الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص "الحدث" | الآبار غير المرخصة استنزاف للخزان الجوفي والعواقب كارثية

2017-08-27 10:24:38 AM
خاص
حفر آبار في غزة (ارشيف الحدث)

 

الحدث- محاسن أُصرف

في العام 2002 أُصدر قانون المياه من قبل المجلس التشريعي، ووفقًا للمادة الثالثة فيه فإن جميع مصادر المياه في فلسطين ملكية عامة، لكنّه في المادة الرابعة قيّد هذه الملكية بترخيص وكلف من يقوم على حفر الآبار العشوائية عقوبة تتراوح بين الغرامة أو الردم وأخيرًا الحبس في حال لم يُنفذ الأمرين السابقين وذلك من أجل ضمان استمرار المصادر نابضة بالحياة لتمد السكان باحتياجاتهم.

 

وبحسب سلطة المياه في غزة فإن القطاع بمحافظاته الخمس وبمساحته التي تصل إلى 350 كيلو متر مربع وبعدد سكانه الذين تخطو هذا العام 2017 حيز الملونين يحتاجون لأكثر من 200 مليون متر مكعب من المياه سنويًا، فيما ما يتوفر في الخزان الجوفي لا يُجاوز الثلث فقط، ويُشير أخصائيون ومسئولون في سياق أحاديث منفصلة مع "الحدث" إلى أن مشكلة المياه في قطاع غزة تتفاقم يومًا بعد يوم وفقًا للزيادة السكانية المُقابلة بقلة الموارد.

 

ويعمد السكان في قطاع غزة إلى تجاوز مشكلة المياه التي لا تصلهم إلا وفق جدول أسبوعي يتم تغييره وفقًا لحالة توفر الوقود المُشغل لآبار البلديات عبر حفر الآبار المنزلية متجاوزين بذلك القانون في ظل ضعف الرقابة من قبل الجهات المعنية في القطاع، بحسب متابعة "الحدث" فإن دوافع المواطنين لحفر آبار المياه العشوائية وغير المرخصة، لا تبدو منفصلة عن أزمة الكهرباء المستمرة منذ يونيو/ حزيران 2006 إذ أثرت بشكل مُتصاعد على قدرة البلديات على ضخ المياه من الآبار التابعة لها إلى بيوت المواطنين عبر مولداتها المُقفرة من الوقود، ما حملهم على التخفيف من واقع الأزمة في بيوتهم دون التفكير أو الاكتراث بما يُمكن أن يُحدثه هذا التصرف من آثار كارثية على الخزان الجوفي، وقال أحدهم: " إن اشتداد أزمة المياه في الآونة الأخيرة تزامنت مع شُح الوقود المُشغل لمولدات الكهرباء الموصولة بها الآبار وشُحه عمومًا في قطاع غزة وفقًا لحالة التجاذبات السياسية والاختلاف على ضرائب الوقود بين جانبي الوطن في قطاع غزة والضفة الغربية.

 

لم نملك حلًا

يقول "أبو أسعد" 55 عامًا من مدينة غزة أنه لم يملك حلًا لانقطاع المياه عن بيته المُكون من خمسة طوابق إلا أن يحفر بئرًا يوفر له المياه، وأضاف خلال مقابلته مع "الحدث" أن شُح المياه الواصلة إلى بيته خلال سنوات الحصار الأخيرة بسبب استمرار أزمة الكهرباء وما تُحدثه من إرباك على جدول توزيع وضح المياه في الآبار المُرخصة لدى البلديات في قطاع غزة جعلته يلجأ إلى التفكير في حفر بئر يُخلصه من المعاناة رغم أنّه سيُكلفه أموالًا كثيرة.

 

الرجل حين سألناه عن حصوله على ترخيص للبئر خاصة منزله تلون وجهه، ثم ابتسم ساخرًا وقال: "من أي حكومة سأستخرج الرخصة، خليها ع الله". وتبلغ قيمة حفر البئر قرابة الـ6 آلاف شيكل، وهي مقارنة بالأوضاع الاقتصادية التي يُعانيها المواطنين هناك في ظل حصار مطبق وتضييق على كل مناحي الحياة تبدو باهظة الثمن، يقول "أبو أمجد" 34 عامًا: إن التكلفة عالية لكن تحل أزمة كبيرة بتوفر المياه داخل خزانات المنزل والتي تفرغ سريعًا بسبب الاستهلاك وبسبب تأخر وصول مياه البلدية".

 

ووفقًا للرجل فإن مياه البلدية لا تزور منزله إلا مرتين في الأسبوع، ويُشير أن ذلك يُكبده مصاريف أُخرى يدفعها مقابل شراء مياه مُحلاة لاستخدامها في الأمور المنزلية والحياة اليومية، إذ يبلغ سعر كوب المياه 25 شيكلًا وأحيانًا 30 شيكل.

 

ويملأ "أبو أمجد" خزانات المياه والمقدرة بكوبين مرتين أسبوعيًا بسعر 50 شيكل أسبوعيًا و200 شيكل شهريًا تُضاف إلى أعباء أسرته المكونة من 7 أفراد.

