الحدث الإسرائيلي
بعد 25 عاما من ارسال كل من وزارة الخارجية والموساد وفدا الى بيونغ يانغ لمحاولة منع بيع اسلحة الى اعداء اسرائيل، ما زال الأمر يثير المرارة والخلاف.
في 3 نوفمبر من عام 1992، استقل ثلاثة دبلوماسيين اسرائيليين طائرة من بيونغيانغ إلى طوكيو. بعد أن شاركوا في أول بعثة دبلوماسية لإسرئيل إلى كوريا الشمالية، كانوا يتجهون إلى وطنهم آملين في أن تتمكن الدولتان من عكس عداءهما المرير الذي استمر لمدة عقود، والشروع في حقبة جديدة من التعاون المثمر. لقد حلموا بإنشاء بعثة اسرائيلية فى بيونغيانغ، وإقناع النظام المنعزل بوقف بيع الأسلحة لأعداء اسرائيل في الشرق الأوسط.
لكنهم عندما كانوا في طريقهم الى مقاعدهم في الطائرة، رصدوا نائب الموساد آنذاك افرايم هاليفي وأدركوا على الفور أن مهمتهم كانت في مأزق.
“قلت مرحبا، ولا شيء غير ذلك. لم أتكلم معه”، كما تذكر أبراهام سيتون، الذي كان مساعد نائب مدير عام وزارة الخارجية في ذلك الوقت. “بمجرد أن رأيته هناك، فهمت ما يجري. كنت أعرف حيلهم”.
قال سيتون للتايمز أوف إسرائيل هذا الأسبوع، إن مشاركة وكالة التجسس تعني أن وزارة الخارجية كانت خارج السباق. مع مشاركة الموساد، لن يكون هناك شيء ملموس من مشروع الدبلوماسيين لتقريب اسرائيل وبيونغيانغ.
وهذا ما حدث. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحاق رابين قرر في مطلع العام 1993 بأن ينهي محاولة اسرائيل غير المعروفة جيدا، وذلك بسبب الضغوط الامريكية. قد ثبت أن الأمر كان موضع خلاف آخر بين مركز القوة رابين من حزب (العمل) وشمعون بيريس. وبعد 25 عاما، بينما تهدد كوريا الشمالية الغرب بالدمار النووي، فإن الحكاية الغريبة لمؤسستين حكوميتين إسرائيليتين تجس نبض النظام العدائي – والزعم أن الموساد يخيب جهود وزارة الخارجية – لا تزال تحتل المرتبة الأولى مع العديد من أولئك الذين كانوا متورطين.
يعتقد مؤيدو جهود التواصل أن إسرائيل يمكن أن تقيم علاقات مع كوريا الشمالية، وتغير التاريخ. ويرفض المنكرون هذه الفكرة، حيث وصف دبلوماسي سابق في وزارة الخارجية هذا الجهد بأنه “أحد أبشع الحلقات في التاريخ الإسرائيلي”.
حتى داخل وزارة الخارجية نفسها، هناك خلاف: يقول البعض بأن فرصة تاريخية قد ضاعت لتحويل كوريا الشمالية إلى قوة حميدة ذات روابط اقتصادية قوية مع إسرائيل؛ والبعض الآخر يرى الجهد كوهمي وأحمق.
في حين اعترفت إسرائيل بالصين الشيوعية في عام 1950، فإنها لم تقيم أبدا علاقات مع كوريا الشمالية. على مدى عقود، ظلت العلاقات مع بيونغيانغ – التي وفرت لليبيا وإيران وسوريا وبلدان أخرى في المنطقة بتكنولوجيا الصواريخ المتقدمة – معادية للغاية حتى أوائل التسعينات. في ذلك الوقت، كانت كوريا الشمالية تعاني من أزمة اقتصادية حادة، وكان مؤسسها ورئيسها كيم إل سونغ قد أصبح بمرض. يبدو أن أجزاء القيادة في بيونغيانغ مستعدة للنظر في فتح الدولة أمام الغرب.
