الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بلدية رام الله / وقفة تقييم عام وسريع للأداء بقلم: د. جمال السلقان

2017-05-12 09:08:03 PM
بلدية رام الله / وقفة تقييم عام وسريع للأداء
بقلم: د. جمال السلقان

وعدت بكتابة تقييم عام لأداء بلدية رام الله ومجلسها البلدي المنتهية ولايته، والآن أكتب على كراهة، لا لشيء إلا لشعوري بأن لا صوت يعلو فوق صوت الأسرى، لكن مع ذهاب المقترعين للانتخاب على أية حال، سأكتب ولو على عجالة.

 

كعادتي في الكتابة، أميل دائما للإنتصار للمفاهيم والأفكار أكثر من الأشخاص، فالأشخاص نحدد موقفنا منهم بقدر اقترابهم أو بعدهم عن المفاهيم الوطنية والانسانية والاجتماعية التي نكتب انتصاراً لها. هذا طبعاً وبأمل أن نتشارك هذه المفاهيم ومنها نحدد موقفنا من القوائم المتسابقة.

 

قبل أن اقوم بسرد أهم المحطات والنقاط التي سأغطيها بتقييمي هذا، أحب أن أرسم خطا عاماً يصيغ رسالة البلدية كهيئة محلية مناط بها سلطات وصلاحيات خدمية للمواطنين الفلسطينييين الذين يعيشون تحت الاحتلال، بمعنى أن البلدية يجب ان تفي بالتزامها بإنتاج خدمة عامة لشعب تحت الاحتلال بما يعبر عن حاجاته الخاصة وضروراته وأولوياته.

 

من الواضح أن السياق الفلسطيني العام يتطلب قيام سلطات محلية بتوفير خدمات خاصة تليق بالانسان كإنسان، وتزوده بأسباب الصمود في وطنه وعلى أرضه، وأن لا تضيف لأعباء المواطن أعباءً جديدة لا تساهم في صموده وإنما في طرده من وطنه.

 

 هذا خط عام سيجد طريقه للتفصيل في كافة الشؤون البلدية من خدمات وضرائب وتمويل وإنفاق ونوعية الخدمة وحساسية الأداء والتراخيص والواسطة والفساد والتواضع في التعامل مع المواطنين والتفكير بمشاريع جديدة لصالح البلد وكيفية إدارة الطرق والسير والمباني وخطط التطوير ومجالس التنظيم وعصرنة البلد وتجميلها والحفاظ على تراثها ومبانيها القديمة وغير ذلك من الاهتمامات التقليدية وغير التقليدية لأي بلدية لأي بلد يواجه احتلالاً اقتلاعياً يواجه المواطن في كل شأن من شؤونه.

 

إلى التفاصيل إذن، وبشكل عاجل سأبدأ من أكثر المواضيع شعبية والتي تحوز على اهتمام الناس وأحاديثم، حتى لو كانت أقل أهمية من نقاط أخرى تأتي لاحقا وبترتيب متأخر:

أولاً: موضوع العدادات: تمت إدارته بشكل أثار سخط المواطنين، وقد كان عيباً أن تقوم البلدية بخصخصة هذه الخدمة وتسليمها لإحدى الشركات الخاصة.

 

الفكرة في الموضوع هي ان الرصيف ملك عام، بمعنى أنه ملك للمواطن نفسه، ووظيفة البلدية هي أن تقوم بحمل الأمانة وبتكليف من المواطن بإدارة وتنظيم هذا الرصيف لمصلحة المواطن (فهو صاحب الرصيف وهو من يحدد من يعمل في البلدية لخدمته)، هذا عقد بين المواطن والبلدية.

 

لهذا السبب فإن قيام البلدية ببيع هذا التوكيل لإحدى الشركات الربحية التي لا يهمها الخدمة وإنما يهمها الربح يعتبر تشويهاً لمفهوم يتعلق بوظيفة البلدية وكيف يفهم المجلس البلدي هذه الوظيفة.

 

من الصعب تصور كيف يمكن لمواطن يملك الرصيف ثم يأتي على سيارته ليجدها مكبلة ويجد نفسه في مواجهة شركة تجبره على دفع نقود مقابل فك السيارة.

 

ثانياً: أزمة السير الخانقة: لا أدري إذا كان هناك دراسات حقيقية قد أجرتها البلدية لتقصي أسباب هذه الأزمة، لكن النتائج تجيب عن ذلك بكل أسف، الأزمة تزداد والإختناق المروري أصبح خانقا كإسمه فعلاً، ومملاً.

 

من الأسباب ان البنية التحتية لرام الله لا تسمح بتحول رام الله الى مدينة بهذا الاكتظاظ، أو الى عاصمة  de facto ومركزاً حكومياً وأهلياً ومدنياً وثقافيا، واقتصاديا.

 

لا أدري اذا كان هناك احصاء لعدد السيارات الموجودة في رام الله (قطعا هناك إحصاء ولكن هل من استخدام لهذه الأرقام كما يجب؟) ولعدد السيارات القادمة الى رام الله اثناء النهار، عدد السيارات القادمة صباحاً والمغادرة مساءً؟ وماذا عن قدرة الطرق الداخلية لإستيعاب هذا الكم من السيارات؟ في الواقع لست أفهم كيف تؤدي الإشارات الضوئية الى مفاقمة الأزمة بدلا من حلها أو على الأقل تنظيمها، أصبح مضحكاً أن تمر بسيارتك على إحدى مفترقات الطرق فإذا كانت الطريق خالية بلا أزمة فإن حدسك الفوري يقودك لللإستنتاج بأن الإشارة الضوئية معطلة ولهذا السبب لا يوجد أزمة! عندما نتحدث عن برمجة الإشارات الضوئية فإننا لا نتحدث عن اكتشاف عظيم وكأننا نعيد اكتشاف العجلة، من المعروف ان الإشارات الضوئية يتم برمجتهما في ضوء كثافة حركة السير ولا تبقى طوال الوقت تضيء الأخضر والأحمر في أوقات الصباح كما هي في أوقات المساء.

