الإثنين  06 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من برش الخطوبة الى برش الانجاب/ بقلم: محمد عتيق

2017-03-22 10:14:56 AM
من برش الخطوبة الى برش الانجاب/ بقلم: محمد عتيق
محمود احمد عبيدي

 

اكهلته  سنين الاسر في ريعان شبابه، قيدته سلاسل الاسر في ربيعه التاسع عشرة في شهر تشرين الاول من عام الفين واثنين، لم يكن ذاك الربيع كأي ربيع من عمره فخريف ذاك العام قد اذبل ربيعه واصفره، نكلته سنين الاسر  كشجرة اذبل الخريف اوراقها وتساقطت، وبقيت في مهب الريح عارية تنقله من سجن لأخر كما ينقل الريح اوراق الشجر المتساقطة، نقلته بين كافة السجون الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية من شمالها الى جنوبها بدأ من سجن مجدوا الى ان حطت به البوسطة في سجن النقب في اواسط عام 2008، حتى نبت ربيعه من جديد وافرج عنه عام 2011، انه الاسير محمود احمد عبيدي من بلدة برقين غربي مدينة جنين.

 

 

استقرت اخر سنين حياته الاسيرة في سجن النقب بعدما ذاق الم القيد وجراح السلاسل وظلم الزنازين، التحق خلالها بالجامعة الاسلامية، وتخرج بدرجة دبلوم في الخدمة الاجتماعية فكانت هذه اولى اشراقاته، واولى بزوغ براعم ربيعه الذي بدأ يشق الارض ويخترق الاسلاك الشائكة  ، وازهر الربيع بزهور خرقتها الاسلاك الشائكة ،وحجبت الجدران الطويلة اشعة الشمس عنها ، الانها واصلت ازدهارها وواصلت التفتح ،فكانت   بدخوله القفص الذهبي من على برشه في خيمة الاعتقال في سجن النقب يوم السابع من تشرين الاول عام 2010 كانت قراءة فاتحته واعلان خطوبته على ابنة خالته  من داخل سجنه مباشره عن طريق الهاتف لتبدأ قراءة الفاتحة مع عائلته وعائلته خطيبته ومجموعة من الاسرى القابعين في خيمته آنذاك ومن متصف تلك الليلة لم يعد السجن كما كان ولم تعد الحياة كما كانت فالان زادت همومه واحد اخر.

 

 

لم يكن برد كانون الاول قارصا ،بخره حنين عقد القران الدافئ في السابع عشر من الشهر ذاته ، بعد ما وصلت  وكالة لوالده لإتمام اجراءات الخطوبة في المحكمة الشرعية عبر الصليب الاحمر فتمت اجراءات عقد القران بعروس بدون عريس .

 

وفي صيف  عام 2011 كان لهيب  شهر حزيران وصحراء النقب يشعلان لوعة الاشتياق والحرية  الا ان جفاف اللهيب وعلقم زوابع غبار النقب وضيق التنفس من استنشاقها اشبه بحالته حان موعد الافراج عنه ليتفاجأ بقرار صادم بإغلاق ما يسمى بقرار المنهيلة وهو خصم 7 ايام لكل اسير على 6 اشهر كانت قسوة هذا القرار اقسى من 9 سنوات قضاها خلف الاسلاك الشائكة كان كل يوم يقضيه يتذوق مرار 9 سنوات قضاها ، كان ينتظر الصباح كل يوم ليجلس على باب  المعتقل ينتظر خبر افراجه كل يوم تجتمع بداخله الم 9 سنوات في المعتقل وامل الحرية كلما خطا سجان خطوة اتجاه بوابة المعتقل ، مشاعر خوف من انتقاله الى عالم لم يعرفه بعد كانه يولد من جديد سينتقل الى عالم لم ينتظره في خريف عام 2002 ولم تستطع مخيلته الى ان تقوده الى عالم سبقه تسع سنوات في عالم الحرية ، 51 يوما عجاف مربها ومشاعره مختلطة يشعر بفصول السنة الاربعة في اليوم الواحد حتى تنسم نسمات الحرية ،.

 

لم يكن اليوم الاول من رمضان عام  كأي رمضان مضى منذ تسع سنوات ، لم تكمل السلاسل يومها الاول في ايدي وقيود الاسير عبيدي ، كانت المشاعر المتناقضة تنتابه وهو يسير في الهواء الطلق وتحت اشعة اشمس بخفة يديه ورجليه فقد ولى زمن القيود ، فاصبح الان تحت السماء التي لا تقسمها الاسلاك الشائكة ، ونسمات الهواء الطلقة التي لا تمنعه الجدران، واستقبلت بلدة برقين ابنها  الغريب عنها ، عاد ليبحث قريته التي تركها ليسكن فيها ، وعن تشرين الذي غادر منه ليكمل حياته منذ غادر ، عاد عن عامه التاسع عشرة ، فمخيلته خلال التسع سنوات كانت غير قادرة على انو تقوده الى عالم الحرية ، ومن ناحية اخرى عاد لينتصر على عالم مجهول لديه ، مختلف عن عالم الاسلاك والجدران مختلف عن القيود والسلاسل ، عاد الى هذا العالم ليأسس حياة بعيدة عن حياة تبدا بتشرين الذي بحث عنها ، عن حياة يأسس فيها عائلة وحياة كريمة  ، وفي نهاية تشرين الاول عام 2011 دخل عش الزوجية ، وليس كأي شاب فهو لازال كطفل صغير يبحث عن معنى الحياة ويكتشفها ، فصدمة الحرية لازالت مسيطرة عليه فتغيرات الحياة كانت اصعب من ان يتقبلها بسهولة .

 

العام يمر تلو العام ، وما زال الاسير العبيدي يتماشى مع الحياة كل ما مر يوم يسهل عليه التأقلم مع الحياة ، وما ان مضت اربع سنين وفي نهاية حزيران  الذي شابه حزيران 2011،  وفي منتصف رمضان من عام 2015 كان على عكس رمضان قبل اربع سنوات ،عندما  كان يهيئ نفسه لتناول السحور ، فكانت طرقات اكعاب البنادق على باب بيته كانت اسرع من تناول السحور ، كان المحرر مع موعد مع الاسر ، ليعاد اعتقاله وتعاد حكاية الاسر والقيود .

 

تمضي الايام تلو الايام والشهور تلو الشهور حتى جاء شهر كانون الثاني ، حاملا له دفء الحنين ولن يختلف جوهريا عن كانون الاول قبل خمس سنوات ، فهناك خيمة وبرش  وهنا زنزانة وبرش ، وفي الثالث والعشرون من الشهر نفسه حينها كنا سويا في سجن مجدو قسم 4 حتى علمنا بقدوم ابنته البكر لين عن طريق احدى رسائل الاسرى برنامج شؤون الاسرى الذي يبث من اذاعة صوت النجاح ، غمرتنا فرحة حينها ، فقد رزق بها قبل اسبوع من الموعد المقرر لولادتها ، من شدة سعادته بدأت ملامح الارباك عليه فرحا لقدومها والما لبعده عنها ، واتمت عامها الاول ولا زال خلف الاسلاك الشائكة داخل زنزانته .