في سبتمبر 1992، أجرى ايتان بنتسور نائب المدير العام لوزارة الخارجية اتصالا من خلال معارف متبادلة مع رجل اعمال كوري شمالي، الذي اقترح عقد اتفاق: ستشتري اسرائيل منجم ذهب منقطع النظير في كوريا الشمالية مقابل تجميد أو الحد من توفير اسلحت لإيران على يد بيونغيانغ.
وقال بينتسور هذا الأسبوع: “لقد جاءوا لي بهذه الفكرة، التي أخذتها بعد ذلك الى [وزير الخارجية آنذاك] شمعون بيريس. لقد قلت له، هذه فرصة، فرد بيريس: أنظر في الأمر. كان أحد شروطه إبقاء سرية تامة، وعدم اخبار حتى رئيس قسم آسيا بوزارة الخارجية حول هذا الموضوع”.
في 1 نوفمبر 1992، توجه خمسة اسرائيليين – بنتسور، سيتون، والدبلوماسية التي تتخذ من بكين مقرا لها روث كاهانوف واثنين من الجيولوجيين الى بيونغيانغ لاستكشاف امكانية التعاون مع النظام. كانت وزارة الخارجية قد ابلغت الموساد بالبعثة، حيث أن وكالة التجسس مسئولة تقليديا عن العلاقات مع الدول التى لا تقيم فيها اسرائيل علاقات دبلوماسية معها.
قال سيتون في مقال نشر في العام 2007، “لقد شاركنا كل المعلومات مع هاليفي ولم نوفر أي تفاصيل. ولم يبد هاليفي أي اعتراضات طوال الاجتماع. ومع ذلك، في جهودنا للالتزام بالبروتوكول، كنا ساذجين في التفكير في أننا يمكن أن تتعاون مع الموساد”.
تذكر كل من بنتسور وسيتون، فى لقاءات منفصلة مع التايمز أوف اسرائيل يوم الأربعاء، ترحيبا حارا فى بيونغ يانغ. قال بنتسور ان الوفد الاسرائيلي ظل لعدة ايام فى دار الضيافة الرسمية للنظام.
وقال: “لقد تم نقلنا بمروحية الزعيم [كيم إل سونغ] والتقينا بنائبه. وقد رافقنا جنرال رفيع المستوى من الجيش الكوري الشمالي طوال زيارتنا، ورفهونا بمشهد ضخم”. وقد تم عقد لقاء مع صهر كيم، المسؤول عن صادرات البلاد من الأسلحة.
ما لم يعرفه الدبلوماسيون الإسرائيليون في هذه المرحلة هو أنهم ليسوا الإسرائيليين الوحيدين في بيونغيانغ.
قال ارون شاي خبير شرق آسيا: “في الوقت نفسه قام وفد اسرائيلي ثاني برئاسة هاليفى بزيارة الى العاصمة الكورية الشمالية. نظم هاليفي الزيارة لأنه اعتبر الموضوع ثقيلا. إيران لديها قدرة على استلام الصواريخ، وإذا كانت هناك فرصة حتى لو ضعيفة لمنع التعاون بين كوريا الشمالية وإيران في هذا المجال، فإن هذه الفرصة لا يمكن تفويتها … لقد أثار الكوريون القضية، لذلك شعرت اسرائيل بأنها ملزمة بفحص الأمر”.
من غير الواضح حتى اليوم ما الذي فعله ممثلو الموساد في كوريا الشمالية، لكن وفد وزارة الخارجية أخذ الى منجم ذهب اونسان الذي كان من المتوقع أن تشتريه اسرائيل أو تعيد تأهيله، وهو ما قاله استاذ دراسات شرق آسيا في جامعة تل ابيب، الذي كتب العام الماضي في مجلة إسرائيل للشؤون الخارجية. “لا توجد وثائق رسمية للمداولات بين الوفدين. لكن يتبين عموما أن ترتيبات مفيدة للطرفين قد نوقشت”.
