الحدث- عامر بعلوشة
ما زال قطاع غزة قابعاً في الظلام حتى لحظة كتابة هذا التقرير، وما زالت أحلام الغزيين مرهونة بمزاجية القيادة الفلسطينية وأقلام الصحف والنشطاء، تترقب خبراً هنا أو هناك يتعلق بدخول الوقود المصري لمحطة توليد الكهرباء في قطاع غزة، أو عودة الخطوط الإسرائيلية للعمل، أو برفع العقوبات التي يدفع يستمر مواطنو القطاع بدفع ضريبتها.
بداية الحكاية
في بداية العام الحالي، أو تحديداً ليوم الثاني عشر من يناير المنصرم، خرج عشرات الآلاف من سكان شمال قطاع غزة في مخيم جباليا، بمسيرة جماهيرية عارمة، للمطالبة بحل فوري لمشكلة الكهرباء، التي كانت حينها تأتي ساعة أو ساعتين يومياً، وهذا ما له من تبعات على كافة القطاعات، سواء على التجارة أو على الصحة أو على الطلاب والمرضى، فكافة الشرائح والطبقات بحاجة للكهرباء، لتسيير أقل المتطلبات الحياتية.
حينها قامت دولة قطر بإرسال إثني عشر مليون دولار لمحطة الكهرباء، وعادت الكهرباء لتأتي ثماني ساعات يومياً، ولكن هذا لم يدم طويلاً، وبعد ثلاثة شهور انتهت المنحة القطرية، وتبعتها إجراءات الرئيس بتشديد الحصار على حركة حماس، وطلب السلطة من دولة الإحتلال بتخفيض كمية الكهرباء التي ترسلها للقطاع، وبالفعل قام الكابنيت بإقرار قرار التقليص الأمر الذي ترتب عليه إرباك غير مسبوق في مجيئ الكهرباء، حتى وصلت لثلاث ساعات وساعتين يومياً، وأحياناً لا تأتي مطلقاً.
هذه المشكلة حطَّت في صدارة المشكلات التي يعاني منها القطاع، بجانب مشاكل حياتية وإنسانية كثيرة، في كافة مناحي الحياة الغزيّة، ولكن مشكلة الكهرباء تحديداً، كأنها أصبحت مرضاً عضال، حين نتحدث عنها.. يتألم الغزيّون.
هذا ما دفع حركة حماس الحاكمة للقطاع للبحث عن كافة السبل لإيجاد مخرج من هذه الأزمة، لعدة اعتبارات، منها سياسية، وهي كيّ لا تكون بموقف الضعيف أمام أبو مازن وضغوطاته ولا تضطر للخضوع له والتسليم لشروط الوحدة الوطنية، ومنها أمنية، وهي عدم عودة الشارع إلى مربع الحراك الشعبي من جديد كما حدث في يناير الماضي، الأمر الذي قد يتبعه فوضى ومشاكل أمنية لا تريدها حماس الآن، أو تحديداً هي بغنى عنها، الأمر الذي دفع بالحركة للبحث في كافة الأوراق التي لديها، ولو كانت من ضمن هذه الأوراق، عدو لها، كان يوماً من الأيام المطلوب رقم واحد للحركة ولكتائبها، ألا وهو محمد دحلان، الذي تكفّل بتقليص مشاكل حماس والقطاع، بإدخال أطنان من الوقود المصري بدعم إماراتي إلى محطة التوليد، الأمر الذي سوف يقلل الأزمة ويعيد الكهرباء إلى نظام الست ساعات أو الثماني ساعات، وبهذا الشكل تذهب ضغوطات أبو مازن و لا تأتي أكلها مع حماس في قطاع غزة.
الشارع الغزي تحديداً كل دقيقة في موقف، فهذا الأمر من ناحية معيشية هو مطلوب للجميع، فحرّ الصيف وشكل العتمة ومن له مريض أو طالب، حتماً سينتظر عودة الكهرباء بأي ثمن، ولو كان ذلك على حساب الوطن والمصالحة الوطنية بين شطريّ الوطن في قطاع غزة والضفة الغربية.
