الحدث- ريم أبو لبن
توقفت مترددة أمام الباب الأسود الموصد على مصرعيه، فمنذ وفاة والدي لم أعهد فتح أبواب تخبئ بكاء النساء، واقتربت برهة من "نسرين" لأقدم واجب العزاء باختها "فلسطين" والتي توفيت بخطأ طبي حسب ما ذكرت العائلة.
اتكأت بيديها على كتفي، وألقت بنظرها على عقد معلق على عنقي، وقلة قليلة من يلفتهم ما كتب على القلادة المعلقة وهو اسم فلسطين، واذا بها تمسك القلادة بقوة وتبكي غياب اختها "فلسطين".
وحينها نظرت إلي بعينيها الباكيتين وقالت وهي تردد وصية فلسطين التي قيلت بعد أن صدر التقرير الأول الذي ينفي بمضمونه حدوث خطأ طبي حسب ما ذكرت لجنة التحقيق للعائلة: "عندما سألت فلسطين لماذا تريد فتح تحقيق آخر لاثبات حدوث الخطأ الطبي، اجابت حينها حتى لا يحدث مع غيري ما حدث معي".
أضافت نسرين: " نريد العدل، نريد استرجاع حق اختي فلسطين، نريد محاسبة الطبيب الذي اخطأ طبيا بحقها حتى لا يتكرر هذا الفعل مع مريض آخر".
من هنا بدأت الحكاية
28/7/2016، نقلت المريضة فلسطين فيصل أبو حبسة (34) عاماً وهي من سكان مخيم قلنديا إلى مستشفى الهلال الأحمر في مدينة البيرة، حيث كانت تعاني من آلام وأوجاع في معدتها، ولم يعرف حينها سبب الوجع ولم يتم تشخيصها من قبل مختص باطني في المشفى وبصورة صحيحة حسب ما ذكرت اختها نسرين لـ" الحدث".
" فلسطين بتدلع، وما في اي شي" هذا كان التشخيص الطبي الذي جاء به الطبيب الباطني والمشرف على حالة فلسطين حسب ما ذكرت اختها نسرين لـ"الحدث".
أضافت: "كل مرة كان يتم اعطاء فلسطين المسكنات فقط، وبالمقابل يزداد وجعها وبشكل غير طبيعي، ولم يستطع أحد تشخيص حالتها ووضعها الصحي يزداد سوءاً".
" بعدين معك يا فلسطين، هو كل 5 دقائق بدي آجي عليكي ما في غيرك مرضى، ابعدو الأم والاخت عنها بتصير احسن" هذا هو الرد الآخر لذات الطبيب ومن داخل المشفى عندما تم ابلاغه بسوء الحالة الصحية لـ"فلسطين" حسب ما ذكرت نسرين لـ"الحدث".
في ذات السياق، قال زوج المتوفاه سعيد أبو حبسة لـ"الحدث": "كنت أنادي على الطبيب الباطني ليسعف زوجتي حينما اتسم وجهها باللون الأزرق، وقال الطبيب للمرضى ( غطوها لتدفى)".
أضاف: " قال لي متغطرساً، ادفع 400 شيقل واعمل صورة طبقية لرأس زوجتك، وقلت حينها : (الوجع في البطن وليس في الرأس.. ما علاقة الرأس؟ ".
وبعد أن اجريت الصورة الطبقية للدماغ، تبين بأنه لا عطب في منطقة الرأس حسب ما ذكر زوجها سعيد.
قال: "بعد ذلك، طلب من احدى الممرضات أن تقيس الضغط لزوجتي فلسطين، وقد تبين بالمؤشر بأن الضغط (0)، وحينها قالت لي الممرضة بأن آلة قياس الضغط معطلة، واحضرت آلة اخرى، وخلال مكوثها في المشفى لمدة 3 أيام قدم لها المسكنات فقط".
لم تكف نسرين عن ذكر ما حدث من تفاصيل وقد يغفلها الأطباء في لحظة ما، وقالت: " قبل انتقال فلسطين من مستشفى الهلال الى مستشفى رام الله، اكتشف الطبيب الباطني المشرف على حالتها بأن أمعاء فلسطين ملتصقة وهي متلفة على بعضها البعض، بسبب عملية للزيادة قد أجريت لها قبل عامين في مستشفى الهلال كذلك".
وتساءلت للحظة: " كيف له أن لا يعرف بوجود هذا الالتصاق من قبل؟ "
أضافت: " فلسطين خرجت من مستشفى الهلال، ولديها فشل كامل في الأعضاء وتحديداً في الرئتين والكلى، بجانب تسمم الدم لديها، وقد تم تشخيص حالتها في مستشفى هداسا عين كارم في القدس المحتلة بأنها من أصعب الحالات، لاسيما وأنها دخلت في غيبوبة ولمدة 3 أشهر و 20 يوماً".
جفت الأمعاء بعد أن سحب السائل
قالت اخت المتوفاه: "نقرأ ما بين سطور التقرير الطبي بوجود خطأ طبي قد حدث، والتقارير تثبت ذلك".
إذا هذا ما حدث في مشتشفى الهلال الأحمر حسب ما ذكرت نسرين: " سحب من جسد فلسطين حوالي 5 لتر من السوائل والمتركزة في الأمعاء، وجفت الأعضاء حينها وانخفض الضغط، ومن ثم فقدت الوعي، ومن ثم نقلت إلى مستشفى رام الله وتم التأكيد حينها بحدوث خطأ طبي ناجم عن طبيب باطني في مستشفى الهلال، ولم يشخص حالتها بطريقة صحيحة".
