الحدث- محاسن أُصرف
لم تعُد بقعة في قطاع غزة لا اليابسة ولا البحر إلا وقد واجهت التلوث نتيجة أزمات القطاع المتتالية وبخاصة أزمة الكهرباء التي أثمرت عجز البلديات عن مُعالجة مياه الصرف الصحي والعمل على ضخها إلى البحر.
النتيجة كانت تلوث الشواطئ بنسبة تفوق الـ 70% حُرم معها المواطن الغزي من السباحة في الشواطئ وكانت المعاناة الأكبر لدى فئة الصيادين الذين حُرموا من قوت يومهم سواء بشح الأسماك وصعوبة الوصول إليها في أعماق البحر سوى الـ 3 ميل التي تُحددها "إسرائيل" لممارسة الصيد أو بعزوف المواطنين عن شرائها خشية تلوثها من مياه الصرف الصحي.
عزوف
سلطة جودة البيئة في قطاع غزة أعلنت أن استمرار أزمة الكهرباء وضخ مياه الصرف الصحي غير المُعالجة إلى البحر أدت إلى تلوث الشواطئ، وحذرت على لسان "بهاء الدين الأغا" المدير العام لحماية البيئة من الاستجمام والسباحة قائلًا: إن أكثر من 110 آلاف متر مكعب من مياه الصرف الصحي تُضخ إلى شاطئ البحر بدون معالجة. ما جعله غير مؤهل والسباحة فيه يهدد سكان القطاع بأمراض عدة".
وأثارت هذه التصريحات نوبة من الذعر لدى المواطنين خاصة فيما يتعلق بإمكانية تلوث الأسماك ما يُؤثر على الصحة العامة، وقال مواطنون لـ "الحدث" إنهم لم يذهبوا إلى البحر خلال الصيف رغم أنه المتنفس الوحيد لغزة المُحاصرة، فيما آخرين عزفوا عن شراء الأسماك الطازجة منه واستعاضوا عنها بالمُجمدة المعروف مصدر إنتاجها ومدة صلاحيتها- وفق قولهم- فيما أكد تُجار الأسماك في القطاع أن الأسواق الغزية شهدت تراجعًا ملحوظًا في شراء الأسماك الطازجة لصالح الأسماك المُجمدة خلال الأشهر السابقة.
يقول المواطن "حامد عنان" 45 عامًا: " لم نعد نأمن صحة الأسماك في بحر غزة بسبب تلوثه عبر ضخ كميات هائلة من مياه الصرف الصحي إليه" وأضاف أنه بات يُفضل شراء الأسماك المجمدة رغم محدودية أنواعها.
ويعمد الرجل إلى شراء الأسماك المُجمدة من محلات السوبرماركت الكبيرة التي تتوافر فيها الكهرباء بشكل متواصل بما يضمن له سلامة المنتج نتيجة أزمة الكهرباء، كما أنّه يتأكد من تاريخ الصلاحية، يقول: "أضطر لهذه الإجراءات كلما طلب أبنائي تناول وجبة السمك".
فيما يُرجع "أبو براء العايدي" 33 عامًا، أن أسباب عزوف المواطنون عن شراء الأسماك الطازجة إلى الحالة الاقتصادية المتدهورة في ظل تقليص نسب الرواتب شهريًا، بالإضافة إلى خشيتهم من تلوث الأسماك بفعل ضخ مياه الصرف الصحي إلى بحر غزة بسبب توقف محطات المعالجة عن العمل نتيجة استمرار أزمة الكهرباء وتفاقمها، وقال: أحيانًا نستعيض عن الأسماك الطازجة بالمجمدة فهي أقل ثمنًا وتناسب امكانياتنا المادية".
ويُباع كيلو السمك المُجمد من نوع الجرع بـ 12 شيكل، بينما الدنيس بـ14 شيكل فيما يبلغ سعر كيلو السمك المجمد من نوع بكلاي بـ8 شواكل فقط.
