الجمعة  11 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ع 91 | أملاك الغائبين فريسة لشركات المؤامرة الاستيطانية الكبرى

2017-08-23 11:20:59 AM
ع 91 | أملاك الغائبين فريسة لشركات المؤامرة الاستيطانية الكبرى
بؤرة استيطانية (ارشيف الحدث)

أكثر من 250 شركة مسجلة بالإدارة المدنية وتعمل على شراء أملاك الغائبين بالخداع والتغطية

تكاليف استرجاع الأرض المباعة بأوراق مزوّرة أعلى من ثمن الأرض نفسها

المبالغ المدفوعة في الحصة الواحدة لا تتجاوز 2500 دينار أردني

 

الحدث- علاء صبيحات

 

مؤامرة تُحاك في الضفّة الشرقية أبطالها عملاء باعوا أنفسهم للاحتلال بأموال قليلة حينًا، وبالمجان في أحيان كثيرة، إذ تنظّم شركات يهودية مسجّلة في الإدارة المدنية عمليات شراء منظّمّة لآلاف الدونمات من أراض مسجّلة في الدوائر الحكومية على أنها أملاك غائبين.

 

أكّد محامي الأراضي حسام يونس لـ"الحدث" أنّ هذه الشركات يتراوح عددها من 250-300 شركة، تقوم بشراء الأراضي من غائبين في الأردن من خلال غطاء أحيانًا من فلسطينيين أو من أردنيين أو دبلوماسيين.

 

فيما قال مستشار رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان محمد إلياس لـ"الحدث": إنَّ الشركات التي كشف عنها ضابط العدلية المكلّف بتسجيل الشركات في مستوطنة بيت إيل منذ العام 1997 وحتى منتصف العام 2016 هو 270 شركة

 

وأكّد إلياس، في دراسته التي اطلعت عليها "الحدث" وتحمل عنوان "تسريب الأراضي والعقارات في الضفة الغربية"، أنه رصد أكثر من 500 شركة تقوم بعمليات الشراء من السماسرة وتضع نصب أعينها أملاك الغائبين.

 

وأضاف يونس أن أبرز الشركات المعروفة شركتا وطن والديار المقدّسة اليهوديتان، وشركة بيتي هيلز الأجنبية، ومئات الشركات الأخرى.

 

مساحة الأراضي المسجّلة كأملاك غائبين

يؤكّد مستشار رئيس هيئة شؤون الجدار والاستيطان محمد إلياس أنه بالرغم من توجه العديد من المؤسسات، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية للإدارة المدنية ومطالبتها وفقًا لقانون حرية المعلومات إلا أنّ الإدارة المدنية تدّعي عدم وجود حصر دقيق لهذه الأراضي.

 

وأضاف إلياس أنّه في العام 2005 انتقد مراقب دولة الاحتلال في تقريره الجهة المسؤولة عن أملاك الغائبين؛ لأنّها لم تُعد سجلات حقيقية مضبوطة بخصوص مساحة الأراضي أو عدد الدونمات المسجلة أملاك غائبين.

 

البيع للشركات وليس للأشخاص، لماذا؟

أوضح المحامي حسام يونس أنّ السبب في بيع الأراضي للشركات هو أنّ القانون الأردني يمنع تمليك الأراضي لأفراد أجانب، ويسمح بذلك لشركات أجنبية هدفها الاستثمار، وهذا ما أكّده مستشار رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان محمد إلياس ومدير عام الدائرة القانونية عايد جرّار. فيمضي الشخص الراغب في الشراء في ترخيص شركة في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وبهذه الحالة هو ليس بحاجة لتسجيلها في الأردن ويمكن له مباشرة شراء الأراضي براحته ودون الالتفاف على القانون بحسب ما أوضح يونس.

 

ويقول مستشار رئيس هيئة شؤون الجدار والاستيطان محمد إلياس: إنَّ هناك مشكلة كبيرة في تشكيل هذه الشركات وآلية عملها.

 

وأضاف إلياس أنَّه ووفقًا للقانون الأردني، فإن الشركات التي يحق لها الاستثمار وتملك العقارات غير المنقولة يجب ألا يكون لها أي ارتباط خارجي حتى تستطيع التملك.

 

وبحسب إلياس، فإنَّ قانون الشركات الأردني المعمول به في الأراضي الفلسطينية، فيه الكثير من بنود لتملك العقارات من قبل الشركات الأجنبية، وعلى رأسها أنَّه يمنع التملك بهدف التحرّز والبيع والمتجارة، وإنما التملك بهدف إقامة مشروع.

