السبت  10 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 94.. الحسابات الختامية ودورها في تعزيز المساءلة على الإنفاق العام

مــؤيد عفـــانة/ عضو الفريق الأهلي لشفافية الموازنة العامة

2017-10-12 10:26:40 AM
في العدد 94.. الحسابات الختامية ودورها في تعزيز المساءلة على الإنفاق العام
وزارة المالية الفلسطينية

 

أناط القانون الأساسي الفلسطيني وقانون الموازنة العامة وقانون ديوان الرقابة المالية والإدارية مهمة إعداد التقارير الرقابية المالية بـ "ديوان الرقابة المالية والادارية" بهدف تعزيز بيئة الشفافية والمساءلة في ادارة المال العام، وتحديدًا فحص مدى التزام الحكومة والمؤسسات العامّة الرسمية بأحكام قانون الموازنة العامة المقرّة والمعتمدة، وذلك من خلال الرقابة والتدقيق على الحسابات الختامية التي تعدها وزارة المالية سنويًّا للموازنة العامة، وتقديمها الى السلطة التشريعية "المجلس التشريعي"، الامر الذي يتيح للمجلس التشريعي مساءلة الحكومة ومفوضها في ادارة المال العام "وزارة المالية"، وبالرغم من اهمية التقارير المالية الشهرية والربعية عن ادارة الموازنة العامة، الا ان "الحساب الختامي" النهائي يبقى اساس المحاسبة والمساءلة الرسمية.

 

فالحساب الختامي للموازنة العامة للدولة يعدّ أداة من أدوات الرقابة على النشاط الحكومي، فمن خلال البيانات الواردة فيه، سوف تتأكد السلطة التشريعية من مدى التزام السلطة التنفيذية بما أقرته واجازته السلطة التنفيذية من نفقات لتنفيذ ما اعتمدته السلطة التشريعية من برامج وسياسات تتعلق بنفقات الدولة وايراداتها في مختلف المجالات والأنشطة المقررة في الموازنة. ويساعد على تصويب تقديرات الموازنة العامة في السنوات المقبلة، فبناء على دراسة النتائج الواردة في الحساب الختامي، يمكن تقدير ارقام الموازنة العامة في السنوات المقبلة لتقليل

 

ما هو الحساب الختامي:

"سجّل حسابي تفصيلي تسجل فيه كافة المبالغ التي قامت الدولة بأنفاقها فعليًّا على مختلف أوجه الانفاق الحكومي، وكافة المبالغ التي قامت بتحصيلها، من مختلف المصادر الايرادية، وخلال فترة زمنية ماضية عادةً سنة"، وقد عرّف قانون الموازنة العامة، الحساب الختامي بأنه :

 

" الحساب الختامي: الحساب الذي يتم إعداده وفقًا للمعايير والمبادئ المحاسبية المتعارف عليها ووفقًا للنظام المحاسبي الموحد، ويمثل بيانًا لحساب الموازنة ونتيجة تنفيذها كأرقام فعلية وحقيقية في نهاية السنة المالية".

 

الأحكام القانونية ذات الصلة والمتعلقة بإعداد الحسابات الختامية

نظرا لأهمية الحساب الختامي، فقد توالت التشريعات والقوانين التي تناولته وحددت أحكامه، مثل:

 

القانون الأساسي الفلسطيني، حيث نصت المادة رقم (62) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدّل على "يجب عرض الحساب الختامي لميزانية السلطة الوطنية على المجلس التشريعي في مدة لا تزيد على سنة واحدة من تاريخ انتهاء السنة المالية، ويتم التصويت عليه بابًا بابًا"

 

قانون الموازنة العامة، حيث نصت المادة (66) من قانون رقم (7) لسنة 1998م بشأن تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية، " على أساس الحسابات التمهيدية المعدة بموجب المادة (65) تعد الوزارة مسودة الحساب الختامي وتقدمها إلى مجلس الوزراء للاعتماد والإحالة إلى المجلس التشريعي خلال سنة من نهاية السنة المالية للإقرار، كما وترسل نسخة من المسودة إلى ديوان الرقابة المالية والإدارية".

 

قانون ديوان الرقابة المالية والإدارية، حيث نصت المادة رقم (34) من قانون رقم (15) للسنة 2004، قانون ديوان الرقابة المالية والإدارية " على أساس الحسابات التمهيدية المعدة بموجب المادة (33) تعد وزارة المالية مسودة الحساب الختامي وتقدمها إلى الديوان خلال سنة من نهاية السنة المالية لدراستها ورفع ملاحظاته بشأنها إلى المجلس التشريعي".

