الحدث-علاء صبيحات
يتوسط مدينة جنين شارع سمي شارع أبو بكر لا يزداد طوله على كيلو متراً ونصف تقريبا، تتزاحم على طرفيه المحال التجارية، لتجعل منه سوقاً مركزية مكتظة أحيانا.
الاكتظاظ غالبا يكون يوم السبت وفترة الأعياد الإسلامية والمسيحية، كما يقول تجار جنين، فيوم السبت هو يوم إجازة لفلسطينيي الداخل المحتل عام 1948، وبحسب ما أظهرت تقارير إعلامية سابقة، فهم ينفقون 7 ملايين دولار شهرياً في جنين.
صنبور الخير رهن إرادة الاحتلال
حركة السوق التجارية والتي تعتمد على صنبور "الخير" الذي يتحكم بصمّامه حاجز الجلمة، أو بالمعنى الأدق إرادة الاحتلال وهيمنتها على الحواجز، تعتمد على يوم واحد في الأسبوع هو يوم السبت كما يقول محمد البلشة الذي يمتلك 4 محلات تجارية في جنين.
وهذا ما يعتبره مدير عام الغرفة التجارية والصناعية في جنين محمد كميل مخاطرة كبيرة، فهو يقول إن التجارة في مدينة جنين متأرجحة وغير ثابتة وتعتمد بشكل أساسي على اكتظاظ الزبائن من مناطق خارج جنين، فالمدينة لا تعتمد على أهلها لتصريف بضائعها.
أما التاجر في مدينة جنين حربي وشاحي يؤكّد أنه إذا ما توقفت حركة فلسطينيي الـ48 عن القدوم، فإن نبض السوق سيتوقف.
الخلوات ومخاطرة الاستثمار
تجّارة جنين مرهونة بوفود فلسطينيي الـ48 الذين بدورهم رهنٌ لإرادة الاحتلال في فتح وإغلاق حاجز الجلمة، وبالتالي المحال التجارية ستكون خالية فيما لو تم إغلاق حاجز الجلمة بوجه فلسطينيي الـ48، فهل تستحق المحال التجارية في جنين مبلغ "خلو" فلكي؟
يقول التاجر محمد البلشة إن أكبر المشاكل التى تواجه من يريد الاستثمار في جنين هو دفع مبلغ الخلو لمالك المحل التجاري أو لمستأجره الأول إذ يصل مبلغ الخلو إلى 800 ألف شيقل في غالبية المحال التجارية، وهناك بعض المحال يبلغ الخلو فيها 200 ألف دينار أردني و500 ألف دينار أردني.
فيما يوضح كميل أن معظم الصفقات على المحال التجارية تكون مباشرة بين البائع والشاري، مضيفاً أن الخلو هو مبلغ يطلبه مستأجر المحل التجاري الحالي من شخص آخر يرغب باستإجار ذات المحل، وهو بمثابة تعويض مادي للتاجر الأول، وهو مبلغ لا يخول المستأجر الجديد من امتلاك المحل التجاري.
عن الأثر السلبي
نتيجة ذلك فقد أصبح التاجر في جنين مشتت البال والمال بين مستحقات شهرية عليه أن يدفعها، وديون تتراكم فوق رأسه ومصاريف عمال وكهرباء ونفايات وكل ما إلى ذلك كما يقول التاجر حربي وشاحي.
وأحد تلك الصور الواضحة جليا هي إفلاس التجار كما يقول وشاحي فتجربته الشخصية توضح كيف يتدبر تجّار جنين أمورهم، بشكل أساسي يلجأ معظم التجار للتورط في غمار الديون من تجار الجملة، فهم يأخذون بضاعة بقيمة 100 ألف شيقل مثلا يدفعون ثمنها عن طريق شيكات مؤجلة.
هذه الطريقة بالدفع تعطيهم بعضا من السيولة بين أيديهم والتي ليست ملكهم أصلاً فيتصرفون بها لأحد على حساب أحد أو كعملية "تبديل الطرابيش" كما وصفها البلشة.
الدفع بشيكات مؤجّلة
هذا ما يؤكده (ل ص) وهو أحد المستوردين من السوق التركية للملابس، إذ قال لـ "الحدث" إن بضائعه التي قيمتها 200 ألف دولار توزع على التجار، ويدفعون ثمنها بشيكات مؤجلة.
و يكون أول شك من ثمن البضاعة غالبا بعد أربعة أو خمسة أشهر كما يضيف تاجر الجملة، وبالتالي فإن شق غمار سوق الجملة لمن يمتلك رأس مال مهزوز أمرا مستحيلا، و على الأقل عليه أن يمتلك 400 ألف دولار.
ومن ناحية أخرى كما يضيف تاجر الجملة فإن عليه أن يمتلك سعة صدر وتحمل للتجار لأنهم جميعا متورطون بدفعات كبرى، و بحسب العرف التجاري ونظام تسويق البضائع الموجود لا بد من مراعاة ظروفهم.
وما يؤكد ذلك أن التاجر حربي وشاحي يقول إن كل تجار جنين باستثناء اثنين فقط منهم متورطون في الديون ولا يستطيعون إخلاء محالهم التجارية لأنهم سيتورطون آنذاك بالمحاكم والسجون.
ويضيف وشاحي أنه لو لم يراعي تُجّار الجملة هذه الظروف أو إذا ما أُغلق حاجز الجلمة فإن جيوب التجار ستفرغ، وفي المحصلة ، فإن التاجر يضطر لأن يبيع بضائعه بأقل من سعر التكلفة حتى يغطي ما عليه من مستحقات مالية في آخر الشهر.
وبالتالي فإن ارتفاع أسعار الخلو، واعتماد سوق مينة جنين على القدم الغريبة، واكتظاظ السوق في مواسم فجائية فقط، كل ذلك بحسب مراقبين يجعل من مدينة جنين الخيار الأسوأ للاستثمار، فهل ستشكّل لجنة تصنيف لحل نزوح الاستثمارات الفعلية خارج تلك المدينة النائية شمالا عند مصدر هبوب الإعصار، ومن هي المؤسسة الفعلية التي من حقّها تنظيم الخلوات، وهل الاستثمار سيكون حكرا على رؤوس الأموال الضخمة؟ و ما مساحة المشاريع الصغيرة من كل ما ورد؟.