وتُقر المواطنة "رواء عبد الله" 39 عامًا بأنها تُقاطع شراء الأسماك منذ عام تقريبًا، لا تتناولها لا مجمدة ولا طازجة وكذلك عائلتها، تقول لـ"الحدث" أخشى تلوث الأسماك الطازجة بمياه الصرف الصحي وكذلك المُجمدة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وعدم قدرة الباعة على تشغيل المولدات الخاصة بالثلاجات دومًا لتخفيف نفقات التشغيل، وبيّنت أنها في أحد المرات تعرضت للتسمم نتيجة تناول أسماك مجمدة فاسدة بعدها أحجمت عن شرائها.
تؤكد السيدة أنها كانت تشتري الأسماك المصرية في الوقت الذي كانت تدخل فيه إلى القطاع سواء عبر المعابر أو تهريبًا، تقول: "كانت أخف ضررًا إذ لا يتم شراؤها إلا بعد التأكد من سلامتها".
صالحة للاستخدام
وبرغم تدفق مياه الصرف الصحي إلى بحر غزة بمعدل 110 آلاف كوب تُضخ يوميًا عبر 13 مضخة على طول القطاع من شماله إلى جنوبه؛ إلا أنها لم تُلوث الأسماك في البحر، وبحسب "زكريا بكر" مسئول لجان الصيادين باتحاد لجان العمل الزراعي فإن المسافة التي تُعاني من التلوث على بعد 100 متر من شاطئ البحر ولا تصل إلى العمق الذي تعيش فيه الأسماك، ما يُشير إلى سلامتها وصلاحيتها للاستخدام الآدمي، وقال لـ "الحدث": "لم تردنا أي شكوى حول عدم صلاحية الأسماك المستخرجة من بحر القطاع" وأرجع أن سبب عزوف المواطنين عن شراء الأسماك الطازجة إلى الحالة الاقتصادية السيئة بالإضافة إلى قلة الصيد نظرًا لإجراءات التضييق من قبل الاحتلال في عرض البحر.
ركود كبير
بدروه يؤكد " بكر" مسئول لجان الصيادين، أن حالة التخوف لدى المواطنين من شراء الأسماك الطازجة رغم التأكيد على خلوها من أي ملوثات وصلاحيتها للاستخدام الآدمي، أدى إلى تفاقم حالة الكساد التي يُعاني منها سوق الأسماك الطازجة، وكبّد التُجار والصيادين على حدٍّ سواء خسائر فادحة أثرت على مدى التزامهم بواجباتهم ووفائهم بالتزاماتهم لأسرهم، وفي المقابل أنعش حالة تُجار المُجمدات قليلًا، وقال لنا: " البعض يرى أن الأسماك المُجمدة خاصة بعد التأكد من تاريخ صلاحيتها ومصدرها أكثر أمنًا على الصحة من تلك التي يتم اصطيادها من بحر غزة"، لكنه يرى أنها الأكثر خطرًا كونها تأتي من داخل إسرائيل دون معرفة تواريخ تجميدها الحقيقية ومدة صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.
وشدد على ضرورة قيام لجنة حماية المستهلك وكافة الجهات المعنية بالرقابة والتفتيش في البلديات المسئولة عن الأسواق ووزارة الاقتصاد، بمسئولياتها للتأكد من سلامة منتجات الأسماك المُجمدة في قطاع غزة والعمل على منع استيراد المنتجات الإسرائيلية ومقاطعتها بما يدعم اتجاه المواطنين إلى شراء الأسماك الطازجة من السوق المحلي، وقال: "إنها أكثر أمنًا على الصحة من الأسماك المُجمدة المستوردة خاصة في ظل اصطيادها في مناطق عميقة بحدود الـ3 ميل وبعيدة عن تلوث الشاطئ الذي يصل لـ100 متر من بدايته وفقًا لتقارير سلطة جودة البيئة.