الحدث من غزة -عامر بعلوشة
في خبرٍ جديد من نوعه مفاده: نقل قطّة مصابة بكسر في فكِّها للعلاج في مستشفيات الداخل المحتل، بعد طلب قدمته طبيبة أوكرانية لجمعية الرفق بالحيوان في "إسرائيل" لعلاج هذه القطة، و بعد التواصل بين الجمعية ووزارة الزراعة؛ قامت الوزارة بتحويل القطة ونقلها بإسعاف خاص بها، بعد انتهاء إجراءات التنسيق لها عبر حاجز بيت حانون/ إيرز، والذي استغرق ثلاثة أيام فقط.
خبرٌ انتشر مؤخراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل سريع، وهو ما ترافقت معه حالة من الغضب والمقت الشديدين لدى سكان القطاع المحاصر، الآدميون المرضى، الذين لا يجدون أيَّة وسيلة للعلاج بالداخل أو بالخارج، وبين كل فترة وأخرى، نرى وفاة لحالة كانت تناشد هنا، وحالة هناك كان علاجها مرهونا بالرفض الأمني، وإلى آخره من أشكال المعاناة اليومية التي يكون روادها أهل غزة المنكوبين بسبب عدم توافر فرص السفر والعلاج لهم، وفي المقابل قطة يتم نقلها للعلاج بهذه السرعة وهذه الطريقة، الأمر الذي اعتبره البعض إهانة للفلسطينيين ولسكان غزة تحديداً، وضرباً للقيمة الإنسانية والبشرية جمعاء.
وفي هذا الإطار تواصلت الحدث مع إحدى الحالات المرضية التي تعاني منذ فترات ولا تجد وسيلة للعلاج أو السفر، كما حصل مع القطة سعيدة الحظ، وهو المواطن نافذ أحمد التلولي، الرجل الخمسيني المصاب بعدة مشاكل مرضية خطيرة، منها تليُّف الكبد، وغضروف بالعمود الفقري، وهو بالأساس جريح انتفاضة فقد ساقه في نهايات الانتفاضة الأولى في مخيم جباليا، ويحتاج لعلاج طارئ، يقول التلولي:" بصراحة لا أجد ما يمكنني قوله، ولا أجد أي عبارات يمكن أن تصف ما يشعر به كل مريض في غزة، حين يشاهد قطة تُعامل هكذا، وآدميون يُهانون على الطرف الآخر من المعادلة".
وأضاف: "هذه مهزلة حقيقية، وإساءة لشعور المواطن الفلسطيني المسكين، المريض والمحاصر منذ عشر سنوات، بلا اكتراث لمعاناته من أي أحد".
وأوضح التلولي أنه يعاني منذ فترات داخل القطاع دون المقدرة على السفر للخارج غزة للعلاج، علماً بأنَّ غزة لا يوجد بها أي وسيلة علاجية له نظراً لتدني المستوى الصحي، ويتمنى أن ينال الحظ الذي تمتعت به تلك القطة!
وفي حديثه للحدث، قال يوسف سالم المحامي والناشط الحقوقي: "الاهتمام بالقطط والحيوانات هو عمل إنساني يُحترم، وهو شريعة وعقيدة إسلامية، فقد دخلت امرأة النار في هرّة. ولكن المنطق والعقل يقولان بأنَّ هذا العمل الذي يقابله حيوات آلاف من البشر المرضى في غزة بسبب عدم توفّر وسيلة علاجية لهم، هو خروج عن المألوف، وعدم احترام لمشاعر المواطنين الغزيين أجمع، ويجب على الساسة أن يقفوا عند معاناة الناس جيداً، والنظر إليها من جديد بعين المسؤولية".
وأضاف سالم: "شعب غزة تحمّل الكثير، ومعاناته فاقت كل التصورات، وهذا المستوى الذي وصلناه هو نذير لأمور كثيرة قد لا يُحمد عقباها".
وفي الإطار ذاته استطلعت الحدث آراء الكتّاب والنشطاء حول الموضوع، وفي حديثه لمراسلنا، قال الناشط محمد الزعيم: "بمجرد سماعي هذا الخبر اعتقدته مجرد دعابة، ولكنه للأسف كان خبراً حقيقياً"، وأضاف الزعيم: "وفعلياً كنت سعيداً بهذا الاهتمام بالحيوانات، وبالمقابل دولة الاحتلال ترمي ظهرها للبشر في حقهم بالحصول على العلاج، وتزيد يومياً من معاناة أهل غزة على كافة الأصعدة والمستويات".
وتابع الزعيم:" العلاج هو واحد من جملة حقوق يفتقدها سكان القطاع منذ سنين، وهناك أكثر من إثني مليون إنسان غزيّ يفتقدون لأقل الحقوق البشرية والآدمية، وأعتقد أننا وصلنا إلى حالة مزرية من الألم، تجعلنا نشاهد خبراً كنقل قطة للعلاج، يتبعه خبراً بوفاة طفلٍ بسبب عدم تحويله للعلاج، وهو أمر يدعو إلى بالغ الأسف".
ونوّه الزعيم إلى وجود دورٍ موازٍ تلعبه السلطة الوطنية الفلسطينية تجاه المواطنين في القطاع، داعياً بأن يصبح للمرضى في قطاع غزة نفس الحقوق التي تمتعت بها هذه القطة لإنقاذ حياتها.