 

في ذات السياق يُشير أحد العاملين في حفر آبار المياه إلى أن هناك إقبال كبير من قبل المواطنين على إيجاد آبار منزلية تُخلصهم من أزمة انقطاع المياه المستمرة والتي تتصاعد مع تصاعد أزمة الكهرباء وشُح الوقود المُشغل لمضخات الآبار، ويقول الرجل، المواطنون يحلون مشكلة التكلفة العالية لحفر البئر عبر تقسيمها عليهم سواء كانوا سكان حي أو برج سكني، لافتًا إلى أن التكلفة حين تكون موزعة تكون أسهل في الدفع أو حتى في تدبيرها سواء بالدين أو الادخار أو جمعية – وفق تعبيره- وبحسب الرجل فإن تكلفة حفر البئر وإيصال المياه لبيوت المنتفعين منه تتراوح بين 5000-6000 آلاف شيكل.

 

كارثة على الخزان الجوفي

"أحمد حلس" مدير دائرة التوعية البيئية في سلطة جودة البيئة بغزة، أكد أن انتشار الآبار العشوائية يُمثل كارثة على مستقبل مخزون المياه الجوفي وشدد على مقابلة مع "الحدث" على ضرورة تنبه الجهات الرسمية والمتخصصة لمتابعة الظاهرة والبحث عن حلول تحد من حالة الاستنزاف.

 

وتُفيد تقارير لسلطة المياه بغزة أن انتشار الآبار العشوائية أدى إلى تداخل مياه البحر بمياه الخزان الجوفي وتسبب في ارتفاع ملوحة المياه بنسبة 97%، وشدد على ضرورة أن تتبع السلطات المحلية في غزة آلية لمنح تراخيص حفر الآبار المنزلية بحيث لا تُؤثر على المخزون الجوفي.

 

وبحسب تقديرات سلطة المياه في غزة فإن عدد آبار المياه في القطاع بلغ 10 آلاف بئر منها 300 مسئولة عنها البلديات في المحافظات الخمس و2700 بئر تعود للقطاع الزراعي والنسبة الأكبر للآبار المنزلية التي يتم حفرها دون الحصول على تراخيص وتنتشر بشكل عشوائي وتُقدر بـ 7000 بئر منزلي.

 

دور مراقب

بدورها سلطة المياه في قطاع غزة تقوم بالإجراءات التفتيشية والرقابية اللازمة لإنهاء ظاهرة حفر الآبار العشوائية، لكنها حتى الآن لم تتمكن من ذلك.

 

وكشف "مازن البنا" نائب رئيس سلطة المياه بغزة عن وجود قرابة 7000 بئر غير مرخصة فيما لم يتجاوز عدد الآبار المرخصة بغزة حاجز الـ 500 بئرًا، وبيّن في حديثه لنا: أن ترخيص هذه الآبار جاء نتيجة لجهود مشتركة بين سلطة المياه والبلديات عبر مباشرة المواطنين الذين يُكتشف عدم ترخيصهم لآبار المياه خاصتهم والعمل على إقناعهم وإرشادهم وفقًا لعدة إجراءات، تبدأ -وفق قوله- بالتبليغ والإخطار وتنتهي بالمُحاكمة القانونية خاصة وأنها تستنزف الخزان الجوفي.

 

وعلى الرغم من أن الآبار المنزلية تُؤدي وظيفة جيدة في التخفيف من العبء المُتثاقل على آبار البلدية، إلا أنها تبقى بحسب "البنا" ذات تأثير سلبي على المدى البعيد، فاستخدامها بطريقة غير منظمة من شأنه أن يستخرج المياه الجوفية ويتسبب بنفادها في وقتٍ تُعاني أصلًا من الشُح، يؤكد المسئول أن المشكلة في حفر الآبار العشوائية أنها تتم بطريقة غير سليمة لا يُراعى فيها حدود المصلحة العامة لمصادر المياه، وأضاف: البعض يحفر الآبار بعمق كبير وآخرين يحفرون بالقرب من البحر وفريق ثالث يحفر بالقرب من آبار سابقة، وهو ما يُؤثر سلبًا سواء على مصدر المياه الجوفية أو على صحة الإنسان الذي يستخدم تلك الآبار، لافتًا إلى أن زيادة العمق للبئر من شأنه أن يستخرج مياه مالحة غير قابلة للاستخدام الآدمي علاوةً على أن القريبة من البحر قد تكون ملوثة تمامًا كمياه الشاطئ التي يُضخ إليها مياه الصرف الصحي، لكن لا أحد يُطبق والغالبية تُخالف القانون دون رادع.

 

حل أزمة الكهرباء أولًا

وعلى الرغم من الحديث عن الآثار الكارثية لحفر الآبار العشوائية على الخزان الجوفي وبدء ظهورها بارتفاع نسبة الملوحة نتيجة اختلاط مياه البحر بمياهه إلا أن سلطة المياه في قطاع غزة لم تملك وفق قانون المياه المعمول به منذ عام 2002 منع حفر الآبار المنزلية لكنها تشترط أن يكون مرخصًا، ويقول "البنا": إن أزمة الكهرباء اليومية وتفاقمها بين الحين والآخر السبب الرئيس لضعف قدرة سلطته على ضبط الحالة"، وأضاف أن الحل الأمثل يكمن أولًا في حل أزمة الكهرباء ومن ثمَّ إقامة مشاريع لتحلية مياه البحر يُمكنها أن تُوفر للمواطنين المياه بشكل جيد.

 

يُذكر أن سلطة المياه افتتحت بداية 2017 مشروع محطة تحلية مياه البحر في جنوب القطاع بتمويل من الاتحاد الأوروبي ونجحت في تزويد 75 ألف نسمة بالمياه، وفي هذا السياق يدعو "البنا" إلى العمل الجاد على تحريك مشاريع محطات التحلية الخاصة بمياه البحر والتي تم تجميدها بسبب الانقسام والحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 2007.