وكان بنتسور وزملاؤه مقتنعين بأن كوريا الشمالية كانت حقا مستعدة للتقارب. في الواقع، لا يزال بنتسور يعتقد أن هذا هو الحال.
وقال يوم الأربعاء: “لقد كانت هذه فرصة تاريخية. كان لدى كوريا الشمالية زعيم مريض وكان هناك جو في البلاد حيث كان الناس قلقين بشأن المستقبل. أرادوا الاستثمار الغربي، وبحثوا عن طريقة جديدة للتغلب على الأزمة الاقتصادية القاسية التي كانوا يعانون منها. لقد دخلنا في هذه المساحة”.
وأضاف أن النظام كان على استعداد للنظر فى السماح لاسرائيل بفتح بعثة دبلوماسية فى بيونغيانغ، وكان هناك حديث عن بيريس سيزور البلاد فى مرحلة ما. “الراحل شمعون بيريس، كان رجل عمل. رأى فرصة عظيمة وأراد استغلالها”.
قال أن الكوريون الشماليون يريدون في البداية التحدث في الأغلب عن التعاون الاقتصادي؛ وأرادوا أن تتعامل إسرائيل مع منجم ذهب أونسان وأن تنظر في استثمار مليار دولار في البلاد.
وأكد بنتسور أنه وضّح امام كوريا الشمالية ان اسرائيل لن تعزز العلاقات الثنائية بشكل كبير طالما استمرت بيونغيانغ فى بيع تكنولوجيا الصواريخ الى اعداء اسرائيل. وقال للتايمز أوف إسرائيل: “بالطبع لم يتطوعوا بالتوقف عن صفقات الأسلحة. لكني اثرت هذه المسألة مرارا وتكرارا وسرعان ما أصبح واضحا لهم اننا لن نتمكن من التقدم”.
في الأسابيع التي عقبت رحلة نوفمبر 1992، يبدو لواضعي السياسات في اسرائيل أن كوريا الشمالية قد تكون في الواقع مستعدة لمواكبة مطالب إسرائيل، خاصة إذا ساعدت اسرائيل بيونغيانغ على التقرب بسرعة من الولايات المتحدة. ومع ذلك، سرعان ما علم هاليفي أن النظام ما زال يبيع صواريخ لأعداء إسرائيل، وأنه من غير المرجح التوصل إلى اتفاق، وأنه من الأفضل وقف أي اتصال.
في يناير 1993 دعت كوريا الشمالية بيريس وبنتسور الى بيونغيانغ. لكن رابين رفض السماح لهم بالذهاب، على ما يبدو بسبب ان الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية اصبحتا قلقتين بشكل متزايد بسبب الوفاق الاسرائيلي الكوري الشمالي. وكان رئيس الوزراء نفسه على الأرجح لم يؤمن بقدرة الكوريين الشماليين على الوفاء بوعودهم. عارض بنتسور، واستمر في المطالبة بتجديد المحادثات، ولكن تم إلغاؤها.
وقال سيتون في عام 2007: “يبدو أن هاليفي استخدم قوته في الإقناع لإقناع كل من الأمريكيين ورابين بوقف المفاوضات على الفور. رابين لم يكلف نفسه عناء التشاور معنا، ورفض حتى أن يرانا، وبالتالي لم يكن لديه كل التفاصيل قبل التوصل الى هذا القرار”.
في 3 نوفمبر من عام 1992، استقل ثلاثة دبلوماسيين اسرائيليين طائرة من بيونغيانغ إلى طوكيو. بعد أن شاركوا في أول بعثة دبلوماسية لإسرئيل إلى كوريا الشمالية، كانوا يتجهون إلى وطنهم آملين في أن تتمكن الدولتان من عكس عداءهما المرير الذي استمر لمدة عقود، والشروع في حقبة جديدة من التعاون المثمر. لقد حلموا بإنشاء بعثة اسرائيلية فى بيونغيانغ، وإقناع النظام المنعزل بوقف بيع الأسلحة لأعداء اسرائيل في الشرق الأوسط.