دخول الوقود مؤشر خطير
وفي حديثه لمراسل الحدث في غزة، قال محمود الزق القيادي في جبهة النضال الشعبي وأمين سر هيئة العمل الوطني الفلسطيني: "غزة لها من يمثلها، وخطوة دخول الوقود هي مؤشر خطير لبداية التعامل مع غزة على أنها كيان سياسي مستقل، وهذا منحى خطير يجب على الجميع قراءته والوقوف أمامه جيداً، ومعلوم للجميع أن أي إتفاق بمعزل عن الرئيس الفلسطيني وعن السلطة الفلسطينية هو تعزيز للإنقسام ولصمود حماس أمام الضغوطات". وأضاف الزق: "وأيضاً على صعيد المشكلة معلوم للجميع أن هذا العمل لن يحل مشكلة الكهرباء، وهذا لم يكن هو المطلوب بالأساس، فطالما ليس هناك عدالة في الجباية التي تجبيها حماس في القطاع، فإنها لن تستطيع شراء السولار للمحطة وبالتالي لن تحل المشكلة، وهذا الامر كان ممكنا ولكن في ظل الجباية غير المنصفة فإنها لن تستطيع شراء الوقود من الجانب الإسرائيلي وبالتالي وصل الكهرباء ثماني ساعات".
وشدد الزق على أن غزة هي جزء أساسي من المشروع الوطني الفلسطيني، والتعامل معها بشكل منفرد هو أمر مرفوض لدى الكل الفلسطيني ويجب الوقوف أمامه، والمطلوب هو عودة غزة لمظلة الوحدوية الفلسطينية، وضرب أي محاولة لعزلها، والتعامل مع غزة يكون فقط مع من يمثّلها.
ليس هناك مشكلة لا مع دحلان أو حماس أو عباس
وفي السياق ذاته قال الناشط محمد التلولي أحد منظميّ حراك الكهرباء في غزة للحدث: "نحن ليست لدينا مشاكل مع من يحل المشكلة، وليس لنا مشاكل مع دحلان أو حماس أو أبو مازن، كما وننظر إلى كافة الاطراف بعين واحدة ونقف معهم على نفس المسافة"، وتابع التلولي: "ولكنني حزين لأنني أصبحت انا وأبناء شعبي رهينة مزاجات القيادات، بعد أن نجحوا بتطويع حاجاتنا الإنسانية لصالحهم، وغيّبوا مفاهيمنا الوطنية وروّضوا أحلامنا لتصبح كهرباء ومعابر، هذا فعلياً ما يزعجني، ولكن عودة الكهرباء هي خبر سعيد لكل أبناء غزة".
كما الأمر قال الناشط أمين عابد للحدث: "نحن لا نعتبر محمد دحلان مخوّلاً بحل مشاكل القطاع أو التصالح مع حماس، ومن الأولى أن تتوجه حماس إلى السلطة الفلسطينية لحلّ كافة مشاكل قطاع غزة التي تستطيع السلطة حلها ورام الله أقرب من القاهرة، ويجب على حماس أن تدرك أن هذه الطرق جميعاً ستذهب مع أول هبة ريح، ولن يبق لحماس أحد، سوى منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية والتصالح معها". وأتبع عابد قائلاً: "على حماس التعلّم من الماضي، و قراءة الواقع الذي شاهدنا فيه كيف تخلّت قطر عنها في غمضة عين، وكيف تركها كافة حلفائها، والآن تلهث خلف دحلان، فإلى متى سيظل شعب غزة هكذا، يخرج من عزرائيل فينزل عند ملك الموت، وكل هذا حتى تبقى حماس في صدارة الحكم، ولا تتصالح مع أبو مازن".
لا رد من شركة الكهرباء
مراسل الحدث حاول التواصل مع الجهات الرسمية في محطة توليد الكهرباء في غزة، إلا أنَّ المحطة لم تدلي بأيَّة تصريحات صحفية متعلقة بهذا الخصوص.