الخميس  15 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الطريق إلى رام الله ...(جاي ولا قاطعة؟)

2017-04-03 04:17:13 PM
الطريق إلى رام الله ...(جاي ولا قاطعة؟)
تعبيرية (تصوير: الحدث)

 

الحدث علاء صبيحات

 

أمسك بخاصرته من شدة الضحك المحزن ومال نحو ذات الجدار في رام الله التحتا عندما فُصلت الكهرباء عن الحي الذي نحن فيه بسبب الطقس السيء، وقال (بغزة لما ترن ع إمك قبل ما تحكيلها مرحبا بتسألها جاي ولا قاطعة؟... وكل الناس اللي حوليك رح يعرفو إنو قصدك الكهربا)، مفارقات مضحكة مضنية تملأ رقعة من السماء مساحتها 360 كيلومترا مربعا بغيمها وزراقها وخيباتها وصواريخها.

 

تهاتف أمك قبل العودة للبيت لتتأكد إن كانت في المنزل كهرباء أم لا فإن "كانت (جاية) جيت علبيت وإن كانت (قاطعة) رحت ع القهوة أو للبحر أو رحت أشوف صحابي"، الغريب أن سمفونية الكهرباء في غزة تختلف عن ما هو خارج القطاع، لها تأثيرات مختصة بهذا المقطع المحاصر من قبل محتل ظاهر وعالم خفي، فهي قادرة على خلق كائن غير قادر على التواصل أو التعايش مع الآخر.

 

الكهرباء في غزة لئيمة وهي التي تحكّمت بشحن عواطف الناس ومستقبلهم، حجمها حجم الحصار ليست أقل وقد تكون أكبر فهي التي تتحكم بمزاجك وضجرك وسخطك وحتى وظيفتك ومباراة الكلاسيكو بين برشلونا وريال مدريد ووجه أمك في صباح شتوي بارد ومعتم، ووجه محبوبتك ملائكية الصفات غزلانية الأعين مساء في طريق العودة من اللامكان الذي كنت تفعل به اللاشيء.

 

جدول الثماني ساعات لإنارة الكهرباء هو حلم أهل غزة، فمنذ أن قصف الطيران الإسرائيلي في العام 2006 المحولات التي تغذي غزة، في محطة توليد الكهرباء في المنطقة الوسطى، والكهرباء شحيحة جدا فاخترعوا هذا البرنامج ولم يلتزمو به أبدا ففي أحسن الحالات تصل الكهرباء للمنازل 6 ساعات وتُقطع 12 ساعة ولم تصل المدة لثماني ساعات أبدا.

 

تراكمات الحروب جعلت من صامد كالكثيرين من حوله في غزة يحققون أعلى درجات التحصيل العلمي و تنمية الشخصية الممكنة، فترى خرّيجي غزة يتراكضون ما بين دورات اللغة الانجليزية وصفوف الماجستير ودورات المهارات القيادية والإداراة لسبب بسيط هو أن الفرصة الواحدة في غزة يتقدّم لها 1800 خرّيج وعلى كل فرد أن يكون الأفضل في ما بينهم.

 

صامد المتكئ على غبار الزمن الرث من الذكريات المتكدّسة والذي قابل عدد هائل من مدراء المؤسسات، حكى لي مرة أنه في أغلب هذه المقابلات كان يفهم في عمل المؤسسة التي يقابل فيها أكثر من مديرها الذي يقابله (ولم يكن يبالغ حينذاك) لكن المدير لا توجد عنده أي موانع من قبول الأفضل وغالبا هناك شخص أفضل.

 

فقط هناك يمكن للكهرباء المنحوسة أن تمنعك من الحصول على وظيفة، فمن الممكن أن تكون سيرتك الذاتية عالقة في جهاز حاسوبك الشخصي التي لا يمكنك طباعتها لعدم توفر الكهباء.

 

غزة التي يتكئ على هامشها شاطئ، هو المنفس الوحيد لكل أهل غزة، ففي أوقات الصيف ما بين الحروب، يمكن لأي لص في غزة أن يسرق المنزل في وضح النهار لأن غزة كلها تكون على الشاطئ، سواء كانت جملة صامد الأخيرة مبالغة أم حقيقة لكنها آتت أكلها معي، أوصلتني لفكرة أن مليون إنسان بحاجة لأن يستريحوا من وعكات الحياة المؤذية، فأين سيذهب مليون إنسان يملؤهم المقت والقهر والحصار وثلاثة حروب وتكدّس العاطلين عن العمل وضيق رقعة العيش الملتهب أكثر من الصيف ذاته كل ذلك بدون كهرباء؟.

 

الناس في غزة نوعان يا صديقي الأول هم من ولدوا في غزة بعد الحصار ولم يعرفوا عن العالم الخارجي أكثر من أنهم أناس يعيشون خارج غزة بل ويتخيلون أن كل الكون شبيه بغزة المحاصرة.

 

النوع الثاني هم الجيل الأكبر الذين نشأوا قبل الحصار وعاشوا تفاصيله، لا تدري من منهم ظلمه الحصار أهم الجيل الأول أم الجيل الثاني، فكلاهما أغلق على صدورهم بالغِلّ والأغلال وقيل لهم موتوا هنا تُعساء.

 

 

يتبع....

 

لقرائة الجزء الأول من الطريق إلى رام الله إضغط هنا