"نسبة نجاح العملية قد تصل إلى 1%" هذا ما أكده الأطباء في مستشفى رام الله الحكومي.
ولم تنتهي الحكاية بعد، وهنا ازداد الأمر سوءاً حسب ما ذكرت نسرين: " وصلت فلسطين إلى مستشفى رام الله بحالة صحية صعبة، وحينها أجرت عملية لقص الأمعاء، وقد تخوف الأطباء من نجاح العملية، وما تبقى من الأمعاء سوا متر و 10 سنتيمتر".
" لم يكتمل علاجها في هداسا"
بعد نجاح العملية، بقيت فلسطين ولمدة اسبوع كامل واعضاءها لا تعمل كما في السابق، حتى تم وبعد محاولات متعددة للحصول على تحويلة طبية لمعالجتها داخل مستشفى هداسا عين كارم في مدينة القدس المحتلة.
وحصلت فلسطين على التحويلة الطبية الأولى وادخلت إلى مستشفى هداسا عين كارم لتمكث 45 يوماً تحت الأجهزة، وبهذا انعش قلبها وكبدها وتوقفت عن غسيل الكلى، ولكن الرئتين ما زالت تعاني من الالتهابات، غير أنه تم فتح منطقة بجانب البطن لديها كمخرج للفضلات.
"لم تكمل علاجها في مستشفى هداسا، ونقلت إلى مستشفى رام الله، حتى لا تتحمل وزارة الصحة أعباء تكاليف العلاج، وأن مستشفى رام الله يمكنه معالجتها ".هذا ما أكده زوج المتوفاه سعيد أبو حبسة لـ"الحدث".
قالت أختها نسرين: " كان من المفترض أن تتم العملية في مستشفى هداسا، ولكن مستشفى رام الله أكد قدرته على اجراء العملية، وبهذا تم اغلاق الفتحة المخصصة للاخراج الفضلات، وتحسنت حالتها الصعية ولكنها عاودت لتسوء من جديد وجسدها لم يعد يمتص السوائل والأملاح".
ضاع ملف فلسطين
قال سعيد: "بعد أن تم اعادة زوجتي إلى مستشفى رام الله، ضاع ملفها الطبي، وبطريقة ما حصلت على صورة له من أحدهم.. ولكن أين ذهب الملف الأصلي، وعندما سألت المستشفى عنه لم أجد رداً".
وأضاف: " كيف يختفي ملف يتضمن حالة صحية كهذه، ما هذا الإهمال، لاسيما وأن كل طبيب مشرف على الحالة الصحية لفلسطين يلقي اللوم على الآخر، غير الاشاعات التي صدرت بحق زوجتي بأنها تبلغ من العمر 50 عاماً لتخفيف اثر ما حدث من خطأ طبي".
" التحويلة صدرت، وفلسطين ماتت"
" التحويلة الثانية صدرت، وفلسطين ماتت". جملة قد يقشعر لها الأبدان قالها زوج المتوفاة، وقد يعود ذهنك للوراء قليلاً حينما تغوص في مسلسل الأخطاء الطبية الحاصل في عام 2016. واليوم تعاود الكرة لتكون فلسطين هي ضحية هذا الخطأ.
وقد تتسائل الجدة التي تجلس على عتبة المنزل تبكي لحظة وداع فلسطين في يوم تشييع جثمانها: من سيعوض محمد البالغ من العمر (6)عاما، ومريم (5) عاماً، وأصغرهم يوسف والبالغ من العمر (4) سنوات حنان الأم، ومن سيحاسب من أخطأ طبيا بحق فلسطين؟.
وفي ذات السياق، قال سعيد: "التحويلة الطبية صدرت لتحويل فلسطين إلى مستشفى ايخلوف الإسرائيلي، وصدرت بعد مماطلة ورفض للتوقيع رغم قرار وزارة الصحة بالتحويل، ولكن ما الفائدة فلسطين توفيت...؟
من الفاعل؟
" التقارير الصادرة عن التحقيق الأول في الحالة يثبت حدوث الخطأ الطبي" هذا ما أكدته لـ"الحدث" اخت المتوفاه نسرين.
وقال زوجها سعيد: " لجنة التحقيق الطبية التي شكلتها وزراة الصحة قد نفت وجود خطأ طبي وفق التقرير الأول، ولكن التقرير الصادر عن الطبيب الجراحي المشرف على حالة زوجتي قد أثبت العكس، وقد حدث خطأ طبي".
وفي معرض الحصول على نتائج التحقيق في الحالة الصحية لـ فلسطين، اعتبر أفراد العائلة بأن نتائج التحقيق غير منصفة، وقد اقتصرت على وصف الحالة طبياً وبشكل عام حسب ما ذكرت العائلة، وعليه تم المطالبة بإجراء تحقيق آخر.
قالت نسرين: " لم نحصل على نسخة من التقرير الثاني، وقد قيل لنا بأن نتائجه مشابه للتقرير الأول الصادر عن لجنة التحقيق، ولذا لا يوجد خطأ طبي حسب ادعائهم، وقد تم قراءة التقريرعلى مسمعي ولم أحصل على نسخة، ولم اعرف ما تضمنه التقرير".
أضافت : " قيل لنا من يحصل على التقرير هي فلسطين فقط... وفلسطين ماتت".