 

هذا لأن السيارات القادمة للمدينة صباحا تكون اكثر بكثير من المغادرة لها يكون الضوء الأخضر للقادمين أطول مدة، وبالعكس مساء. أشعر بحرج عند الاضطرار لهذا الحديث في القرن الواحد والعشرين.

 

تتولد أزمة المرور عندما يكون معدل وصول الزبون ( السيارات) أسرع من معدل انقضاء الخدمة (مرور السيارة من مكان الأزمة)، من المفهوم أن هذه الأزمات لا يتم حلها فقط من خلال برمجة الإشارة الضوئية (التي تسرع معدل انقضاء الخدمة) وإنما يتم ذلك الى جانب زيادة خطوط الخدمة (الشوارع والأنفاق والجسور) سواء من ناحية توسيعها أو زيادة عددها، وربما يذهب المختصون الى إعادة توزيع وانتشار أهم المراكز التي يؤمها المواطنون في ساعات محددة لتكون على أطراف بعيدة عن مركز المدينة، هل ثمة دراسات من هذا القبيل في مجال التخطيط الحضري ( Urban Planning).

 

اذا كان الجواب نعم فهل قالو لنا نتائج هذه الدراسات ولماذا لم تحل الأزمة بل وتتفاقم؟ هل سيقولون لنا أن رام الله ستكون في العام 20XX مدينة بلا أزمة؟ لم أسمع أحدا يطمئن بهذا الخصوص، إذن ستستمر الأزمة؟!

 

ثالثاً: المباني القديمة: هي جزء من التراث المعماري للبد، وتكتسب خصوصية فريدة في سياق الصراع مع عدو يدعي أقدميته في هذه البلد، عدو غير قادر على الإثبات أنه شيد مدينة واحدة في التاريخ، لذلك يقوم بعمل المستحيل وفعل كل شيء لتدمير كل ما هو قديم لدينا وكل ما يثبت علاقة شعبنا بأرضه، فتارة يسرق تراثنا وتارة يسرق حتى أشجار الزيتون الرومية التي يصل عمرها لآلاف السنين.

 

مقابل ذلك أجده عيباً كبيراً على مجلس بلدي رام الله أن يقوم بترخيص هدم المباني القديمة في رام الله، وصل عدد المباني القديمة التي تم إعدامها رقما مخجلاً، طبعاً أتحدث عن مبانٍ وبيوت عمرها أكبر من عمر قيام الكيان الغاصب على أرضنا، وأحيانا أكبر من عمر الانتداب البريطاني ويعود لحقب أقدم من ذلك.

 

رابعاً: الضرائب والرسوم: بازدياد  مضطرد وغير مبرر وعشوائي، وأحيانا قمعي (كرخص المهن وبراءة الذمة)، ضريبة المعارف تدفع ولكن دون مردود بالخدمات التي تقدمها البلدية للمدارس، فقط اصبحنا نسمع في الدعاية الانتخابية الحالية اننا سا نقوم بتدفئة المدارس، وسا نقوم ببناء مدارس جديدة وسا...، السؤال ماذا عما سبق وما مصير ضريبة المعارف المدفوعة سابقاً وكيفيات التصرف بها؟ كمفهوم عام أرجو أن يفهم أي مجلس بلدي قادم أنه يدير مدينة تقع تحت الاحتلال وعليه ان لا يثقل كاهل المواطن وان يساهم في تعزيز صموده!

 

خامساً: خدمات المياه والكهرباء والاتصالات: من الشاذ أن يقوم القطاع الخاص فقط بتقديمها لسكان المدينة دون تدخل من البلدية ومشاركتها في رسم السياسة العامة لها ولمواصفات الخدمة وتسعيرها.

 

كمفهوم عام وهذا من أخطر القضايا في فلسطين وسيكون لها علاجاً دراسياً لاحقا: شركات الكهرباء والمياه والاتصالات هي مجرد مزود للخدمة وليسوا مالكين للبنية التحتية ولا لأصولها الثابتة، المواطن هو من يملك جميع هذه الأصول وجميع التمديدات قد دفع المواطن ثمنها، وأن البلدية هي من يمثل المواطن في ملكيته وفي إعطاء التراخيص في حدود ولايتها جنبا الى جنب مع الحكومة.

 

ثمة أمور أخرى لا تقل أهمية يمكن التوسع والحديث عنها، مثل المشاريع العامة والحدائق والمدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية والاجتماعية، وكذلك التقصير في خدمات الطوارىء والغرامات على التجاوزات ومدى المصداقية في علاج القضايا اليومية للمواطنين والاستماع لشكاويهم وعدم ادارة الظهر لهم وامتلاك الجرأة على الاعتراف بعدالة المطالب والتظلمات المقنعة التي يتقدمون بها.

 

وأخيراً، فإنه ليس من العدل أن لا نسجل احتراماً لطاقم البلدية الاداري والمهني والذي ربما تعود اليه، وبفضله، تمت معظم الأعمال التي تقوم بها البلدية كمؤسسة والتي لا خلاف عليها انها ذات قيمة ومهمة ولولاها لفقدت المؤسسة ميزة الاستمرار. شخصياً، تعاملت مع إداريين على قدر عال من المهنية ويقومون بالمتابعة ويأخذون وظيفتهم على محمل من الجد والاهتمام.