 

السمسار

غموض يكتنف تفاصيل بيع الأراضي وتزويرها لصالح الجمعيات الاستيطانية في الضفة الغربية، بتواطؤ تام من محتل يسعى لطرد الفلسطينيين بثمن أو بلا ثمن، وهناك من الألعاب القانونية ما تشيب له الرموش بسبب ذكاء من وضع نظام البيع وخطط له.

 

مدير عام الدائرة القانونية في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عايد مرار أوضح لـ"الحدث"،  أنّ الحكاية تبدأ من السمسار الذي يزوّر أوراق الأرض، ويشتريها ثُمَّ يبيعها للشركة الصهيونية وبعد سنوات طوال قد تصل إلى 30 سنة مثلاً تحاول الشركة تسجيل الأرض، فيعترض صاحبها بأنه لم يبع أرضه.

 

وأضاف مرار أنّ الشركة بهذه الحالة تأتي بأوراق البيع القانونية التي بين الشركة والسمسار، وتؤكّد بأنها اشترتها من هذا السمسار بشكل صحيح، وهنا على البائع المفترض أن يُثبت أنه لم يبع للسمسار.

 

وقال المحامي مرار: إنه في حالة الاعتراض الطبيعي من قبل البائع على المشتري في المحكمة المختصة بحجة أنَّ البيع مزوّر، ولم يتم قط، فإنّه في الأصل أن يقع عبء إثبات قانونية البيع على المشتري، وليس على البائع.

 

وأضاف مرّار أنَّه في حالة قضايا التزوير التي تقوم بها الشركات التابعة للمنظمات الصهيونية، بشكل أو بآخر، فإنَّ عبء الإثبات ينقلب على مالك الأرض، وليس على المشتري، بسبب حيلة قانونية قد تُكلّف مالك الأرض الذي لم يبع أرضه.

 

وأكّد مرّار أنَّ عبء الإثبات يحتاج لتقارير خبرة وفحص ووثائق ومحامين ومسّاحين، والعبء المالي كلُّه يقع على عاتق مالك الأرض، وقد تصل هذه التكاليف لأكثر من سعر الأرض نفسها.

 

لذلك؛ وبحسب المحامي مرّار، فإنَّ الكثير من ملّاك الأراضي يتملكهم اليأس؛ لأنهم لا يملكون هذه المبالغ المالية، أو الذين لا يرون جدوى من الإثبات، فلا يرفع دعوى قضائية على الشركة الاستيطانية، أو على السمسار، وبالتالي تتملك الشركة الأرض، ويتم تسجيلها بشكل قانوني.

 

كما أضاف مدير عام الدائرة القانونية في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أنّه بهذه اللعبة القانونية المُحنّكة لا يقع عاتق الإثبات على عاتق مالك الأرض الأصلي وحسب، بل ويتحمل السمسار مسؤولية تزوير الأوراق.

 

والسمسار في هذه الحالة، كما قال مرّار، لا يحاسب إلا إذا ما رُفعت عليه قضية من قبل الشركة التي اشترت منه الأرض التي تم تزويرها، لكنهم، على حدِّ قوله، "طبخوها سوا"، أي أنّهم لا يقومون بتقديم شكوى على السمسار الذي بدوره يتفرّغ لتزوير أرض أخرى.

 

وأكّد مرّار أنّ هذا كان يتمُّ قديمًا، لكن بعد قيام هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، صارت تحمل عبء الإثبات عن مالك الأرض الأصلي، واستطاعت أن تثبت مئات حالات التزوير التي قام بها السماسرة.

 

الأمر العسكري

قال مستشار رئيس هيئة شؤون الجدار والاستيطان محمد إلياس: إنَّ الأوامر العسكرية الإسرائيلية التي بدأت سلطات الاحتلال بوضعها منذ العام 1967 هي التي سهلت بيع أراضي الفلسطينيين للجمعيات والشركات الاستيطانية، وتزويرها لأوراق ملكية الأراضي.

 

هذه الإجراءات تهدف إلى تجاوز نصوص القانون الأردني المتعلق بحماية الأملاك الخاصة غير المنقولة للفلسطينيين.

 

وذكر محمد إلياس في دراسته، التي اطلعت عليها "الحدث"، وجاءت بعنوان "تسريب الأراضي والعقارات في الضفة الغربية"، أنَّ هناك سبعة إجراءات أصدرها الاحتلال على مراحل عبر الأمر العسكري، ولم تتوقف حتى اليوم.

