الحدث- محاسن أُصرف
كالغريق الذي يُحاول النجاة بأقل الأضرار، بدا موقف المواطن الغزي من سيل التصريحات عن وجود تفاهمات حقيقية وجدّية بين قيادة حركة حماس في غزة وما يعرف بالتيار الإصلاحي في فتح بقيادة النائب المفصول " محمد دحلان".
وبدا الأمل واضحًا في حديث بعض المواطنين الذين استطلعت "الحدث" آرائهم حول وجود مصالحة حقيقية سيبدأ مفعولها بالسريان على الأرض بُعيد عيد الفطر – وفق مصادر سياسة مقربة من حماس-.
فالغالبية يرون أن تلك التفاهمات ستُحسن واقع الحياة الإنسانية والاقتصادية في القطاع والتي انهارت تمامًا على مد سنوات الحصار الطويلة الماضية، خاصة فيما يتعلق بأزمة الكهرباء وفرص العمل وفتح المعابر، يقول المواطن "عبد الله المصري" 28 عامًا: "إن أي اتفاق من شأنه أن يُحقق انفراجة في أزمات القطاع مُرحب به" لكنّه يُصر على التفاؤل الحذر مما يُشاع لحين أن يرى تطبيقًا على الأرض، والسبب كما أخبرنا أن الكثير من التفاهمات السابقة حدثت على الورق ولم يلمس منها المواطن شيئًا إلا مزيدًا من التضييق والرفض الدولي له.
لا مانع من المصالحة
ولا تختلف عنه المواطنة "منى حمدان" 33 عامًا فهي تدعم أي اتفاق مصالحة بين حماس والتيار الإصلاحي بقيادة "دحلان"، تقول: على الأقل ستكون منطقية وواقعية لأنها تعتمد على تبادل المصالح والمنفعة بعكس الاتفاقات السابقة مع الرئيس محمود عباس مؤكدة أن الأخير لم يسعى إلى الشراكة السياسية وإنما أراد التفرد وكان تخليه عن غزة سببًا في معاناتها حتى اليوم.
وترى "حمدان" أن أي اتفاق بين حماس وتيار دحلان يجب أن يمر بباب المُصالحة المجتمعية لضمان استمراره وحمايته بدلًا من إجهاضه والالتفاف عليه ممن لا يُريدون لغزة وأهلها إلا المعاناة والحرب.
فيما يُقر محمد أبو زكي 42 عامًا، بأن التوافق بين "التيار الإصلاح بقيادة دحلان وحركة حماس" بغزة منفعة متبادلة للطرفين سيجني من خلالها المواطن الغزي الذي أُثقل بحصار وخناق وتضييق على كل سبل الحياة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية على مدار 11 عامًا، خيرًا كثيرًا يبدأ بانفراج في الوضع الاقتصادي وتحسين واقع حرية التنقل والحركة بفتح معبر رفح جنوب قطاع غزة، ناهيك عن تجاوز الإجراءات العقابية التي يفرضها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس على غزة وأهلها، وأضاف: أن حماس تُريد أن تخرج من حالة الحصار المفروض عليها، فيما يُريد دحلان أن يستعيد وزنه السياسي الذي فقده وأن يكون ذوو مسئولية وصاحب قرار سياسي في غزة ولذلك كانت المصالحة بينهما.
ويُلقي "أبو زكي" الذي كان يعمل موظفًا في السلطة لومه لوصول غزة إلى هذا الخيار الذي يُعد الأصعب وسيؤدي إلى انسلاخها تمامًا عن شق الوطن الآخر في الضفة المحتلة، على الرئيس "محمود عبّاس" الذي استمر في التخلي عن غزة 10 سنوات سابقة وكافأ موظفيه فيها باستقطاع جزء من رواتبهم دون إبداء أسباب منطقية، إضافة إلى إحالة أعداد كبيرة منهم إلى التقاعد المبكر، ناهيك عن تنفيذ مخططات إسرائيل وتطبيق أوامرها وأمريكا في خنق أهالي الشهداء والأسرى ماليًا وحرمانهم من مخصصات أبنائهم، يقول: في ظل ذلك من الحماقة ألا يُبارك المواطنون في غزة أي تفاهمات بين حماس ودحلان من شأنها أن تُخلصهم من لهيب الحصار.
البديل الأمثل
بدوره اعتبر "هاني البسوس" الكاتب والمحلل السياسي أن التوافق المزمع تطبيق تفاصيله على الأرض "البديل الأمثل" لحل أزمات القطاع التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة نظرًا لعدم تحمل حكومة الوفاق عام 2014 مسئولياتها تجاهه، وقال لنا: " إن التصالح مع دحلان أفضل الخيارات في المرحلة الحالية".
وعانى قطاع غزة خلال سنوات الحصار العشرة الماضية من انهيار في الأوضاع الإنسانية أُضيف إليها مؤخرًا سياسة تضييق شاملة من السلطة الفلسطينية في رام الله بتعميق معاناة السكان بمنع إعفاء وقود محطة توليد كهرباء غزة من الضرائب، والعمل على خصم 30-40% من رواتب موظفيها في القطاع على مدار ثلاثة أشهر ماضية وستستمر، بالإضافة إلى إقرار قانون التقاعد المبكر وقطع مخصصات أهالي الشهداء والأسرى، وانتهاءً بالعمل على تجفيف منابع غزة المالية واستثمار الأزمة الخليجية.
وبحسب الاتفاق فإنه يحوي خطوات حقيقية لإنهاء مظاهر الانهيار في قطاع غزة وذلك بتحسين واقع الكهرباء وفتح معبر رفح بشكل دائم، وهنا يُؤكد "البسوس" أنّ دخول الوقود المصري إلى محطة التوليد في غزة سيُحدث تغيير حقيقي في الحالة الإنسانية التي يُقاسيها سكان القطاع إلى الأفضل.
وحاولت "الحدث" الحصول على تصريح شافٍ من أحد القيادات في حركة حماس بغزة إلا أنها لم تفلح، إذ يتسم الموقف الرسمي للحركة مما يُعلن عنه من تفاهمات مع التيار الإصلاحي في فتح بقيادة دحلان "بالصمت"، وبحسب "البسوس" فإن صمت الحركة يُشير إلى خيارين لا ثالث لهما الأول التريث من أجل إقناع عناصرها المعارضين للتفاهمات والثاني انتظار الوقت المناسب للإعلان متوقعًا أن يكون متزامنًا مع خطوات عملية على الأرض تشي ببدء تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.