 

النظام المالي للوزارات والمؤسسات العامة، الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (43) لسنة 2005ـ حيث نصت المادة رقم (149) فقرة رقم (6) من النظام المالي للوزارات والمؤسسات العامة على "تعد الوزارة مسودة الحسابات الختامية وتقدمها إلى ديوان الرقابة المالية والإدارية خلال سنة من نهاية السنة المالية"، كما نصت المادة رقم (150) فقرة رقم (3) من النظام المالي للوزارات والمؤسسات العامة على "تعد الوزارة الحساب الختامي للسلطة الفلسطينية متضمنًا كافة البيانات التي تعكس إيراداتها ونفقاتها الفعلية للسنة المالية المنتهية".

 

المعايير الدولية، حيث نصت المعايير الدولية لشفافية الموازنات العامة، تبعًا لشراكة الموازنات العالمية IBP على أنَّ الحساب الختامي يجب ان يصدر وينشر في فترة لا تزيد على عام من نهاية العام المالي، وكذلك نصت على ان التقرير المدقق يجب ان يصدر وينشر في فترة لا تزيد على 18 شهرًا من نهاية العام المالي، أي خلال 6 اشهر من اصدار الحساب الختامي.

 

مسؤولية وزارة المالية في إعداد الحساب الختامي:

وفقًا للقانون رقم (7) لسنة 1998، بشأن تنظيم الموازنة والشؤون المالية وتعديلاته بموجب القرار رقم 4 لسنة 2008، والنظام المالي الفلسطيني للوزارات والمؤسسات العامة لسنة 2005 وتعديلاته، والقانون الأساسي المعدل، وقانون ديوان الرقابة المالية والإدارية رقم (15) لسنة 2004، فان وزارة المالية مسؤولة عن اعداد البيانات المالية وعرضها بصرورة عادلة وفقًا لمعايير المحاسبة الدولية في القطاع العام -الأساس النقدي- وتشمل هذ المسؤولية التصميم والتطبيق والاحتفاظ برقابة داخلية لغرض اعداد وعرض البيانات المالية بصورة عادلة خالية من الأخطاء الجوهرية، سواء كانت ناشئة عن احتيال أو خطأ، وتشمل مسؤولية الإدارة (الوزارة) اختيار واتباع سياسات محاسبية مناسبة والقيام بتقديرات محاسبية معقولة حسب الظروف.

 

مسؤولية ديوان الرقابة المالية والإدارية  في تدقيق الحساب الختامي:

يستلم الديوان الحساب الختامي من وزارة المالية، ومن ثَم يدقق البيانات الواردة فيه، وبعد اصدار المسودة الأولى، يعمل الديوان على مخاطبة وزارة المالية، بمجموعة من الملاحظات والايضاحات المطلوبة، ويتم الرد من قبل وزارة المالية يسمّى "رد الإدارة"، ويعمل بعدها الديوان على ابداء الرأي حول هذه البيانات استنادًا الى التدقيق الذي قام به تبعًا للمعايير الدولية للأجهزة الرقابية العليا (معايير الانتوساي ISSAI ، ومعايير التدقيق الدولية)، وتتطلب تلك المعايير التقيد بمتطلبات قواعد السلوك المهني، والقيام بتخطيط واجراء التدقيق للحصول على تأكيد معقول، فيما اذا كانت البيانات المالية خالية من الأخطاء الجوهرية.

 

 واقع الحسابات الختامية:

من خلال مراجعة التقارير الصادرة عن ديوان الرقابة المالية والإدارية، فان آخر حساب ختامي مدقق ومنشور هو للعام 2011، ومن خلال مصادر الديوان فانه تم العمل على تدقيق الحساب الختامي 2012، وتبعًا لأهمية الحساب الختامي، كوثيقة مهمة للدولة، ودوره في الرقابة والمساءلة على الانفاق العام، فقد عمل ديوان الرقابة وبالتعاون مع وزارة المالية والبنك الدولي على بذل جهود كبيرة من اجل اصدار الحسابات الختامية المطلوبة وتقليص الفجوة الزمنية، وتم العمل على اعداد دليل المحاسبة في القطاع العام "الكتيب المحاسبي" بدعم من البنك الدولي وكذلك تدريب الموارد البشرية العاملة في وزارة المالية عليه، من اجل تعزيز كفاءة وفاعلية الأداء في وزارة المالية، خاصة في مجال اعداد الحسابات الختامية، الامر الذي من المفروض ان يؤدي الى تسريع إنجازها وردم الفجوة الزمنية القائمة. وقد باشرت وزارة "المالية والتخطيط" في اعداد الحسابات الختامية المتأخرة للسنوات 2013-2014-2015، والتي سيتم إصدارها وارسالها لديوان الرقابة المالية والادارية تباعا خلال الأشهر القادمة، وحسب مصادر وزارة المالية فانه سيتم الانتهاء منها قبل نهاية العام الجاري (2017)، من اجل ردم الفجوة الزمنية في اعداد الحسابات الختامية، وعمليًّا تم اعداد وارسال الحساب الختامي للعام 2013 لديوان الرقابة.

