السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حكاية العدد .. السروبرة/ بقلم: طارق عسراوي

2017-03-22 04:26:22 PM
حكاية العدد .. السروبرة/ بقلم: طارق عسراوي
طارق عسراوي

 

قرب منزليهما ، حيث يسكنان في عمارة واحدة، اتفقا أن يزرع كل منهما شجرة تشبهه!
ولدا في العام نفسه ، وظلّا صديقين ، ويتشابهان بأنّ كلّاً منهما وحيدُ أهله، واعتادهما الناس صبياً وشقيقته، يخرجان من بوابة البناية ، وتقلّهما مركبة المدرسة ذاتها .
سألته : ما رأيك أن نبدأ بزراعة الشجرة؟
أجاب : نعم ! كما فعل الصديقان في الرسوم المتحركة، حتى يضرب جذر كل شجرة في عمق الأرض ، فلا تهزّها ريح سوداء أو عاصفة هائجة .. وسنفعل مثلهما تماماً ، فيزرع كلٌّ منا شجرة تشبهه ؛ تنموان ونكبر .. وتبقيان معاً .. كما سنبقى.


***


سألَ والدَه أن يحضر له شجرة تشبهه!
 ابتسم الأب، بعد أن عرف الحكاية، وقال له كلاماً دافئاًعن حبّ البلاد ، والحفاظ على الطبيعة ، ومساعدة الناس . وأحضر له سروة صغيرة.
سروة  ! أأشبِهُ السرو يا أبي ؟!
السرو شجر شامخ، لا يحدّ من طموحه سقف يا ولدي، دائم الخضرة ،لا يوقفه برد الفصول وحرّها، متمايز بين أقرانه ، عالياً ، كما سأراك غداً.
وسألت والدها أن يحضر لها شجرة تشبهها! فابتسم الأب ، وأسمعها حديثاً يحثّها على فعل الخير والرّفق بالمخلوقات البريئة الجميلة ، وعدم التعرّض للضعفاء . وأحضر لها صنوبرة يانعة .
صنوبرة ! أأنا صنوبرة يا أبي؟!
الصنوبرة شجرة نضرة، تمنح دفءَ غصونها للطيور، وتلمّ الناس تحت فيئها ولا تفرّقهم، لا تبدّل الأيامُ لونَها، مثلما أحبّك أن تكوني دائماً.
حفر الصغيران مكانين متجاورين ، وغرسا الفسيلتين ، وحوّطاهما بدائرتين من التراب الناشف ، وراحا يتعهّدان الشجرتين بالماء والاهتمام ، فكبرتا .. كما كبرا.
نمت الشجرتان ، فتداخلت أغصانهما وتشابكت  ، وبدتا ، من بعيدٍ ، كأنهما شجرة ضخمة واحدة !  لكنّ الصغيرين ، وكلّما كبرا ، كانا يتباعدان  عن بعضهما ؛  فهو ولدٌ وهي بنتٌ ، ولا يجوز ، بسبب عادات الناس وعيون الأهل المتوجّسة ، أن يقتربا من بعضهما البعض .


وافترقا .. 
وبعد عقودٍ ؛ ماتَ إثْر حادث سيرٍ في دولة اسكندنافية ، لجأ إليها ، بعدما دبّت  الفوضى في البلاد. أما هي فقد لفظت أنفاسها ، في بيتٍ المسنّين ، ذات شتاء قريب .
الغريب في الأمر ؛ أنّ آخر مشهدٍ مرّ على كلٍّ منهما ، وهو في النزع الأخير ، كان صورة شجرتين متضافرتين في ساحة صغيرة ، لكنّهما لم يلاحظا ذلك الفتى الذي كان يصعد ويصعد إلى أنّ رفع أعلى المشهد علماً كان يخفق بشدّة .
الراوي: قبل هذه الملاحظة؛ كان كل تشابه في الحكاية محض صدفة، إلا أنه لم يعد كذلك.