الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المصالحة وتشمير البنطال بقلم نور عودة

وعَلامَةُ رَفْعِهِ الفِكْرَة

2017-10-09 08:17:31 PM
المصالحة وتشمير البنطال
بقلم نور عودة
نور عودة

في أشد أيام الاقتتال الداخلي ضراوة في قطاع غزة، كانت هناك مجموعات من المدنيين العزل ينزلون لشوارع غزة المضرجة بدماء الإخوة للدفاع عن مجتمعهم وضرورة وحدته وواجب إنهاء الاقتتال الداخلي الذي يمزقه. سقط من هؤلاء الشهداء والجرحى، ولكنهم استمروا حتى آخر لحظة في ممارسة حقهم كمواطنين وواجبهم كوطنيين في الدفاع عن وحدة فلسطين ونضال الشعب الفلسطيني للحرية والاستقلال. لم يقبل هؤلاء الأبطال أن يكونوا مفعولاً به لا حول لهم ولا قوة، ولم يذعنوا لحتمية الدم والانقسام حتى بعد وقوعه، فاستمروا في الدفاع عن وحدة وطنهم المسلوبة وإرث شعبهم النضالي الذي تلطخ بعار الاقتتال الداخلي والانقسام. ويشهد أهل غزة وضحايا الاقتتال أنَّ من دافعوا عن الوطن بصدورهم العارية كانوا وحدهم بينما وقفت الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني، التي عادة ما تملأ الدنيا صراخًا حول الديمقراطية والحوار والمواطنة، متفرجين وغير ذي صلة.

 

خلال العقد الماضي من الانقسام، ازدادت وحدة أهل قطاع غزة وترسخ انفصام في الهوية الفلسطينية يكون فيها "الضفاوي" منهمكًا في همومه اليومية، و"الغزاوي" مسحوقًا ووحيدًا بين مطرقة الانقسام وسندان الاحتلال وحصاره الإجرامي. صحيح أنَّ الأمر لم يخلُ من مبادرة نسوية هنا وندوة نخبوية هناك حول الانقسام وضرورة إنهائه إلى غير رجعة؛ لكن الحقيقة أنه لا أحد امتلك الجرأة الكافية لدراسة كيف فشلت مكونات المجتمع في حمايته وكيف كانت مفعولاً به، وكيف أن برامج المجتمع المدني التي لا حصر لها لم توصل المجتمع إلى مرحلة من التحصين ضد الاقتتال الداخلي والانقسام وحل الخصومة السياسية بالدم بدل التنافس على خدمة الشعب ومشروعه الوطني. لم يمتلك أحد الجرأة على مساءلة الفصائل الفلسطينية التي لم يكن لها القدرة أو ربما النضج الكافي لتحمل مسؤولياتها ومنع ما حدث من انقسام دموي. وفي سياق عشر سنوات من العزلة، ازداد هذيان الانقسام والانفصام. بالتوازي مع حلقات الردح السياسية والاتهامات المتبادلة بين أطراف الانقسام، كان هناك من يتحدث عن واقع وحدة يعيشه الشعب هو أقرب للتمني من الواقع وبعيد كل البعد عن

 

واقع من دفع ويدفع فاتورة الانقسام من دمه ولحمه ومستقبل أطفاله. حالة من الإنكار المحرك الأساسي فيها هو انعدام الاستعداد لمواجهة مقومات الانقسام الموجودة في المجتمع الفلسطيني ككل، بما في ذلك انتشار التحريض والتكفير والتخوين أسلوبًا متبعًا من الجميع في مواجهة الخصوم في الإعلام والجامعات والشارع والبيت. وتجلت حالة الانكار وترسّخت حتى وصلت بالبعض أن استكان وأقنع نفسه أنَّ الاقتتال لا يمكن أن يحدث في الضفة الغربية، ليس لأن المجتمع محصنٌ وموحدٌ ويعي مخاطر الانقسام، بل بسبب وجود إسرائيل التي لن تسمح لحماس بالاقتراب منها إلى هذا الحد!

 

اليوم فلسطين تبدو على أعتاب مرحلة جديدة وفرص نجاح عملية إنهاء الانقسام أكبر من ذي قبل؛ إذا ما توفرت الإرادة والمسؤولية المطلوبة من الجميع. لكن محادثات فتح وحماس وخطوات الحكومة المرتقبة لن تكفي لترسيخ الوحدة وضمان عدم تكرار هذا الفصل المعيب والدموي من تاريخنا. هناك مسؤوليات يجب أن تتحملها أطراف المجتمع كافة لضمان النتائج المرجوة، يتمثل أهمها في العمل على ترسيخ المصالحة والوحدة على الأرض وزرع القناعة بتحريم استخدام السلاح لحلّ الخلافات السياسية تحريمًا مطلقًا. هذه المسؤوليات تتطلب هجومًا إيجابيًا من قبل قوى المجتمع المتمثلة في مؤسسات المجتمع المدني والفصائل وغيرها من المؤسسات الفاعلة في المجتمع مثل الجامعات والمعاهد ووسائل الإعلام وغيرها.

 

المصالحة هدف كل وطني غيور وهي أيضًا مصلحة سياسية لكل الأطراف المحلية لكن هذا، على أهميته، لا يكفي. فلسطين بحاجة إلى هجوم مدني لتوريط الأطراف إيجابيًّا في المصالحة وترسيخ مفهوم المواطنة والشراكة. فلسطين بحاجة لمن هو مستعد لتحمل مسؤولياته في بناء وطن لا يتمزق بسبب الخلاف ولا يغرق في الدم بسبب المنافسة السياسية. هناك ملفات عديدة وضخمة لا يمكن إلا للحكومة أن تتولاها في إطار إنهاء الانقسام لكن تمكين الحكومة وحده لن ينقذ الوطن من خطر فشل جهود المصالحة أو الانزلاق مجددًا في أتون الدم والاقتتال. هذه مسؤولية الجميع، فإما أننا جاهزون للمواطنة الفاعلة التي تتطلب منا مراجعة فشلنا وتحصين مجتمعنا أو أن نرتضي بدور المفعول به ونفقد أهليتنا كمجتمع مدني ومثقفين في المطالبة بدور فاعل في المجتمع ومعالجة قضاياه المهمة.

 

الوقت الآن ليس للترقب والفرجة. ويقدر ما هو مطلوب من فتح وحماس والحكومة أن تشمر عن سواعدها وتشمر عن بناطيلها لكنس الوحل الذي خلقه الانقسام، مطلوب ممن يدعون أنهم قوى فاعلة في المجتمع أن تفعل الشيء ذاته. شمروا عن سواعدكم وبناطيلكم وحصّنوا المجتمع بعقيدة المواطنة والشراكة والحوار.