 

أخطرُ هذه الإجراءات ما يتعلّق بقانون تصرّف الأشخاص المعنويين الأردني في الأموال غير المنقولة رقم (61) لسنة 1953، والقانون المعدل رقم (4) لسنة 1957، يحظر تملك الأشخاص الطبيعيين غير الأردنيين تملك الأموال غير المنقولة خارج المدن، وسمح فقط للأشخاص المعنويين (الشركات والجمعيات والمؤسسات) بعد أن اشترط 5 شروط، وهي أن تكون شخصية معنوية مسجلة في المملكة الأردنية، وأن تحظى طلبات التملك بموافقة مجلس الوزراء، وأن يكون الإحراز والتملك والتصرف بالقدر الضروري لأعمالها، وألاّ يكون الإحراز لمجرّد الإحراز أو الاتجار، ووجوب اقتضاء المصلحة العامة.

 

وفقًا للأوامر العسكرية، كما ذكر محمد إلياس في دراسته، فإنَّ الأمر العسكري خوّل القائد العسكري للمنطقة أو من يكلفه، صلاحيات مجلس الوزراء الأردني، وخوّل القائد العسكري أو من يعيّنه صلاحية السماح للأشخاص المعنوية إحراز وتملك الأموال غير المنقولة، حتى لو لم تتوفر لديها الشروط المفصّلة قانونًا.

 

كذلك في الإجراء العسكري المتعلق بحظر قيام أيِّ شخص بعقد أية صفقة تتعلق بالعقارات من خلاله هو، أو من يتوسط عنه، إلا بعد الحصول على رخصة من السلطة المختصة، ومن يخالف ذلك يحبس 5 سنوات، أو بغرامة 1500 دينار أردني أو بالعقوبتين معًا.

 

الإجراء العسكري الآخر ألغى التعيينات والصلاحيات كافة التي كانت ممنوحة للحكومة الأردنية، أو أيٍّ من سلطاتها بموجب قانون المساحة، وعيّن أشخاصًا من قبل قائد قوة الاحتلال في الضفة الغربية.

 

والإجراء العسكري الذي أبطل مفعول أيِّ أمر تسوية، أو أيِّ إجراء، اتخذ بموجب أمر التسوية، بالإضافة لإلغاء مفعول كلّ التعليمات في القانون تحظر عقد صفقة في الأراضي إثر صدور أمر تسوية.

 

أما الإجراء الذي ضَمِن حقوق تلك الشركات التي تتملك الأراضي، وسهّل لها عملها فهو الذي يتعلّق بتعديل قانون تسجيل الأموال غير المنقولة التي لم يتمّ تسجيلها بعد، إذ سمح التعديل للقائد العسكري بإعادة تشكيل لجان التسجيل الأولي للأموال غير المنقولة ولجنة الاعتراضات وفق معايير جديدة، ليست لها علاقة بالقانون الأصلي.

 

الإجراء ما قبل الأخير، هو الذي يتعلق بإطالة عمر الوكالة الدورية الذي جعل مدة صلاحيتها 10 سنوات، ثمَّ زادها لتصبح 15 سنة، بدل المدة الأصلية وفقًا للقانون الأردني التي كانت سنة واحدة فقط، ثمَّ زادت مدة صلاحيتها لتصبح خمس سنوات.

 

الإجراء الأخير، أعطى الصلاحيات الواسعة لضابط تسجيل الأراضي، يستطيع من خلالها إعفاء الشخصية الاعتبارية (الشركة) من إبراز بعض الوثائق للحصول على إذن بفتح صفقة عقارية، ومنح الحق للمسؤول عن الأموال الحكومية بتسجيل أراض باسمه وأعفته من تقديم الوثائق المطلوبة والاكتفاء بإرفاق نسخة عن إعلانه السابق للأرض كأراض حكومية.

 

كاتب العدل

أكّد مستشار رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن القانون في الأردن يمنع تسجيل الأرض إلا إذا وقّع عليها كاتب العدل، فيما أنَّ القانون الإسرائيلي يسمح للمحامي بعد قضاء مدّة معينة بصفته محاميًا، أن يصبح كاتب عدل، لذلك هو يسافر إلى الأردن؛ ليكون كاتب عدل، ويوقّع على الأرض بهذه الصفة.

 

وبالتالي، ووفقًا للقانون، فصفة كاتب العدل التي يطلبها القانون الأردني غير متوفرة في المحامي الإسرائيلي، ما يعني أن توقيعه ليس قانونيًّا كما أضاف إلياس. بل إنَّ الشركة بحدِّ ذاتها -كما أسلف إلياس سابقًا- كافّة إجراءات تسجيلها ومضمون عملها غير قانوني، وبالتالي، فإنَّ آلية العمل كاملة غير قانونية، لولا التعديلات التي أضافها الاحتلال على هذا القانون، كما قال محمد إلياس عملت على قلب المعنى القانوني.