لكنهم عندما كانوا في طريقهم الى مقاعدهم في الطائرة، رصدوا نائب الموساد آنذاك افرايم هاليفي وأدركوا على الفور أن مهمتهم كانت في مأزق.
“قلت مرحبا، ولا شيء غير ذلك. لم أتكلم معه”، كما تذكر أبراهام سيتون، الذي كان مساعد نائب مدير عام وزارة الخارجية في ذلك الوقت. “بمجرد أن رأيته هناك، فهمت ما يجري. كنت أعرف حيلهم”.
قال سيتون للتايمز أوف إسرائيل هذا الأسبوع، إن مشاركة وكالة التجسس تعني أن وزارة الخارجية كانت خارج السباق. مع مشاركة الموساد، لن يكون هناك شيء ملموس من مشروع الدبلوماسيين لتقريب اسرائيل وبيونغ يانغ.
وهذا ما حدث. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحاق رابين قرر في مطلع العام 1993 بأن ينهي محاولة اسرائيل غير المعروفة جيدا، وذلك بسبب الضغوط الامريكية. قد ثبت أن الأمر كان موضع خلاف آخر بين مركز القوة رابين من حزب (العمل) وشمعون بيريس. وبعد 25 عاما، بينما تهدد كوريا الشمالية الغرب بالدمار النووي، فإن الحكاية الغريبة لمؤسستين حكوميتين إسرائيليتين تجس نبض النظام العدائي – والزعم أن الموساد يخيب جهود وزارة الخارجية – لا تزال تحتل المرتبة الأولى مع العديد من أولئك الذين كانوا متورطين.
يعتقد مؤيدو جهود التواصل أن إسرائيل يمكن أن تقيم علاقات مع كوريا الشمالية، وتغير التاريخ. ويرفض المنكرون هذه الفكرة، حيث وصف دبلوماسي سابق في وزارة الخارجية هذا الجهد بأنه “أحد أبشع الحلقات في التاريخ الإسرائيلي”.
حتى داخل وزارة الخارجية نفسها، هناك خلاف: يقول البعض بأن فرصة تاريخية قد ضاعت لتحويل كوريا الشمالية إلى قوة حميدة ذات روابط اقتصادية قوية مع إسرائيل؛ والبعض الآخر يرى الجهد كوهمي وأحمق.
في حين اعترفت إسرائيل بالصين الشيوعية في عام 1950، فإنها لم تقيم أبدا علاقات مع كوريا الشمالية. على مدى عقود، ظلت العلاقات مع بيونغيانغ – التي وفرت لليبيا وإيران وسوريا وبلدان أخرى في المنطقة بتكنولوجيا الصواريخ المتقدمة – معادية للغاية حتى أوائل التسعينات. في ذلك الوقت، كانت كوريا الشمالية تعاني من أزمة اقتصادية حادة، وكان مؤسسها ورئيسها كيم إل سونغ قد أصبح بمرض. يبدو أن أجزاء القيادة في بيونغيانغ مستعدة للنظر في فتح الدولة أمام الغرب.
في سبتمبر 1992، أجرى ايتان بنتسور نائب المدير العام لوزارة الخارجية اتصالا من خلال معارف متبادلة مع رجل اعمال كوري شمالي، الذي اقترح عقد اتفاق: ستشتري اسرائيل منجم ذهب منقطع النظير في كوريا الشمالية مقابل تجميد أو الحد من توفير اسلحت لإيران على يد بيونغيانغ.
وقال بينتسور هذا الأسبوع: “لقد جاءوا لي بهذه الفكرة، التي أخذتها بعد ذلك الى [وزير الخارجية آنذاك] شمعون بيريس. لقد قلت له، هذه فرصة، فرد بيريس: أنظر في الأمر. كان أحد شروطه إبقاء سرية تامة، وعدم اخبار حتى رئيس قسم آسيا بوزارة الخارجية حول هذا الموضوع”.
