الخميس  18 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إلى عرفات النبي بقلم: أحمد زكارنة

2014-11-11 09:06:38 AM
إلى عرفات النبي
بقلم: أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

 تجليات

سيدي ومولاي.. "لا يبكي عاديٌ على استثناء" قال الشاعر قبل أن يرحل، وترحل، وبالرغم فقد وهن العظم وأتلف السهر عيني لكثرة ما سَوَّدتُ وشَطَبتُ من وجعٍ أدّعيه، كما يدعي غيري تحدي الاحتلال وفوهات البنادق وجنازير الدبابات وغدر الأباتشي.

 

أما أنا وقبل السقوط المحتمل، وفيما أقف في المسافة المائلة إلى لون الدم، بجوار من يقف ويسير بالقرب من جدار الأبرتهايد، جدار برلين الجديدة، بدت لي فكرة الكتابة إليك على أوراق الزيتون، عله يعصر من الزيت ما يداوي الجراح، ويمكن أن أستخدم سعف النخيل، لربما يتمايل فندرك عمق حرفي "الحاء والباء" في مجتمع ذاق من بعد غيابك مذاق اليتم.

 

وإن ضاقت بي السبل سأقف أعلى نقطة في جبل النار.. سأحاول الدخول من الهامش إلى المتن علني أصل نقطة التقاء الشمس بالأرض في سفوح مرج ابن عامر، المهم أنني سأحاول في إيقاع سريع ومتوتر، الصراخ ولو بأنّات الأطفال الذين حرموا من طفولتهم.. سأنصت بأستاذية المهزوم لوجع الأرامل والثكالى، لخيبة القدس فينا.

 

سيدي ومولاي.. منذ ودعناك قبل عشر سنوات، حدثت أمور كثيرة دفعتنا إلى الارتداد إلى المربع الأول، مربع التيه الذي تلبسنا ما بين سفر الخروج من بيروت، ونسك الإقامة في تونس.. حدث أننا تأخرنا عن رفع العلم في طابور الصباح، فباتت بعض زهراتنا التي كنت تنشد، لا تحفظ النشيد!

 

حدث أيضاً أننا عبثنا في عيار البوصلة وفقاً لكل فصيل من فصائلنا، فلم تعد القدس في مدى الرؤية، ولا العودة جل همنا.. ولا أفشي سراً إن جهرت بأننا بدلنا سؤال الهوية، بهوية السائل والمسؤول، فبتنا عرايا بلا إجابات شافية، منْ نحن؟

 

نحن اليوم سيدي، والوطن يحيا على هامش الكذب والادعاء والنفاق، في ظل احتراب يديره المستفيدون، ونغض الطرف عنه بعقول متفتحة تعي ضرورات المرحلة المعطوبة، كانت لغتنا، لغة الأرض وملح الأرض، تلعثمنا فضاعت الأرض أو تكاد، وفقدنا اللغة، ولكنْ، لا تقلق، ما زلنا متمسكين بما يميزنا عن "ابن عربي، والحلاج" محافظين على أهم استثناء راسخ، رسوخ الجذر في الهواء، خاصة ونحن من حاك الخيط السري الممتد بين ما علمتنا من فعلٍ، وما فرضوه علينا من انزياح للشعار، فبينما اخترت أنت الأول بشكلٍ يخالفُ السائد والمألوف، اخترنا نحن الثاني كي نحافظ على الاستثناء في اللوح المحفوظ، حفاظاً على حقوق الابتكار.

 

نعم سيدي، لقد أُصبنا بارتفاع حاد في التنظير، فكثرت الاجتهادات في تفسير مقولة النفري، "كلما اتسعت الرؤيا، ضاقت العبارة"، لندرك متأخرين أن كل الرؤى ضاقت، لتسيل بدلاً عن العبارة آلاف العبارات تحت شعار "بمَ تفكر"، فما بالك والواقع قد تجاوز المتخيل؟!

 

أقالوا لك: إن داعش وأخوتها باتت قميص عثمان لكل التنويريين والظلاميين على حد سواء؟ وإن إحياء ذكراك لن يحيا لدواع أمنية في فضاء النظرية التفكيكية بالمعنى الدقيق؟ أعلمت أن كذبة الربيع العربي، كُشف عنها الحجاب، فأصبحنا لا نمارس إلا فقه الاختلاف؟ هل عرفت أن العراق قسمت إلى ثلاث، وأن السودان بات سودانيين، وأن سوريا، كما ليبيا، دمرت عن بكرة أبيها، وأن اليمن يسير على طريق الحوثيين؟

 

سيدي ومولاي.. وأنا أكتب إليك رسالتي هذه، رحت أستنطق نصاً مختلفاً بالضرورة عن دلالات هذا النص، إلا أني تذكرتك وأنت تبح الصوت "على القدس رايحيين شهداء بالملايين" فعدلت عن فكرة الاستنطاق، وعدت مضطراً إلى ممكنات القول، ليس لأني بطل، وإنما لأنك غُيبت نبياً منتحراً على مذبح الوطن الذي أضعناه أو كدنا، والأنبياء عندما يُغيبون بفعلِ فاعل، لا يصح أن نبقى شهود زور.