 

متابعة الحساب الختامي والتقرير المُدَقق مسؤولية من؟

تبعًا لأحكام القانون، وعلى رأسها القانون الأساسي الفلسطيني المعدّل يجب عرض الحساب الختامي لميزانية السلطة الوطنية على المجلس التشريعي في مدة لا تزيد على سنة واحدة من تاريخ انتهاء السنة المالية، ويتم التصويت عليه بابًا بابًا. ونصّت احكام قانونية عدة أخرى على الموضوع.

 

لذا؛ فإنّ المساءلة على الحسابات الختامية هي من مهام المجلس التشريعي، ولكن عمليًّا هذا الامر معطل بصيغته القانونية والرسمية خلال السنوات الأخيرة بسبب تعطل عمل المجلس التشريعي منذ العام 2007.

 

وتبعا للقانون الأساسي الفلسطيني، وتحديدا المادة (56) والتي تنص في فقرتها الثالثة على حقوق اعضاء المجلس ومنها "توجيه الأسئلة والاستجوابات إلى الحكومة أو إلى أحد الوزراء، ومن في حكمهم"، فانه يستطيع أي عضو في المجلس التشريعي مساءلة وزارة المالية عن أية قضية ذات شأن عام ومن ضمنها عدم إصدار او تقديم الحسابات الختامية في موعدها، او عن ملاحظات تدقيق ديوان الرقابة، ولكن الإجراءات الرسمية والإطار القانوني الشامل للمساءلة وإصدار احكام وتشريع وغيرها تبقى معطلة بسبب تعطل أعمال المجلس التشريعي بشكل عام، وبالتالي؛ فإنّ هذه الامكانية أيضًا معطلة.

 

الخلاصة:

الحسابات الختامية مهمة لأنها سجل مالي تفصيلي يبين المصروف والمحصل، وأداة رقابية مهمّة لتعزيز الشفافية وتفعيل المساءلة في إدارة المال العام، وتوجد إشكالية في تنفيذ الأحكام القانونية المتعلقة بإعداد الحساب الختامي للموازنة العامة، تتمثل في عدم اصدار الحسابات الختامية في موعدها الذي نص عليه القانون الأساسي، والقوانين الأخرى ذات الصلة، كما توجد إشكالية في تطبيق مبدأ المساءلة في الانفاق العام، من خلال تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني، وهو الجهة المخولة قانونيًّا على المساءلة على الانفاق العام من خلال الحساب الختامي، وتعمل وزارة "المالية والتخطيط" على معالجة التحديات والاشكالات التي واجهتها في اعداد الحسابات الختامية السابقة، وخاصة ان معظمها فنية وتقنية –تبعًا لوزارة المالية-، وذلك بالتنسيق مع ديوان الرقابة، وبدعم فني من البنك الدولي، الامر الذي سينتج عنه ردم الفجوة في اصدار الحسابات الختامية مع نهاية العام الجاري تبعًا لوزارة المالية، كما أنَّ ديوان الرقابة المالية والادارية لا يملك الأدوات القانونية التي تمكّنه من الزام الجهات الخاضعة للتدقيق بالتوصيات والملاحظات التي يصدرها في تقاريره، خاصة في ظل غياب وتعطل المجلس التشريعي، المسؤول الأول عن المساءلة وفقا لأحكام القانون، وبالتالي؛ فإنّ تطبيق مبدأ المساءلة فيما يتعلق بالحساب الختامي يبقى منقوصًا.

 

وختامًا،،

توجد ضرورة بالالتزام بالأحكام القانونية الخاصة بالحسابات الختامية، خاصة وانها احكام ونصوص واضحة، وإصدار الحسابات الختامية في موعدها القانوني، نظرًا لأهمية ذلك في تطبيق مبدأ المساءلة على الانفاق العام. وتزويد ديوان الرقابة بها من اجل التدقيق عليها وتحديد الانحرافات ان وجدت، حتى لا تسقط تلك الانحرافات والملاحظات بالتقادم، وتزيد "الاحداث اللاحقة التراكمية" تبعًا للتأخر في اصدار الحساب الختامي وفي المتابعة، كما توجد ضرورة ان يمارس اعضاء المجلس التشريعي دورهم وفق القانون، كونهم الجهة الرئيسة المسؤولة عن مساءلة وزارة المالية عن الحساب الختامي، وان تعمل مؤسسات المجتمع المدني على تعزيز المساءلة الاجتماعية، من خلال تبني نهج المساءلة ضمن اهداف تلك المؤسسات، والعمل على مأسسة ذلك، وتطوير قدراتها في هذا السياق، لتفعيل دورها في تعزيز الشفافية والنزاهة والمساءلة على الانفاق العام، خاصة في ظل الفراغ الذي أحدثه غياب وتعطل المجلس التشريعي.

 

مــؤيد عفـــانة/ عضو الفريق الأهلي لشفافية الموازنة العامة