في 1 نوفمبر 1992، توجه خمسة اسرائيليين – بنتسور، سيتون، والدبلوماسية التي تتخذ من بكين مقرا لها روث كاهانوف واثنين من الجيولوجيين الى بيونغيانغ لاستكشاف امكانية التعاون مع النظام. كانت وزارة الخارجية قد ابلغت الموساد بالبعثة، حيث أن وكالة التجسس مسئولة تقليديا عن العلاقات مع الدول التى لا تقيم فيها اسرائيل علاقات دبلوماسية معها.
قال سيتون في مقال نشر في العام 2007، “لقد شاركنا كل المعلومات مع هاليفي ولم نوفر أي تفاصيل. ولم يبد هاليفي أي اعتراضات طوال الاجتماع. ومع ذلك، في جهودنا للالتزام بالبروتوكول، كنا ساذجين في التفكير في أننا يمكن أن تتعاون مع الموساد”.
تذكر كل من بنتسور وسيتون، فى لقاءات منفصلة مع التايمز أوف اسرائيل يوم الأربعاء، ترحيبا حارا فى بيونغيانغ. قال بنتسور ان الوفد الاسرائيلي ظل لعدة ايام فى دار الضيافة الرسمية للنظام.
وقال: “لقد تم نقلنا بمروحية الزعيم [كيم إل سونغ] والتقينا بنائبه. وقد رافقنا جنرال رفيع المستوى من الجيش الكوري الشمالي طوال زيارتنا، ورفهونا بمشهد ضخم”. وقد تم عقد لقاء مع صهر كيم، المسؤول عن صادرات البلاد من الأسلحة.
ما لم يعرفه الدبلوماسيون الإسرائيليون في هذه المرحلة هو أنهم ليسوا الإسرائيليين الوحيدين في بيونغيانغ.
قال ارون شاي خبير شرق آسيا: “في الوقت نفسه قام وفد اسرائيلي ثاني برئاسة هاليفى بزيارة الى العاصمة الكورية الشمالية. نظم هاليفي الزيارة لأنه اعتبر الموضوع ثقيلا. إيران لديها قدرة على استلام الصواريخ، وإذا كانت هناك فرصة حتى لو ضعيفة لمنع التعاون بين كوريا الشمالية وإيران في هذا المجال، فإن هذه الفرصة لا يمكن تفويتها … لقد أثار الكوريون القضية، لذلك شعرت اسرائيل بأنها ملزمة بفحص الأمر”.
من غير الواضح حتى اليوم ما الذي فعله ممثلو الموساد في كوريا الشمالية، لكن وفد وزارة الخارجية أخذ الى منجم ذهب اونسان الذي كان من المتوقع أن تشتريه اسرائيل أو تعيد تأهيله، وهو ما قاله استاذ دراسات شرق آسيا في جامعة تل ابيب، الذي كتب العام الماضي في مجلة إسرائيل للشؤون الخارجية. “لا توجد وثائق رسمية للمداولات بين الوفدين. لكن يتبين عموما أن ترتيبات مفيدة للطرفين قد نوقشت”.
وكان بنتسور وزملاؤه مقتنعين بأن كوريا الشمالية كانت حقا مستعدة للتقارب. في الواقع، لا يزال بنتسور يعتقد أن هذا هو الحال.
وقال يوم الأربعاء: “لقد كانت هذه فرصة تاريخية. كان لدى كوريا الشمالية زعيم مريض وكان هناك جو في البلاد حيث كان الناس قلقين بشأن المستقبل. أرادوا الاستثمار الغربي، وبحثوا عن طريقة جديدة للتغلب على الأزمة الاقتصادية القاسية التي كانوا يعانون منها. لقد دخلنا في هذه المساحة”.
وأضاف أن النظام كان على استعداد للنظر فى السماح لاسرائيل بفتح بعثة دبلوماسية فى بيونغيانغ، وكان هناك حديث عن بيريس سيزور البلاد فى مرحلة ما. “الراحل شمعون بيريس، كان رجل عمل. رأى فرصة عظيمة وأراد استغلالها”.
