفي كل رديء حاول فراس أن يفرضه على واقع رديء خلّفته بشاعة الحرب، إلا أن الأمل وجمال الأرواح وصفاء القلوب أبَوا إلا أن يسطّروا مستقبلا واقعا واسعا بهيّا شهيّا سلسا بين أيدي نساء غزة وأطفال غزة وحجارة غزة ورماد غزة وبحر غزة، وكل ذرة ترقد بسلام على صدر غزة. لنظل شوكة في حلق الغاصب الهمجي "لا شيء يزعجهم سوانا"ص102

 

وفي اللحظة التي شارف فيها فراس على فقدان الثقة في كل شيء ومن كل شيء لا يجد إلا القصيد؛ ليبوح في أعماقه المسكونة بروح الفن والفنان فيبعث الأمل من جديد "نشيد الشعب"ص143