قال أن الكوريون الشماليون يريدون في البداية التحدث في الأغلب عن التعاون الاقتصادي؛ وأرادوا أن تتعامل إسرائيل مع منجم ذهب أونسان وأن تنظر في استثمار مليار دولار في البلاد.
وأكد بنتسور أنه وضّح امام كوريا الشمالية ان اسرائيل لن تعزز العلاقات الثنائية بشكل كبير طالما استمرت بيونغيانغ فى بيع تكنولوجيا الصواريخ الى اعداء اسرائيل. وقال للتايمز أوف إسرائيل: “بالطبع لم يتطوعوا بالتوقف عن صفقات الأسلحة. لكني اثرت هذه المسألة مرارا وتكرارا وسرعان ما أصبح واضحا لهم اننا لن نتمكن من التقدم”.
في الأسابيع التي عقبت رحلة نوفمبر 1992، يبدو لواضعي السياسات في اسرائيل أن كوريا الشمالية قد تكون في الواقع مستعدة لمواكبة مطالب إسرائيل، خاصة إذا ساعدت اسرائيل بيونغيانغ على التقرب بسرعة من الولايات المتحدة. ومع ذلك، سرعان ما علم هاليفي أن النظام ما زال يبيع صواريخ لأعداء إسرائيل، وأنه من غير المرجح التوصل إلى اتفاق، وأنه من الأفضل وقف أي اتصال.
في يناير 1993 دعت كوريا الشمالية بيريس وبنتسور الى بيونغيانغ. لكن رابين رفض السماح لهم بالذهاب، على ما يبدو بسبب ان الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية اصبحتا قلقتين بشكل متزايد بسبب الوفاق الاسرائيلي الكوري الشمالي. وكان رئيس الوزراء نفسه على الأرجح لم يؤمن بقدرة الكوريين الشماليين على الوفاء بوعودهم. عارض بنتسور، واستمر في المطالبة بتجديد المحادثات، ولكن تم إلغاؤها.
وقال سيتون في عام 2007: “يبدو أن هاليفي استخدم قوته في الإقناع لإقناع كل من الأمريكيين ورابين بوقف المفاوضات على الفور. رابين لم يكلف نفسه عناء التشاور معنا، ورفض حتى أن يرانا، وبالتالي لم يكن لديه كل التفاصيل قبل التوصل الى هذا القرار”.
من اليسار الى اليمين: سفير اسرائيل في كوريا الجنوبية اشر نعيم ورئيس الوزراء اسحاق رابين ورئيس كوريا الجنوبية كيم يونغ سام في مدينة سول في كانون الاول / ديسمبر 1994. (Yaacov Sa’ar/GPO)
من اليسار الى اليمين: سفير اسرائيل في كوريا الجنوبية اشر نعيم ورئيس الوزراء اسحاق رابين ورئيس كوريا الجنوبية كيم يونغ سام في مدينة سول في كانون الاول / ديسمبر 1994. (Yaacov Sa’ar/GPO)
وقال بينتسور هذا الأسبوع، إن “الموساد كان وراء قرار انهائها”، متهما وكالة التجسس بانها خربت نشاط مبادرة وزارة الخارجية لمجرد انها لا توافق على أي وكالة أخرى عدا نفسها التي تتعامل مع كوريا الشمالية. “ضغط الموساد على وكالة المخابرات المركزية للضغط على [وزير الخارجية الأمريكي آنذاك وارن] كريستوفر، وكان هذا نهاية الأمر”.
بفضل عدم الرد على الإدعاءات الموجهة ضد الموساد، أحال هاليفي يوم الاربعاء صحيفة التايمز أوف إسرائيل إلى مذكراته لعام 2006 “مان إن ذي شادوز” التي تكرس عدة صفحات لمهمته إلى كوريا الشمالية.
بطبيعة الحال، ظل الموساد هادئا تماما حول اتصالاته مع بيونغيانغ. لكن من المؤكد جيدا أن أمل إسرائيل في التقارب مع كوريا الشمالية تعرض أيضا للاعتداء من داخل وزارة الخارجية نفسها.
وقال موشيه يغار، الذي ترأس ادارة قسم اسيا بالوزارة فى ذلك الوقت: “كان ذلك فاشلا من كل زاوية تستطيع أن تنظر منها (…) كان لديهم أشخاص الذين يطيرون الى كوريا الشمالية – وهذا لا يجلب شرفا كبيرا لدولة اسرائيل”.
لم يتم ابلاغ يغار بخطط مهمة بنتسور للسفر الى بيونغيانغ. في الواقع، لم يعلم عن المشروع إلا بعد تسريبه للصحافة، كما قال للتايمز أوف إسرائيل الأسبوع الماضي.
وأضاف أن الموساد غير ملزم بتبليغ وزارة الخارجية عن أنشطته. وقال يغار إن رئيسه لم يتشاور معه قبل الشروع فى مثل هذه المهمة منذ البداية.
وقال بينتسور ردا على ذلك أن بيريس اصدر أوامره بإبقاء المبادرة سرية.
و قال يغار: “كان الأمر سريا جدا لدرجة انه وصل الى صفحات معاريف. كنت مسؤولا عن آسيا – لقد سحبوا مناورة نتنة من تحتي”.
وأضاف أن محاولة كوريا الشمالية التخلي عن صفقاتها المربحة حول الاسلحة مع ايران والعالم العربي مقابل علاقات اوثق مع اسرائيل غير واقعية تماما وان الخبير في المنطقة يمكن ان يكون قد قرر ذلك منذ البداية.
وتابع: “إنه غباء. إنه هراء من الدرجة الأولى. عندما يكون لديك مثل هذه الفكرة عليك أن تتشاور مع أشخاص، لا تفعل ذلك بسرية، ومن ثم تسرب إلى الصحافة (…) أن تكون اسرائيل صديقة لكوريا الشمالية هو امر سخيف جدا، عندما سمعت عنه للمرة الاولى في مقالة معاريف ر فضت تصديقه”.
قال يغار إن استكشاف السبل لمنع الصواريخ من الدخول في الأيدي الخطأ أمر جدير بالثناء، ولكن “لا يمكن إطلاقا بأي حال من الأحوال” أن تتمكن إسرائيل من أي وقت من اقناع بيونغيانغ على مواكبة هذا الهدف، لأن هذه الصفقات كانت ” قيّمة بالنسبة لكوريا الشمالية أكثر من اي شيء يمكن ان تقدمه اسرائيل. إنها واحدة من أبشع الحلقات في التاريخ الإسرائيلي. ولحسن الحظ أنه لم يصدر شيء منها.”
من ناحية أخرى، يصر بنتسور وفريقه على أن مهمتهم كان يمكن أن تغير مسار التاريخ. وقالوا إن كوريا الشمالية اليوم ستكون دولة مثل الصين لو أن الموساد لم يعرقل الأمر – سلطوية، ربما، ولكنها سلمية عموما، وتركز على الرخاء الاقتصادي بدلا من أن تكون عازمة على المواجهة.
وقال بينتسور: “فى ذلك الوقت كان هناك جو من التغيير”. مضيفا ان البعض في القيادة مستعدون لتوجيه البلاد الى اتجاه مختلف اكثر تأييدا للغرب. وأن خبراء فى اليابان وكوريا الجنوبية وحتى مجلة تايم تحدثوا عن “انفراج” عندما تم الاعلان عن المحادثات لأول مرة.
وأضاف: “في تلك اللحظة بالذات كان من الممكن تغيير نظام عدواني وخطير الى نظام يركز على تنمية اقتصاده. ليس هناك شك في أنه كان من الممكن ان تكون كوريا الشمالية مختلفة”.
المصدر/ تايم أوف اسرائيل